د. احمد براك - استاذ القانون الجنائي ورئيس هيئة مكافحة الفساد

يسعدني أن أرحب بكم في موقعي الشخصي، آملاً من الله تعالى أن يكون هذا الموقع مصدراً من مصادر الحصول على المعلومات القانونية من تشريعات فلسطينية وعربية، ورسائل ماجستير ودكتوراه، إضافة للمقالات العلمية في مختلف فروع القانون. وليكون أيضاً وسيلة للتواصل ما بيني وبين الباحثين والقانونيين، والذين أعدهم شركاء حقيقيين في عملية تعزيز الثقافة القانونية.

جرائم الخطف بين النظرية والتطبيق

الدكتور  أحمد براك

استاذ القانون الجنائي

 


المقدمة
لا شك أن تجريم الأفعال والنص بالعقاب عليها يؤدي الى تحقيق الردع العام لما للعقوبة أثر زاجر في نفوس بعض من تحدثهم أنفسهم بارتكاب مثل هذه الجرائم .والمشرع لا يلجأ الى تجريم الفعل إلا عندما تستدعي مصلحة أمن الفرد و المجتمع لذلك .ومن أهم ما يتكفل القانون بحمايته هو حرية الإنسان فإن أي فعل ينصب على نزع هذه الحرية منه ينجم عنه خطورة من شأنها المساس بحياة هذا الشخص وذويه .
وعلى هذا فإن القانون الفرنسي وكذلك القوانين التي استمدت أحكامها منه كالقانون المصري والأردني تجرم الأفعال التي تشكل اعتداء على حرية الإنسان وكما سنتعرض لشرحه في هذا البحث ، فإن الخطف صورة صريحة للإعتداء على هذه الحرية إلا أن جرائم الخطف لم ترد ضمن الفصل الخاص بجرائم الواقعة على الحرية وإنما وردت في الفصل الخاص بجرائم الإعتداء على العرض والفصل الخاص بجرائم التي تمس الأسرة وكان الأجدر بالمشرع الأردني أن يعتبرها من الجرائم الواقعة على الحرية كما فعل المشرع المصري و الفرنسي .
نص قانون العقوبات الأرني في المادتين / 287 و 291  على خطف الأطفال الذين  لم يبلغوا من العمر خمسة عشرة سنة كاملة ذكورا  كانوا أو إناثا ونص في  المادتين / 302 و 303 على خطف الأنثى مهما بلغت من  العمر وعلى خطف الذكر  دون الخامسة عشرة من عمره شريطة أن يقع الخطف  بالتحّيل أو الإكراه .

وقد ميّز المشرّع الأردني بين الخطف حين يقع بالتحّيل   أو الإكراه وبين الخطف بدون ذلك حين يقع على الأطفال دون السابعة من العمر  (  المادة / 287 ) أو ممن هم دون الخامسة عشرة من العمر ( المادة/ 291 )  وقد  ميز المشرع بين خطف الذكور وخطف الإناث فإذا كان المخطوف ذكرا فلا  عقاب على  جريمة الخطف وإذا كان المخطوف قد أت الخامسة عشرة من عمره وفي  هذه الحالة  قد يسأل الفاعل عن جريمة حرمان الحرية إن تحققت أركانها أما  بالنسبة للإناث  فإن الخاطف يعاقب على خطف الأنثى مهما بلغت من العمر (  المادة /302 )  شريطة أن تقع الجريمة بالتحيل أو الإكراه وفي هذه الحالة  فقد ميز المشرع في  العقاب بين خطف الأنثى المتزوجة أو غير المتزوجة ثم قرر  المشرع سببا مخففا  للعقوبة إذا أرجع الجاني ــــــ من تلقاء نفسه ـــــ  المخطوف في خلال ثمان  وأربعون ساعة كما قرر مانع من موانع العقاب إذا تزوج  الخاطف من المخطوفة  وقد كان القانون الفرنسي القديم يعاقب على نوعين من  الخطف :
1ـــــ الخطف بالإكراه : وهو الذي يرتكب بالقوة على فتاة أو إمرأة قاصرا كانت أو بالغة بقصد الاستمتاع بها رغم إرادتها .
2ــــ الخطف بالإغواء : وهو الذي يرتكب بغير قوة على فتاة قاصر بدون علم   أهلها وعلى غير إرادتهم بقصد العبث بها تحت ستار وعد الزواج . وكان يعاقب   فوق ذلك على سرقة الأطفال ، فجاء قانون العقوبات الفرنسي الحالي الصادر في   سنة 1810 م وفرق بين نوعي


