د. احمد براك - استاذ القانون الجنائي ورئيس هيئة مكافحة الفساد

يسعدني أن أرحب بكم في موقعي الشخصي، آملاً من الله تعالى أن يكون هذا الموقع مصدراً من مصادر الحصول على المعلومات القانونية من تشريعات فلسطينية وعربية، ورسائل ماجستير ودكتوراه، إضافة للمقالات العلمية في مختلف فروع القانون. وليكون أيضاً وسيلة للتواصل ما بيني وبين الباحثين والقانونيين، والذين أعدهم شركاء حقيقيين في عملية تعزيز الثقافة القانونية.

رسالة الدكتوراه (العقوبة الرضائية في الشريعة الإسلامية والأنظمة الجنائية المعاصرة )

طباعة

تحتل نظرية الدعوى العمومية مكاناً أساسياً في القوانين الإجرائية الجنائية المختلفة، فهناك تلازم بين سلطة الدولة في العقاب وبين الدعوى الجنائية، فمن المقرر أنه لا عقوبة بغير دعوى جنائية، حيث إن حق الدولة في العقاب هو حق قضائي( 1) وتباشرها النيابة العامة، ولا يجوز التصرف فيها بالتنازل عنها أو التعهد بعدم تحريكها أو بالتخلي عن الطعن في الأحكام الصادرة بشأنها، وكل تصرف منها يفيد ذلك يقع باطلاً (2)، وقد جاء في الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية المصري أنه لا يجوز ترك الدعوى الجنائية أو وقفها أو تعطيل سيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون (3)، وبذلك لا يجوز لها الدخول في أية مساومة مع الجاني بغرض إعفائه من المسئولية الجنائية أو إفلاته من العقاب، ولو كان ذلك في مقابل التزامه بإصلاح الضرر الناشئ عن جريمته (4)، فالنيابة لا تملك أن تتنازل عن حقها في ذلك بالتصالح مع المتهم (5)، وبذلك تعد الدعوى الجنائية وبحق إحدى حلقات الشرعية التي حرصت الإنسانية على التمسك بها؛ لما تنطوي عليه من ضمان إجراء محاكمة عادلة للفصل في إدانة الفرد من عدمه عن أي جريمة تنسب إليه، حيث تهدف إلى تحقيق العدالة، وتعتبر ضمانة مؤكدة من ضمانات المتهم (6)، بيد أن الدعوى الجنائية ليست حفلة عامة لإذلال المتهم (7)، وهذه أصول قدمت البشرية لإقرارها كثيراً من التضحيات، وبقيت متمسكة فيها كرد .( فعل إزاء ما كانت تعانيه من تعسف في التجريم والعقاب في أغلب المجتمعات.

وبالفعل وفي بدايات القرن العشرين تدخلت الدولة في شتى مجالات الحياة رافقه تضخم تشريعي في المجال الجنائيinflation pénale جعل أجهزة العدالة الجنائية ترزح تحت وطأة كم هائل من القضايا والأعباء التي تتجاوز بكثير هذه الأجهزة، مما أدى إلى تأخير في حسم القضايا، وحال دون قيام القضاء بممارسة دوره في تفريد العقوبة بالشكل المناسب، كما حال دون ممارسة الأجهزة المختصة بتنفيذ العقوبة لدورها في تفريد المعاملة العقابية وتحقيق الإصلاح المنشود، فبدت العقوبة قاصرة عن تحقيق أهدافها في الردع والإصلاح، فارتفعت نسب العود والتكرار، وبدأ الشك يحيط بالعقوبة وفاعليتها كوسيلة في قمع ظاهرة الإجرام والقضاء عليها أو التخفيف منها، فنشأ ما بات يعرف بأزمة العقوبة وأدى التوسع في التجريم إلى الإسراف في استخدام الدعوى الجنائية لتحقيق سلطة الدولة في العقاب، وتزامن هذا الإسراف مع طول الإجراءات الجنائية فأصبحت المعاناة ذات وجهين، وجه عقابي سببه هذا التوسع في التجريم، ووجه إجرائي سببه الدعوى الجنائية وظهر إلى السطح ما يعرف بأزمة العدالة الجنائية Justice pénale la crise de فالعوامل التي تعرقل سير العدالة الجنائية تتعدد وتتضاعف يوماً بعد يوم، من تعقيد في الإجراءات، وإغراق في الشكليات، ووحدة السلاح الإجرائي المستخدم -كقاعدة عامة- على الرغم من أن الظاهرة الاجرامية متعددة ومتنوعة إلى جانب الزيادة الكبيرة في عدد الجرائم كماً ونوعاً، إلى الحد الذي أمكن معه القول بأن العدالة الجنائية -المرفق الذي ينصف الآخرين- قد أصبح في حاجة لمن ينصفه (3)، ويربط بعض الباحثين بين طبيعة النظام الإجرائي السائد في الدولة وبين سرعة الإجراءات، حيث ان النظام الاتهامي يحقق أكبر سرعة ممكنة في الإجراءات، عن النظام المختلط، بينما يشوب النظام التنقيبي بالبطء وتعقيد سير الدعوى الجنائية.

