د. احمد براك - استاذ القانون الجنائي ورئيس هيئة مكافحة الفساد

يسعدني أن أرحب بكم في موقعي الشخصي، آملاً من الله تعالى أن يكون هذا الموقع مصدراً من مصادر الحصول على المعلومات القانونية من تشريعات فلسطينية وعربية، ورسائل ماجستير ودكتوراه، إضافة للمقالات العلمية في مختلف فروع القانون. وليكون أيضاً وسيلة للتواصل ما بيني وبين الباحثين والقانونيين، والذين أعدهم شركاء حقيقيين في عملية تعزيز الثقافة القانونية.

والله العظيم اقول الحق

الدكتور  أحمد براك

استاذ القانون الجنائي


تلك العبارة المأثورة التي يرددها الشاهد أمام الجهات التحقيقية والقضائية وهي تنصب على شخص شهد الواقعة محل الشهادة ، وحديثاً وجهه النقد بسبب تعدد الجهات التي تعطى أمامها الشهادة ، وكأن أحد لا يصدق الشاهد ، وكذلك يصبح الشاهد يلعن حظه الذي جعل منه شاهداً على الواقعة ، بل أن الامر لا يقف عند ضياع وقته بل يصل أن يتم التعامل معه في بعض الأحيان إذا تخلف عن الحضور أو حاول أن يعرقل سير العدالة كمتهم ويجوز احضاره بالقوة وتغريمه وهو ما تحمله مذكرة الدعوة سواء من النيابة العامة أو المحكمة المختصة بل أكثر من هذا وذلك هو اغفال الجانب النفسي للشاهد . وهذا يستدعي منا استعراض اجراءات الشهادة في القانون الفلسطيني والمقارن للوصول الى مواطن الخلل في العلاقة بين الشاهد والجهات المكلفة بإنفاذ القانون ، بل القانون في حد ذاته .
أولاً : مفهوم الشهادة :-الشهادة دليل من الأدلة الجنائية التي يسعى المحقق بجمعها للوصول إلى الحقيقة، سواء كان ذلك لإثبات الجريمة ونسبتها إلى المتهم أو نفي الجريمة أو نفي نسبتها إليه ( الدكتور عبد الرؤوف مهدي ،شرح القواعد العامة للاجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2007 ص 466) . فالشهادة في الأصل هي تقرير شخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم وحواسه ( نقض 2 ابريل سنة 1979 س 30، ص 426، رقم 90، طعن رقم 2003 لسنة 48ق ) . فهي إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي كما أنها إجراء من إجراءات المحاكمة، وبالتالي فهناك فرق بين استماع الشهود في مرحلة التحقيق الابتدائي واستماعهم في مرحلة التحقيق النهائي، فالشهادة في مرحلة التحقيق الابتدائي ترمي إلى أن تلقى في ردع وكيل النيابة أو مَن يقوم مقامه من أعضاء الضابطة العدلية بأن الأدلة كافية أو غير كافية لإحالة المتهم إلى المحاكم أو حفظ القضية، كذلك لا تعتبر عنصراً من عناصر القناعة أمام المحاكم، أما في التحقيق النهائي فالشهادة عنصر من عناصر الإثبات ( الدكتور / كامل السعيد : شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمّان ، ص441) ، وعليه فإن الإدلاء بالمعلومات أمام مأمور الضبط القضائي في محاضر الاستدلالات أو الإدلاء بها أمام سلطة التحقيق بغير الشكل القانوني يجعلها من إجراءات الاستدلال وليس من إجراءات التحقيق ( أستاذنا الدكتور / مأمون سلامة ، الاجراءات الجنائية في التشريع المصري ، الجزء الاول ، دار النهضة العربية ، 2003 ، ص415 ) .