الخطف مع تعديل جوهري في شروط العقاب وتخفيف في العقوبات ، فهو لا يعاقب إلا على خطف الأحداث ويفرق بين الخطف بالتحّيل أو الإكراه والخطف بالإغواء ، ولا يعاقب على
الخطف بالإغواء إلا إذا وقع على فتاة لم تبلغ سنها ستة عشرة سنة ( المواد 354 الى 357 / قانون العقوبات الفرنسي ).
أما القانون المصري فيعاقب على خطف الأحداث ذكورا كانوا أو إناثا وعلى خطف الفتيات والنساء البالغات ، ويفرق في الأحداث بين خطفهم بالتحّيل أو الإكراه وخطفهم بدون ذلك ، ولا يعاقب على خطف الفتيات والنساء البالغات إلا إذا حصل بالتحّيل أو الإكراه ( قانون العقوبات المصري )وسوف نقسّم الدراسة في هذا البحث الى فصلين الأول لجريمة الخطف التي تقع دون تحيّل أو إكراه ، أما الفصل الثاني فسوف نخصصه لجريمة الخطف باستعمال التحيّل أو الإكراه ثم نوضح عقوبة كل جريمة ونبين المحكمة المختصة للنظر في هذه الجرائم ، مع ذكر آراء شرّاح القانون الأردني والمصري والفرنسي كلما استدعى الأمر .
والجدير بالذكر أن هذا الموضوع وما له من أهمية في أمن المجتمع واستقراره إلا أنه لم يحظى بالقسط الوافي من اهتمام شرّاح القانون الجزائي الأردني كذلك الأمر بالنسبة للمشرع الأردني فإن نصوص المواد المتعلقة بهذا الموضوع يكتنفها الغموض والتعارض في بعض الأحيان مما يؤدي
الى الحاجة للتعديل على هذه النصوص وهذا ما سنتطرق لذكره أثناء شرحنا لموضوع جرائم الخطف .علاوة بأن قانون العقوبات الأردني مطبق في الضفة الغربية بفلسطين حتى تاريخه
ويتم الآن إعداد مشروع قانون العقوبات  الفلسطيني مما حدا بنا لدراسة هذا  الموضوع وإعداد التوصيات اللازمة لأهمية  موضوع الجريمة محل الدراسة .

الفصل الأول 

{جريمة الخطف بدون تحايل أو أكراه }

تقوم جريمة الخطف بدون تحيّل أو إكراه بنزع المجني  عليه  الذي لم يبلغ عمره خمسة عشرة سنة (ذكر أو أنثى) من بيئته ونقله إلى  مكان  آخر بقصد إحتجازه فيه وإخفاؤه عمن لهم حق المحافظة عليه .
وسوف نقوم بتقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين الأول نبين فيه أركان جريمة القتل بالتحيل أو الإكراه التي يقترفها الجاني بنفسه أو بواسطة غيره .أما الثاني فنبين فيه العقوبات المقررة لجرائم الخطف بدون تحيل أو إكراه .

المبحث الأول
أركان جريمة الخطف بدون تحيّل أو إكراه
نصت المادة /287ـــ1 من قانون العقوبات الأردني على أن : ( من خطف أو خبأ ولد دون السابعة من عمره أو بدل ولد بآخر أو نسب الى إمرأة طفلا لم تلده عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاثة سنوات ).
ونصت المادة  291ــ 1 من نفس  القانون على ما يلي :(من خطف أو أبعد قاصرا لم  يكمل الخامسة عشرة من عمره  ولو برضاه بقصد نزعه من سلطة من له عليه  الولاية أو الحراسة عوقب بالحبس  من شهر الى ثلاثة سنوات وبالغرامة من خمسة  دنانير الى  خمسة وعشرون دينارا  ) .