ففي فرنسا يتم كل عام إثبات حوالي 3,5 مليون جريمة، وهذا المعدل تم تسجيله في الأعوام الأخيرة، بالإضافة إلى ذلك المعدل الأسود الشهير للإجرام، وهذه الظاهرة في مجموعها تكشف عن وجود أزمة للعدالة الجنائية ( 5)، وهذا بالأضافة إلى قرارات الحفظ حيث ، تم حفظ 80 % من الشكاوى التي وردت إلى النيابة العامة على سبيل المثال في عام 1993وهذا يدل على حجم الأزمة (6). وهو نفس الحال في جميع الأنظمة القضائية، ففي مصر ترد إلى النيابات ملايين الشكاوى، وفي فلسطين هناك 58 الف قضية مدورة، حتى منتصف عام 2009 ، ويزيد عدد الدعاوى التي تعرض على النيابة العامة الألمانية سنوياً على ثمانية ملايين قضية (1)، والحقيقية التي لا يمكن إنكارها، أن كماً من الأدلة ضاعت بسبب طول الإجراءات وتعقيدها، أو كماً من مجرمين ارتكبوا أشد الجرائم فتكاً وضاعت أدلة الاتهام ضدهم، فعادوا إلى مجتمعاتهم أبرياء كما ولدتهم أمهاتهم، ومن ناحية أخرى، فإن سنوات طوالاً تفصل بين وقوع الجريمة وتوقيع العقاب تقود إلى عدم الثقة في القانون، وتضعف من نفوذه وهيبته في نظر الجميع، فالرأي العام لا يهتم بالعقوبة قدر اهتمامه بالجريمة، ولا شك أن بطء العدالة يطمر فكرة الردع القانوني. ومع مرور الوقت ينسى الناس أن هناك عقاباً سوف يطبق، وتظل الجريمة قائمة في أذهانهم ويتزايد لديهم الإحساس بأن المجرم قد مر دون عقاب، ولا شك ان كل ذلك يخلع من المجتمع إحساسه بالثقة والأمن، ويولد نزعات الثأر الفردي مع ما يقود إليه من هدم لوجود الدولة ذاتها( 2). فالتجربة أثبتت قصور العدالة التقليدية في مواجهة ظاهرة تزايد منازعات الجمهور في النطاق الجنائي وكذلك كشفت خطورة أزمة وسائل التنظيم .( الاجتماعي، فضلاً عن قصور السياسة الجنائية التقليدية في معالجة هذا النقص.