والشهادة نفترض أن الشاهد قد رأى أو سمع بنفسه ولكن هناك ما يسمى "بالشهادة السماعية" و"الشهادة بالتسامُع"، والشهادة السماعية تعني أن شخصاً سمع من آخر معلوماته عن الواقعة محل التحقيق كمَنْ يشهد بأنه سمع من آخر أنه شاهد ارتكاب المتهم للجريمة، وواضح أن هذه الشهادة غير مباشرة، فالشاهد لم يرَ الجريمة بنفسه مباشرة ولذلك فهذه الشهادة تكون قوتها في الإثبات أقل. أما "الشهادة بالتسامع" فهي مجرد ترديد لإشاعة تتردد بين الناس، فقد تكون صادقة وقد لا تكون، ولذلك لا تصلح هذه الشهادة كدليل لاستحالة التحقيق من صحتها ولا يجوز للشاهد أن يبدي رأياً في الوقائع التي شهد بها ولا في مدى مسؤولية المتهم، ولكن ليس ما يمنع أن تكون سمعة المتهم هي موضوع الشهادة إذا طلبها المحقق، لأن هذه السمعة لا تتكون من رأي للشاهد ولكن من وقائع تتردد بين الناس سمعها الشاهد منهم. وبالتالي ينقسم الشهود إلى شاهد إثبات بمعنى الذي يشهد بما يؤدي إلى ثبوت التهمة الموجهة للمتهم وشاهد نفي هو الذي يشهد بما يؤدي إلى نفي التهمة الموجهة للمتهم فتعتبر شهادته دليلاً لبراءة المتهم مما نسب إليه، وهناك شاهد الواقعة وهو الشاهد الذي شهد الواقعة محل الجريمة المنسوبة إلى المتهم وهو ما يكون شاهد إثبات أو شاهد نفي ويعامَل مُعاملة القانون كشاهد الإثبات من حيث ضرورة سماعه
( الدكتور عبد الرؤوف مهدي ، المرجع السابق ، ص 468 ) .
ثانيا : السلطة التقديرية للمحقق في سماع الشهود :- لقد وضع المشرّع في  يد  المحقق سلطة تقديرية جدوى سماع الشاهد لصالح التحقيق، ويستوي في ذلك  أن  يكون سماعهم بمبادرة من المحقق أو بناءً على طلب أحد أطراف القضية بل  له أن  يسمع الشاهد إذا حضر من تلقاء نفسه وطلب سماع معلوماته في القضية  وقدر  المحقق أهميتها، وهو نص المادة 77 إجراءات فلسطيني المقابلة لنص  المادة 110  من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 111/2 إجراءات، والمقابلة  للمادة 68  أصول أردني، ولكن جرت أحكام القضاء على أن هناك نوعاً من  الشهود يتعين على  المحقق سماعهم متى طلب أحد الخصوم ذلك هم شهود الواقعة  سواء كانوا شهود  إثبات أو نفي لأهمية شهادتهم في إنارة الطريق أمام المحقق  (نقض 18 فبراير  سنة 1974 ، مجموعة أحكام النقض ، س 25 ، ص 148 ، رقم 32 )  . وتقوم النيابة  العامة بإعلان الشهود وتكليفهم بالحضور بمذكرات دعوة قبل  الموعد المحدد  بأربع وعشرين ساعة عن طريق رجال السلطة العامة أ و  المحضرين، المادة 78  إجراءات فلسطيني المقابلة للمادة 111 إجراءات مصري  والمقابلة للمادة 69  أصول أردني .

 ثالثا : جزاء  التخلّف عن الحضور  وجريمة الامتناع عن أداء الشهادة:- أوجب القانون على كل  من دُعي للحضور  أمام سلطة التحقيق بناءً على استدعاء المعلن إليه رسمياً  أن يلتزم بهذا  الواجب وإلا أجاز للنيابة العامة توجيه استدعاء ثاني فإذا  تغيب بعد ذلك  يصدر وكيل النيابة العامة مذكرة إحضار بحقه المادة 85  إجراءات فلسطيني  وكذلك إذا تبين لوكيل النيابة العامة أن حالة الشاهد  الصحية لم تَكن لتمنعه  من الحضور فله إصدار مذكرة إحضار بحقه المادة 87  إجراءات فلسطيني، وإن  الالتزام بالحضور أمام المحقق منصوص عليه في القانون  الأردني والمصري. ففي  القانون الأردني المادة 75/1 ولكن يحق للمدعي العام  إحضاره وتغريمه خمسة  دنانير غرامة وله أن يعفيه منها إذا كان تخلفه بسبب  معقول المادة 75/2  أصول، وكذلك نجد في القانون المصري أيضاً نفس الالتزام  على الشاهد بضرورة  الدعوى، ولقد أعطى القانون لوكيل النيابة مكنة رفع  الأمر للقاضي الجزئي  لتوقيع عقوبة الغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً بعد سماع  أقوال النيابة  العامة. وإنني أؤيد وجود هذا النص في القانون الفلسطيني  لتوقيع جزاء من  المحكمة على المخالف، ومن ناحية أخرى تعرضت المادة 88  إجراءات فلسطيني،  والمادة 119 أ.