ومن استعراض هذين النصين نجد أن هذه الجريمة تتطلب لقيامها توافر ثلاثة أركان ، وهي :
الركن المادي ، محل الجريمة ، والركن المعنوي ، وسوف نخصص مطلبا لكل واحدا منها ثم نبين في المطلب الرابع الاشتراك الجرمي في هذه الجريمة .
المطلب الأول
الركن المادي
يتمثل الركن المادي في جريمة الخطف بالنشاط الإجرامي الذي يقوم به الجاني ( فعل الخطف ) وفعل الخطف هذا عرفته محكمة التمييز الأردنية بما يلي : (أن المراد من الخطف هو انتزاع المخطوف من البقعة الموجود فيها ونقله الى محل آخر واحتجازه فيه بقصد إخفاؤه عن ذويه)(1).
ويتم الخطف بانتزاع الطفل من بيته ، ونقله الى مكان آخر واحتجازه فيه وإخفاؤه عمن لهم الحق في المحافظة على هذا الطفل وعلى ذلك فإن الركن المادي يتوافر عن طريق نشاط إرادي يأتيه الفاعل وصورة هذا النشاط هو خطف طفل ثم نقله الى مكان آخر بعيد عنه بيئته وقطع صلته بأهله .(2)
ومعنى الخطف كما عبرت عنه محكمة التمييز الأردنية يقترب من المعنى الذي عبرت عنه محكمة النقض المصرية التي بينت أن الجريمة تقع حين يختطف الطفل من البقعة التي جعلها مرادا له من هو تحت رعايته من ولي أو وصي أو حاضنة أو مربي أو غيرهم لأن المشرع لم
يستهدف بالعقاب على جريمة الخطف حماية حرية الطفل فحسب وإنما قصد أيضا حماية سلطة العائلة .(1)ويتحقق الخطف إذا انتزع الجاني الطفل المخطوف من منزل أهله أو من المدرسة أو من المحل الذي يتدرب فيه على حرفة معينة أو من الطريق العام أو من منزل صديق أو قريب يزوره أو أي مكان آخر .إذا لا يشترط أن تتم واقعة الخطف في مكان معين طالما أدى الخطف الى انتزاع المخطوف من بيئته وقطع صلته بأهله ، والخطف يتحقق بمنع الصغير من العودة الى أهله كما يتحقق من أنتزاعه من بينهم .(2)ويذهب البعض الى القول بأن جريمة الخطف لا تقع على الصغير الذي انحسرت عنه سلطة العائلة سواء كان ذلك بإرادته أو بغير إرادته ، فمن فرّ ممن له الحق في رعايته فآواه آخر في مكان أو اصطحبه الى منزله لا يعد الأخير مرتكبا لجريمة الخطف إلا أنه حسب الراجح من الفقه فإن الفاعل يعد خاطفا لأن الصغير لا يملك أن ينهي السلطة الأبوية أو ينقلها الى شخص آخر بإرادته فتظل مبسوطة عليه قانونا وإن انحسرت عنه ماديا سواء لأنه أثر التحرر من سلطة أهله أو لأنه ضل السبيل إليهم ، فإذا توافر القصد الجنائي قامت الجريمة أما إذا انتفى
بأن كان المتهم قد احتجز الصغير لحين التمكن من إعادته الى أهله لا تقع الجريمة لتخلف ركنها المعنوي .(1)
وجريمة الخطف يمكن أن تقع من أي شخص ليس له حق حطانة الطفل أو حفظه حتى ولو كان أحد الوالدين إذا خطف الطفل ممن لهم ــ بمقتضى القانون ــ حق رعاية الطفل وحضانته ،
وقد اتجهت المحاكم الفرنسية فيما مضى الى القول بأن خطف الطفل من أحد والديه لا يعتبر خطفا لأن الوالدين بما فطروا عليه من العطف والحنان نحو أولادهم فلا يمكن أن يمتد إليهم نصوص وضعت في الواقع لحماية سلطتهم الأبوية والمحافظة على أولادهم إلا أن المشرع الفرنسي وفي مطلع هذا القرن قد نص صراحة على معاقبة هذا الفعل ولو ارتكب من أحد الوالدين .
وقد اتجهت المحاكم المصرية الوجه ذاتها فلم توافق على اعتبار هذا الفعل خطفا إذا وقع من أحد الوالدين (2) فاضطر المشرع المصري في سنة 1932 إلى النص صراحة على تجريم الفعل.وليس هناك مشكلة بالنسبة للقانون الأردني لأن نص المادة /287 والمادة /291 جاء مطلقا مما يفهم منه أن الجريمة يمكن أن تقع من أي شخص ولو كان أحد الوالدين إذا كان المقصود من الخطف هو إبعاد الطفل من سلطة من له عليه الولاية .