وأمام هذه المؤشرات الخطيرة كان لابد للسياسة الجنائية أن تعيد النظر في استراتيجيتها المتبعة في مكافحة الإجرام، وبالفعل بدأت السياسة الجنائية منذ منتصف القرن الماضي تبحث عن وسائل تحقق أقصى فاعلية ممكنة في مكافحة الإجرام. وقد حاولت التشريعات المختلفة وضع آلية لهذه السياسة محل التطبيق، وهذه الآلية اختلف نظامها ومداها من تشريع إلى آخر تبعاً للظروف الخاصة بكل دولة، والأهداف المرسومة للسياسة الجنائية فيها. وعليه اتجهت السياسة الجنائية اتجاهين: أحدهما موضوعي، ويتمثل في سياسة الحد ،La dépénalisation وسياسة الحد من العقاب ،La décriminalization من التجريم وإحلال التدابير الاحترازية محل العقوبات التقليدية، والآخر اتجاه إجرائي يتمثل في الوسائل الممكنة في تيسير إجراءات الدعوى الجنائية، أو بدائل الدعوى الجنائية، فكانت من أهم آليات السياسة الجنائية المعاصرة لمواجهه أزمة العدالة الجنائية، فلم يقتصر بدائل الدعوى الجنائية في نطاق الإجراءات الجنائية، وإنما يجب النظر بعين الاعتبار إلى القوانين الجنائية الموضوعية والإجراءات على السواء، فلكل قانون من هذه القوانين دوره في الوصول إلى الأهداف المبتغاة من بدائل الدعوى الجنائية( 4)، وبذلك بدأت تضعف قيمة الدعوى الجنائية كأسلوب قانوني لإعمال سلطة الدولة في العقاب، بعد أن لوحظ أن جهود المجتمع لمعالجة المجرمين كانت في أسوأ تقدير غير إنسانية، وفي أحسن تقدير غير فعالة، وأنها في الغالب عقيمة، وفي جميع الأحوال مشوشة( 5)، وبهذا الوضع يتأكد التداخل بين القطاع العقابي، والقطاع الإجرائي، ويوجب التعاون بينهما لتحقيق أهداف السياسة الجنائية المعاصرة، ومن هنا كان هناك تعاصر حتمي بين بدائل العقوبة، وبدائل الدعوى الجنائية، وعليه لا بد من ظهور بدائل إجرائية عن الدعوى الجنائية، تستقيم مع فكرة التخلص من العقوبة التقليدية، وتجعل من هذه البدائل وعاء يحقق فيه أفاقه المستقبلية بالرغم من معرفة قانون الإجراءات لبدائل الدعوى الجنائية من الناحية الإجرائية منذ زمن غير قصير( 1). فنجد مثالاً لذلك في المذكرة رقم (1) لمشروع قانون الإجراءات الجنائية المصري الحالي الصادر في 3 سبتمبر أن يحدد قانون الإجراءات الجنائية الطريق الذي يكفل للدولة حقها في القصاص » :1950 من المجرم، ويعني بصفة خاصة بالنظم والأحكام التي ترمي إلى تبسيط الإجراءات الجنائية وسرعتها، لينال الجاني جزاءه في أقرب وقت، وذلك بغير إخلال بالضمانات الجوهرية2) فأخذت النزعة الاجتماعية تملي على السياسة )«. التي تمكن البريء من إثبات براءته الجنائية، وذلك لحل الصراعات، وتوجيه مصير المجتمع في وسائل يغلب عليها المظاهر الاجتماعية؛ مثل العدالة الجنائية لرضائية، والتصور الجديد للعدالة الجنائية يجمع في طياته عنصرين أساسيين: التحول من العدالة القهرية الى العدالة الرضائية من جانب، والإسراع في الإجراءات الجنائية التقليدية من جانب آخر،( 3) ولكن بمباركة القضاء وتأييده لها لرفعها إلى مرتبة الأحكام القضائية من حيث القوة التنفيذية (4)، فتعالت الأصوات في مجلس وزراء أوروبا باتباع نظام العقوبة الرضائية البديلة، فكانت توصيته في عام 1987 ، للدول الأعضاء (5)،plea – guilty في الاتحاد الأوروبي باللجوء إلى إجراءات الاعتراف بطريق المفاوضة أحد انظمة العقوبة الرضائية، وكذلك في المؤتمرات الدولية فقد أوصى مؤتمر الأمم المتحدة
العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في فيينا – في الفترة من 10 إلى 17 إبريل سنة 2000 ، بنهج آليات العدالة الرضائية أوالتصالحية (6)، وقد أوصى مؤتمر تطوير نظام العدالة الجنائية -والمنعقدة بالقاهرة في الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر 2003 ، باستخدام نظام الإقرار بالجرم المكتوب (مفاوضة الاعتراف) والتوسع في نطاق التصالح والصلح، والأمر الجنائي (7)