ج مصري معدلة بالقانون 29 لسنة 1982 على  حالة إذا حضر الشاهد  وامتنع بعد حضوره عن أداء الشهادة أو عن حلف اليمين  اعتبر المشرّع ذلك  جريمة يُعاقب عليها بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه في  القانون المصري أو  بغرامة لا تقل عن خمسين ديناراً ولا تزيد على مائة  دينار أردني أو ما  يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً أو الحبس مدة أسبوع  أو بكلتا العقوبتين،  ويلاحظ تشدد المشرع الفلسطيني حيث أجاز الحبس مع  إمكانية إعفائه من  العقوبة إذا عدل الشاهد عن امتناعه قبل انتهاء  المحاكمة، ونرى الأفضل النص  قبل انتهاء التحقيق لأهمية الشهادة في قرار  وكيل النيابة حين نهاية  الإجراءات، مع ملاحظة عدم وجود نص في القانون  الأردني مماثل أثناء التحقيق  الابتدائي، وإن كان ورد النص على هذا في حالة  امتناع الشاهد عن حلف اليمين  أمام المحكمة، وكذلك الحكم بالنسبة للامتناع  عن تأدية الشهادة، ولذلك نادى  البعض بضرورة النص على ذلك ومنح المدعي  العام الحق بتوقيع العقوبات على  الشاهد ( الدكتور/ كامل السعيد: شرح قانون  أصول المحاكمات الجزائية، المرجع  السابق، ص 444) .
رابعا : كيفية سماع الشهادة :- يتبع في سماع الشهادة من قبل المحقق الإجراءات التالية، سواء تعلق الأمر بشهود الإثبات أم النفي:
يطلب المحقق من الشاهد أن يبين اسمه ولقبه وسنه وصناعته وسكنه وعلاقته بالمتهم وصلته بالخصوم.
1- يجب أن يسمع المحقق شهادة كل شاهد على انفراد ومخالفة هذا الوجب لا يترتب عليها البطلان وإنما تؤثر على قيمة الدليل المستمد من الشهادة. ويجوز للمحقق أن يواجه الشهود بعضهم ببعض أو بالمتهم، وسواءً أكان ذلك أثناء سماع الشهادة أم بعد الانتهاء منها، ويثبت ذلك في محضره.
إذا كان سن الشاهد قد بلغ خمسة عشر سنة فيجب على الشاهد أن يحلف اليمين وهي أنه (أقسم بالله العظيم أن أقول الحق كل الحق ولا شيء غير الحق)، كل ذلك قبل الإدلاء بشهادته وعلى المحقق إثبات ذلك في محضره ويجوز سماع شهادته من هم دون الخامسة عشرة دون حلف يمين، وتكون شهادتهم على سبيل الاستئناس (الاستدلال). كذلك عدم تحليف المحقق للشاهد اليمين القانونية يترتب عليها عدم اعتبار الشهادة كدليل إثبات، وإنما تؤخذ على سبيل الاستئناس (الاستدلال)، وبالتالي لا تصلح أن يعتمد عليها في الإدانة وحدها، ولكن لا بد أن معززة لأدلة أخرى في الدعوى ( نقض 15 فبراير سنة 1976 مجموعة أحكام النقض، س 27، ص 215، رقم 43، طعن رقم 1809 لسنة 45 ق ) .
) ، وهذا وإن كان حلف اليمين يُخالف عقيدة الشاهد الدينية جاز تدوين أقواله بعد تأكيده أنه سيقول (الصدق) وكذلك فإنه إذا دُعيَ رجل دين لتأدية الشهادة فيكون حلف اليمين بين يدي أسقفة أو رئيسه الديني ثم يعود لوكيل النيابة بشهادة بذلك أنه حلف اليمين وأنه سيقول الصدق، والعلة في ذلك أن تحليف اليمين القصد منها تذكير الشاهد بأن الله يسمعه ويراه وهو يؤدي شهادته ( الدكتور/ عبد الرؤوف مهدي، المرجع السابق، ص 468) .