والخطف من الجرائم المستمرة استمرارا متتابعا أو متجددا ، طالما بقي المجني عليه مخطوفا
أو بعيدا عن ذويه أو عمن له الحق في رعايته ، ولا تنتهي إلا بانتهاء حالة الاستمرار أي
بالإفراج عن المجني عليه أو إعادته لأهله فيبدأ منذ هذا التاريخ سريان مدة التقادم للدعوى الجنائية .
والجريمة المستمرة استمرارا متتابعا أو متجددا تختلف عن الجريمة المستمرة استمرارا ثابتا ، فالأولى يتوقف الاستمرار فيها على تدخل الجاني تدخل متتابع أو متجدد ، أما الثانية وهي مستمرة استمرارا ثابتا فإن الأمر المعاقب عليه فيها يبقى ويستمر بغير حاجة الى تدخل جديد من جانب الجاني كبناء جدار خارج عن خط التنظيم ، والمتفق عليه أن الحكم على الجاني من أجل هذه الجريمة يعد مانع من تجديد محاكمته عليها مهما طال زمن استمرارها ،أما في حالة الجريمة المستمرة استمرارا متتابعا فإن معاقبة الجاني لا تكون إلا عن أفعال أو الحالة الجنائية السابقة على رفع الدعوى .
أما فيما يتعلق في المستقبل فتجدد إرادة الجاني في استمرار الحالة الجنائية يكون جريمة جديدة يصح محاكمته من أجله مرة أخرى ولا يجوز له التمسك عند المحاكمة الثانية بسبق الحكم عليه .
والركن المادي في جريمة خطف الصغير يمكن أن يأخذ صورة أخرى فيعتبر خاطفا ويعاقب
بعقوبة الخطف من أبدل ولدا بآخر وكذلك من نسب إلى إمرأة طفلا لم تلده كما تنص عليه المادة / 287 ـــ 1 من قانون العقوبات التي تقول ( من خطف أو خبأ ولدا دون السابعة من
عمره أو بدل ولدا بآخر أو نسب إلى إمرأة طفلا لم تلده عوقب بالحبس من ثلاث أشهر إلى ثلاث سنوات ) (1)ويقابل هذه المادة نص المادة / 245 من قانون العقوبات المصري والتي تقول:( كل من خطف طفلا حديث العهد بالولادة أو أخفاه أو بدله بآخر أو عزاه زورا إلى غير والدته يعاقب بالحبس . . .) ودرجة المحاكم المصرية في تطبيقها لهذا النص على اعتبار أنها جريمة خطف في حال أن يكون الفعل خطفا ووصفت الجريمة بأنها جريمة (إبدال طفل بآخر ) أو جريمة (نسبة الطفل زورا إلى غير والدته )في حال إن كان الفعل هو إبدال طفل بآخر أو نسبة طفل إلى غير أمه (2)ويتضح من ذلك أنه تعتبر هاتين الجريمتين مستقلتين بوصفهما فلا تصف الفاعل بأنه خاطفا وبالنتيجة فإنها لا تعتبر أن هذه هي صور أخرى بالركن المادي في جريمة الخطف .
وحيث أننا لم نجد ما يسعفنا من أحكام محكمة التمييز الأردنية في هذا المجال فإن الاجتهاد في تفسيير نص المادة /287 ـــ 1 من قانون العقوبات الأردني يبقى متروكا لشرّاح القانون .
وإبدال طفل بآخر هو وضع طفل بدل الطفل الذي ولدته المرأة سواء حصل ذلك من هذه المرأة أو من غيرها ونسبة الطفل إلى غير والدته هي أن يعزى طفل إلى إمرأة لم تلده سواء
أصدر ذلك عن هذه المرأه أو عن غيرها وكلا الفعلين من شأنه المساس بالدليل على حقيقة
شخصية الطفل لأنه يترتب عليهما حتما أن تنسب إليه شخصية غير التي اكتسبها من الطبيعة .
ونحن نيد ما درجت عليه المحاكم المصرية في وصفها للجريمة على أنها جريمة   إبدال طفل بآخر أو جريمة نسبة طفل زورا إلى غير والدته لأنه أوفق من   الناحية القانونية فالفعل في هاتين الجريمتين مختلف تماما عن فعل الخطف .