وهذا ما انتهجته السياسة التشريعية، ففي مصر وبعد عودة نظام التصالح إلى الحياة بموجب القانون رقم 174 لسنة 1998 ، بتعديل قانون الإجراءات الجنائية؛ وحرصاً من المشرع المصري على الإصلاح التشريعي من خلال إجراء تعديلات في القوانين بغية تطبيق الأحكام الواردة في الدستور بهدف تحقيق غايات محددة تنحصر في تيسير إجراءات

التقاضي وكفالة تقريب جهات القضاء من المتقاضين، وسرعة فصل المحاكم في القضايا المعروضة عليها مع الحفاظ على الحريات والحقوق العامة والخاصة معاً، فقد أصدر 153 لسنة 2007 بتعديل بعض أحكام قانون ، المشرع القانونين رقم 74 سنة 2007الإجراءات الجنائية، وذلك بالتوسع في نظامي التصالح والأمر الجنائي، -من ضمن أنظمة العقوبة الرضائية-، ولهذان التعديلان أهداف يمكن حصرها كما يأتي :

أولا : التخفيف عن المحاكم بالتوسع في تفعيل تطبيق نظام التصالح في الدعاوى الجنائية
من خلال إضافة جرائم أخرى يمكن إعمال هذا المبدأ عليها.
ثانيا : تحديث الأوامر الجنائية، وزيادة نطاق تطبيقها، لتشمل جميع الجنح المعاقب عليها
بالغرامة أو بالحبس الجوازي، أو بعبارة أخرى غير المعاقب عليها بالحبس وجوباً.
ثالثا : سرعة الفصل في قضايا الجنح المنظورة أمام المحاكم وتبسيط إجراءات الطعن
.( فيها؛ حفاظاً على حقوق الأفراد

وهو ما شرعه أيضا المشرع الايطالي حين تبنى بإقراره القانون رقم 447 ، بتاريخ 16 مفاوضة » فبراير 1988 ، لإجراءات جميع صور نظام العقوبة الرضائية من العقوبة بالاتفاق والمحاكمة الإيجازية، والأمر الجنائي، والتصالح( 2)، وكذلك المشرع الألماني ،« الاعتراف حيث أقر في المادة 153 في الفقرات أ،ب، والمادة 154 إجراءات جنائية نظام الحفظ تحت شرط قيام المتهم بواجبات معينة، واقراره أنظمة الوساطة الجنائية والتصالح والأمر الجنائي، فالعامل المشترك في جميع هذه الأنظمة البديلة عن الدعوى الجنائية هو الرضائية القائمة بين سلطة تنفيذ القانون والمتهم في اختصار إجراءات الدعوى الجنائية، والاعتراف الصريح أو الضمني بالوقائع؛ في مقابل فرض عقوبة رضائية مخفضة متفق عليها.

أما المشرع الفرنسي فهو لم يتوان عن تحقيق ذات الهدف، فأصدر العديد من القوانين الساعية نحو تبسيط إجراءات التقاضي وتفعيل العدالة، بتبني أنظمة العقوبة الرضائية، من الوساطة الجنائية، والأمر الجنائي، والتسوية الجنائية، ونظام المثول على أساس الاعتراف المسبق بالجرم، وكان آخرها وأهمها على الاطلاق قانون مواءمة العدالة لتطورات الجريمة 204 الصادر في 9 مارس 2004 ، فهو القانون الأكثر أهمية، منذ قانون - رقم 2004 3)، ويشكل علامة بارزة على تطور الدعوى ) الإجراءات الجنائية الصادر عام 1959 الجنائية( 4)، وبذلك أراد المشرع أن يوفق ما قد يستعصي على التوفيق بمعنى أن يقلل من عدد قرارات الحفظ، وفي ذات الوقت أن يعالج ذلك التزاحم من قبل القضايا أمام قضاء ،la troisème voie الحكم( 1). وبذلك فإن هذه الأنظمة تمثل ما يسمى بالطريق الثالث بمعنى أن النيابة العامة في سبيل معالجة الدعوى الجنائية ليست بين الخيارين التقليدين فقط، وهما إحالة الدعوى للمحاكمة أو حفظ الدعوى، وإنما هناك طريق ثالث يتمثل في ، 2-41 ،1- بدائل الدعوى - نظام العقوبة الرضائية- المنصوص عليها في المواد 41 3-41 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي( 2)، وقد أولت هذه آليات الرضائية اهتمامها للمشرع الفرنسي في ضوء السياسة الجنائية enfant chéri بالمجني عليه الطفل المدلل المعاصرة( 3)، ولا شك ان نظام العقوبة الرضائية يضمن الحق في المحاكمة السريعة.