2- تدوين شهادة الشاهد كتابة بالمحضر، وكذلك البيانات الخاصة به كشط أو تحشير ويعتمد أن تصحيح أو شطب أو تخريم إلا إذا صدّق عليه القاضي والكاتب والشاهد ويوقع على الشهادة كلٍّ من القاضي والكاتب والشاهد بعد تلاوتها عليه وإقراره بأنه مُصِرّ عليها.
3- إذا تعذر حضور الشاهد لأسباب صحية ينتقل وكيل النيابة إلى محل إقامتهم لسماع أقواله أما إذا كان مقيماً خارج منطقة اختصاصه فعليه أن ينيب وكيل النيابة المختص لسماع شهادته.
4- يكون حضور الشهود لأداء الشهادة على نفقة الدولة ويقدر وكيل النيابة الذي يباشر التحقيق بناءً على طلب الشهود المصاريف والتعويضات التي يستحقونها بسبب حضورهم لأداء الشهادة.
خامسا :حالات الإعفاء من الشهادة أو حلف اليمين :-هناك حالات أوردها المشرّع نص فيها على عدم الصلاحية الشاهد لأداء الشهادة منها ما ورد في قانون الإجراءات ومنها ما ورد في قانون البينات في المواد المدنية والتجارية الفلسطيني رقم 4 لسنة 2001م، إلا أنها واجبة التطبيق أمام المحاكمة الجنائية، بالرغم من عدم النص عليها، وإن كان قانون الإجراءات المصري قد نصّ عليها في المادة 287 إجراءات وهي:
1) الشهادة عن معلومات تتعلق بأمن الدولة:
حيث لا يجوز أن يشهد أحد عن معلومات أو مضمون أوراق تتعلق بأمن الدولة إلا إذا كانت قد نشرت بإحدى الطرق القانونية أو كانت السلطة المختصة قد أذنت بإذاعتها المادة 75 من قانون البينات الفلسطيني.
2) خطر إفشاء معلومات تم الوصول إليها عن طريق المتهم:
حيث لا يجوز من علم من المحامين أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنية أو صنعته بوقائع أو معلومات يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته ما لم يكن ذكرها له مقصوداً به ارتكاب جناية أو جنحة أو في حالة طلب ذلك منهم من أسرها إليهم على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم، المادة 76 من قانون البينات الفلسطيني.
3) خطر شهادة أحد الزوجين:
حيث لا يجوز لأحد الزوجين أن يفشي بغير رضاء الأخرى أبلغه إليه أثناء قيام الزوجية أو بعد انفصامها إلا في حالة رفع دعوى من أحدهما على الآخر أو إقامة دعوى على أحدهما بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر المادة 77 من قانون البينات الفلسطيني.
4) الإعفاء من اليمين لأصول المتهم وفروعه وزوجته:
 في البداية لا يمكن النظر إلى المادة 83/2 بمعزل عن نص المادة 222  إجراءات  فلسطيني، وإنني أرى أن المشرّع قصد من عدم حلف اليمين هو أن تأخذ  الشهادة  على سبيل الاستدلال بل الاستغناء عنها قدر الإمكان إلا في حالة أن  الجريمة  وقعت عليه، ولكن النص المصري أفضل من إذا نص في المادة 286  إجراءات على  امتناع عن الشهادة ضد المتهم إذا كانت تربطه به صلة قرابة حتى  الدرجة  الثانية أو لوجود صلة زوجية تعطي الشخص حق الامتناع عن الشهادة  ولو بعد  انقضاء رابطة الزوجية.

 سادسا : سماع شهادة  الأصم والأبكم  والضرير:- ليس ما يمنع قانونياً من سماع شهادة الأصم  والأبكم طالما أنه  يحتفظ بملكتي التمييز والاختيار، وللمحقق أن يعتمد على  شهادته على حساب  طريقة تعبيره ( الدكتور/ عبد الرؤوف مهدي، المرجع السابق،  ص 475 ) .
. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه إذا كان الحكم قد أثبت بمدوناته أن الشاهد عبر لوكيل النيابة المحقق عما رآه بطريقة الإشارات، وهي التي اعتاد البكم التعبير بها وأحال في بيان شهادته على أقوال الشاهدة الأولى فلا يؤثر فيه أن يكون الشاهد أصم أبكم ( نقض مصري 12 نوفمبر سنة 1981، مجموعة أحكام النقض، س 22، ص 983، رقم 154) ، كما قضى بأنه ليسا ما يمنع من الآخذ بشهادة الضرير في واقعة يدركها بغير حاسة البصر ( نقض مصري 22 أكتوبر 1986، مجموعة أحكام النقض، س 27، ص 792، رقم 152 ) .