المطلب الثاني
محل الجريمة

يشترط قانون العقوبات الأردني بوقوع جريمة الخطف بدون تحيّل أو إكراه عنصرا مفترضا في محله أي صفة معينة في المجني عليه ( المخطوف ).
فقد نص قانون العقوبات في المادة /287 على خطف الصغار واستعمل اصطلاح (  ولد  ) بينما استعمل المشرع اصطلاح (قاصر ) في المادة / 291 مما يثير  التساؤل  حول محل جريمة الخطف ومن استعراض النصوص المذكورة يمكن القول بأن  كلا من  اصطلاح الولد واصطلاح القاصر يحمل نفس المعنى وهو الشخص الذي لم  يتم  الخامسة عشرة من عمره . وأي طفل حتى لو كان ولدا لتوه يعد ولدا ويعد  قاصرا  ولو كان عمره لحظات معدودة ويصلح لأن تقع عليه الجريمة أي أن هذا  الطفل  يمكن أن يكون محلا لجريمة الخطف بدون تحيّل او إكراه إلى أن يتم  الخامسة  عشرة من عمره وإذا وقعت الجريمة يستوي أن يكون الولد أو القاصر  ذكرا أم  أنثى ونتيجة لما سبق فإن جريمة الخطف لا تقع على الشخص ذكرا كان  أم أنثى إن  هو أتم الخامسة عشرة من العمر .والعبرة في تحديد سن المجني  عليه بوقت بدأ  تنفيذ الجريمة وليس وقت انتهائها فإذا كان المجني عليه لم  يتم الخامسة عشرة  من عمره وقت اختطافه من بيئته قامت الجريمة ولو أتم  الخامسة عشرة أثناء  استمرار الجريمة.

المطلب الثالث
الركن المعنوي أو القصد الجرمي

جريمة الخطف بدون تحايل أو إكراه من الجرائم المقصودة   تتطلب القصد الجرمي بجميع عناصره وهي الإرادة والعلم .ويتحقق القصد  الجنائي  بها باتجاه إرادة الجاني إلى فعل الخطف الذي يتمثل في انتزاع  المجني عليه  من المكان الذي يقيم فيه مع ذويه الذين لهم حق رعايته وأن  ينصرف قصده إلى  إبعاد المجني عليه عن هذا المكان مع علمه أن فعله يحقق هذا  الأمر .

وينتفي القصد الجرمي إذا لم يكن الجاني قد قصد صلة   المجني عليه بأهله ، كالذي يستدرج فتاة إلى مكان بعيد عن أهلها لقضاء فترة   من الوقت معها .