وبذلك نستطيع القول: بأن السياسة الجنائية تتجه نحو التحول من عدالة عقابية الى عدالة رضائية، تقوم على مراعاة البعد الاجتماعي في المنازعات الجنائية، من مراعاة حقوق المجني عليهم، وتأهيل الجاني ليصبح فرداً صالحاً في المجتمع وإعادة الإنسجام بين أفراد المجتمع لتحقيق السلم الاجتماعي. والعامل المشترك بين جميع أنظمة العقوبة
الرضائية هو الرضائية، بمعنى رضا الجاني الصريح أو الضمني بإجراء نظام العقوبة الرضائية والعقوبة المفروضة بواسطته من خلال الاتفاق بين سلطة تنفيذ القانون من القضاء، أو النيابة العامة، أو مأموري الضبط القضائي، أو الإدارة مع الجانح مرتكب الوقائع على الإجراء والعقوبة معاً، وبذلك تتحقق العقوبة الرضائية( 4)، ونقصد بنظام العقوبة الرضائية كونه نظاماً إجرائياً وإن تزامن معه بدائل العقوبة، وبذلك فقد تجلت صورة وقد تأخذ ،La Justice consensuelle أخرى للعدالة الجنائية سميت العدالة الرضائية وهذا يعني خصخصة الدعوى ،La Justice Negociée العدالة الجنائية شكلاً تفاوضياً الجنائية( 5)، فاستخدام نظام العقوبة الرضائية يعتمد على قبول الأطراف الخاصة وبمعاونة القضاة، على إبرام اتفاق بخصوص مصير الدعوى الجنائية، وقد تصبح الرضائية منذ هذه اللحظة أمراً محيراً، بل وأحيانا مفزعاً. فكيف نتصور في الواقع أن تتلاقى الإرادات الخاصة مع السلطات العامة، وفي أغلب الأحيان - بناء على اقتراح هذه الأخيرة- على .( إصابة القواعد الجنائية بالشلل، وهي تلك القواعد التي تعد من قبيل النظام العام

ولقد كان للشريعة الإسلامية قصب السبق في تبني فكرة الرضائية، وبخاصة نظام الوساطة الجنائية الذي يتماثل مع نظام الصلح في النظام الجنائي الإسلامي، حيث حثت عليها منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرناً، وخير دليل على ذلك قوله تعالى : » وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما « وقد جاءت السنة المطهرة مؤكدة ومحبذة للوساطة بين المسلمين، من » : حيث روى أبو هريرة -رضي الله- عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول » أصلح بين اثنين استوجب ثواب شهيد « وقد كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري» ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن «


ولا يستقيم بحثنا في نطاق العقوبة الرضائية على حكم التشريع الوضعي، وأن نغفل دراسة أحكام الشرع الحنيف في هذا، لذلك فقد أفردنا في كثير من الأحيان مباحث خاصة بأحكام الشريعة الغراء ومقارنتها بأحكام التشريع الوضعي حيث يقتضي الأمر، حتى يمكننا استنباط الضوابط والأحكام التي تكفل حسن تطبيق النظام بما يحقق الغاية التي شرع من أجلها.

يمكنكم الحصول على النص الكامل من رسالة الدكتوراه من دار النهضة العربية في القاهرة