سابعا :عدم جواز رد الشاهد
لقد نصّ القانون الفلسطيني المادة 236 إجراءات والقانون المصري المادة 285 إجراءات على عدم جواز رد الشهود لأي سبب من الأسباب، وذلك لأن شهادة الشاهد خاضعة دائماً لتقدير غيره أي المحقق والمحكمة ( الدكتور/ مأمون محمد سلامة: الإجراءات والجنائية في التشريع المصري، الجزء الأول، المرجع السابق، ص 680 ) .
فإذا كان لدى المتهم أساب تدعو إلى عدم الثقة في أقوال الشاهد كوجود علاقة تربطه بخصم آخر في الدعوى أو وجود ضغائن بينه وبين الشاهد، فله أن يظهر هذه الأسباب للتقاضي كي يدخلها في اعتباره عند تقديره لأثرها على صدق أقوال الشاهد، ولكن لا يجوز رد الشاهد في حالة عدم صلاحية لأداء شهادة كما لو كان غير مميز، وهناك مَن يرى وبحق أن نصّ المادة 228 إجراءات فلسطيني والمقابل لص المادة 288 إجراءات مصري غريباً بأن يسمع المدعي بالحقوق المدنية كشاهد ويحلف اليمين، ذلك أنه لا نزاع في أنه خصم للمتهم حتى في الدعوى الجنائية على الأقل في مرحلة التحقيق الابتدائي، وله حقوق الخصم فله حق الطعن في قرار النيابة العامة بأن الأوجه لإقامة الدعوى (حفظ القضية)، كما له حق اصطحاب محامٍ معه في التحقيقات أمام المحكمة، وله حق مناقشة الشهود، وليس هذا شأن الشاهد، فالمدعي بالحق المدني صاحب مصلحة في أن يقضي في الدعوى الجنائية بإدانة المتهم لما يترتب على ذلك القضاء من الحكم له بالتعويض، ولا شكّ أن هذه المصلحة تدعو إلى عدم الثقة في أقواله ( الدكتور/ عبد الرؤوف مهدي، المرجع السابق، ص 480 ) .
وفي الختام : وبعض استعراض قواعد الشهادة يتضح مدى أهمية الشهادة في تقرير الإدانة والبراءة ، وأن تلك القواعد لا غبار عليها من حيث قيمتها القانونية وذلك لكونها تستند في الأساس لمبدأ الإقتناع الذاتي أو الوجداني للقاضي قوام الأثبات الحر ، وهو مذهب القانون الفلسطيني الذي يتبع المدرسة اللاتينية ، بعكس مذهب الاثبات القانوني أو المقيد . ولكن تكمن الإشكالية الحقيقية كما ذهب البعض بالحق أمثال المستشار أشرف العشماوي أنها تكمن في أسلوب التحقيق الذي نتبعه والذي لم يستطع التطور العلمي والدراسات النفسية والفنية أن تحركه عن الصورة التي يتم بها منذ مائة عام ، فأسلوب التحقيق الذي يقوم على المجادلة بدلا من المحاورة بات أسلوباً بالياً ، وإذا ساغ هذا الأسلوب في الماضي مع ما كانت عليه الحياة الإجتماعية والثقافية من بساطة ، فقد أصبح اليوم في حاجة الى تطوير يتناسب مع معطيات العصر مع فن معاملة الشهود . إن علماء النفس وأساطين التحقيق الجنائي يصفون الشهادة بأنها حاصل عملية بالغة التعقيد تتفاعل معها حواس الشاهد مع عواطفه وأعصابه وتفكيره ، ويخطىء تماماً من يظن أن الشاهد هو مجرد إلة تصوير تنقل ما دار أمامها دون تفاعل أو إضافة .
وعليه يلزمنا تعديل قانون  الإجراءات الجزائية بما ينسجم مع هذه الفلسفة ،  من عدم تعدد جهات التي  تؤخذ لديها افادة الشاهد، والتعامل معه كمتطوع وليست  كمتهم ، والأخذ  بالجوانب النفسية لتصوير الشاهد للواقعة محل