كذلك يفترض أن يكون الجاني عالما بسن المجني عليه عند   إتيانه فعل الخطف فينتفي القصد الجرمي إذا استطاع الجاني أن يثبت جهله بأن   المجني عليه لم يكن قد أتم الخامسة عشرة من عمره .
وإذا توافر القصد بعناصره وهي إرادة الفعل وإرادة تحقيق النتيجة مع علم الفاعل بطبيعة .
الجريمة التي هو بصدد ارتكابها وعلمه بأن المجني عليه لم يكن قد أتم الخامسة عشرة من عمره فعندئذ تكتمل الجريمة أيا كان الباعث على ارتكابها .(1)
وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز الأردنية في حكمها على الواقعة التالية :
(إن اعتراف الجاني بأنه قد حظر إلى عمان وخطف المجني عليها وأخذها بسيارة أجرة إلى المنزل الذي إستأجره في بلدة الرصيفة وهناك أخذ يسومها بأنواع العذاب بأن كان يضربها بالبربيش وقبضات يديه و يعلقها بالحبل ويحرق رجليها بالنار وغير ذلك من صنوف العذاب وبقيت على هذا الحال حتى مدة إسبوع حتى فارقت الحياة فإن الحكم بتجريمه جريمتي الخطف والقتل العمد للمجني عليها ومعاقبته على ذلك بالإعدام شنقا حتى الموت يكون متفقا و أحكام القانون ).
وقد وفقت محكمة التمييز بما ذهبت إليه بوصف فعل الجاني بأنه خطف والقتل العمد ، لأن جريمة الخطف متحقق هنا بكافة أركانها حيث أن الجاني انتزع المجني عليها من رعاية أهلها بقصد قطع صلتهم بها وإخفائها عنهم ثم قام بأفعال أدت إلى إزهاق روح المجني عليها ، حيث حكمت عليه هنا بجناية قتل الطفلة . ثم طبقت العقوبة الأشد وفقا لنص المادة / 57 فقرة 1 من قانون العقوبات والتي تقول : ( إذا كان للفعل عدة أوصاف ذكرت جميعها في الحكم
فعلى المحكمة أن تحكم بالعقوبة الأشد ) ، والتي تطبق في حالة الإجتماع المعنوي للجرائم .
فالباعث سواء كان سيئا أو نبيلا فإنه لايؤثر على قيام الجريمة ولا عبرة فيما إذا استهدف الجاني من جريمته الانتقام من ذوي المجني عليه أو أخذ فدية منه أو كان الباعث هو تبني المجني عليه أو استغلاله في التسول أو الشحادة . . .
كذلك تقوم الجريمة إذا كان الباعث هو إنقال الصغير من البيئة التي يعيش فيها أو من المعاملة التي يعانيها . وليس للباعث من أثر إلا كظرف يعتد به القاضي في تخفيف العقوبة ضمن حدود سلطته التقديرية .
ولقد أظهر المشرع الأردني الركن المعنوي لجريمة الخطف في المادة 291 وذلك بالنص صراحة على القصد بقوله (بقصد نزعه من سلطة من له عليه الولاية أو الحراسة ) وعلى الرغم من أن نص المادة /287 لم يورد ركن القصد صراحة إلا أنه مستفاد ضمنا لأن جريمة الخطف لا يتصور إ لا أن تكون مقصودة ، ولا يمكن أن يقع خطف لإنسان عن غير قصد .

المطلب الرابع
الإشتراك الجرمي

قلنا فيما تقدم أن فعل الخطف يتكون من عنصرين أساسيين  :  الأول انتزاع الطفل المخطوف من بيئته ثم نقله إلى مكان آخر وقطع صلته  عمن  لهم حق المحافظه على شخصه ، والثاني : احتجازه في ذلك المحل الآخر  بقصد  إخفائه عن ذويه فكل من اقترف هذين الفعلين أو شيئا منهما هو فاعل  أصلي في  الجريمة فإذا تعاون شخصان على خطف المجني عليه بأن انتزعه أحدهما  وأخرجه من  بيئته ومن بعد انتزاعه وإخراجه سلمه إلى الثاني الذي أخذه  وأخفاه بمنزله  فهذان الشخصان يعتبران فاعلين أصليين في جريمة الخطف وفقا  لنص المادة / 76  من قانون العقوبات الأردني التي تنص على ما يلي:
( ذا ارتكب عدة أشخاص متحدين جناية أو جنحة أو كانت الجناية أو الجنحة تتكون من عدة أفعال فأتى كل واحد منهم فعلا أو أكثر من الأفعال المكونة لها وذلك بقصد حصول تلك الجناية أو الجنحة اعتبروا جميعهم شركاء فيها وعوقب كل واحد بالعقوبة المعينة لها في القانون كما لو كانة فاعلا مستقلا لها )
كذلك يتصور أن يكون الشريك متدخلا أو محرضا كمن يقدم للخاطف سيارته لينقل   فيها المخطوف فيكون هنا متدخلا في جريمة القتل أما المحرض فإنه فاعلا   معنويا في الجريمة لأنه يقوم بأفعال من شأنها حمل الجاني على ارتكاب جريمة   الخطف .

وأفعال الاشتراك يجب أن تكون سابقة أو معاصرة لتنفيذ   الجريمة وعلى ذلك فإن طلب المتهم فدية من والد المخطوف بدعوى أنه تفاوض   بشأنها مع الجناة وقبضه إياها بالفعل لا يتحقق بها المساهمة في الجريمة   لأنه لاحق على جريمة الخطف ويصح في العقل أن يكون منفصلا عنها

المبحث الثاني
العقوبات المقررة لجرائم الخطف من غير تحيّل أو إكراه 

وفي هذا المبحث سوف نبين العقوبات المقررة لجرائم  الخطف  بالتحيل أو الإكراه وذلك من خلال تقسيم الموضوع إلى مطلبين رئيسيين  نخصص  الأول لعقوبة جريمة الخطف بالتحيل أو الإكراه التي تقع على طفل أو  ولد ــ  ذكر أو أنثى ـــ دون السابعة من عمره والمنصوص عليها في المادة  /287 من  قانون العقوبات ، أما المطلب الثاني فنخصصه لعقوبة جريمة الخطف  بالتحيل أو  الإكراه التي تقع على القاصر الذي لم يكمل الخامسة عشرة من  عمره ــ ذكر أو  أنثى  والمنصوص عليها في المادة /291 من قانون العقوبات .

المطلب الأول
*عقوبة جريمة الخطف المنصوص عليها في المادة /287

تنص المادة /287ــ 1  على أن :
(من خطف أو خبأ ولدا  دون السابعة من عمره أو بدل ولدا أو نسب إلى إمرأة  طفلا لم تلده عوقب  بالحبس من ثلاث أشهر إلى ثلاث سنوات ) .ومن هذا النص  نلاحظ أن جريمة الخطف  من غير تحيل أو إكراه هي جنحة وهي لا تقوم إلا إذا  كان المخطوف طفلا أو  ولدا لم يتم السابعة من عمره .وتنص نفس المادة في  الفقرة الثانية منها على  ظرف مشدد يجعل من الحد الأدنى للعقوبة ستة أشهر  إذا كان الغرض من الجريمة  أو كانت نتيجتها إزالة تحريف البينة المتعلقة  بأحوال الطفل الشخصية أو  تدوين أحوال شخصية صورية في السجلات الرسمية .

فالمشرّع هنا خرج عن القواعد العامة بأن شدّد العقوبة   في حالة أن قام الجاني بفعل التزوير في أحوال الطفل الشخصية فوفقا للقواعد   العامة يطبق نص المادة /57 من قانون العقوبات لأننا نكون بصدد تعدد معنوي   للجرائم الأولى جريمة خطف والثانية تزوير أما وأن المشرّع قد شدد في   العقوبة برفع الحد الأدنى لستة أشهر فإنه لا مجال لتطبيق القواعد العامة   هنا .

المطلب الثاني
*عقوبة جريمة الخطف المنصوص عليها في المادة /291

بالرجوع إلى نص المادة /291 ــ 1  نجد أن هذه المادة   تنص على الخطف الذي يقع على قاصر لم يكمل الخامسة عشرة من عمره ولو تم ذلك   برضاء المجني عليها ، إذا كان المقصود هو إبعاد المخطوف من سلطة من له  عليه  الولاية أو الحراسة ، فيعاقب الفاعل بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات   وبالغرامة من خمسة دنانير إلى خمسة وعشرين دينارا .وتشدد العقوبة برفع  حدها  الأدنى لتصبح الحبس من ثلاث أشهر إلى ثلاث سنوات إذا المجني عليه لم  يتم  الثانية عشرة من عمره أو إذا كان لم يتم الخامسة عشرة من العمر وتم  الخطف  باستعمال الحيلة أو القوة .
ويلاحظ من هذا النص أنه يخلق نوعا من الخلط بين الخطف حين يقع من غير تحيّل أو إكراه و بين الجريمة حين تقع بالتحيّل أو الإكراه .
وكان يجب على المشرّع عدم النص على حالة الخطف بالتحيّل أو الإكراه في المادة /291 وأن

يترك ذلك للنص العام في جريمة الخطف المنصوص عليها في   المادة/302من قانون العقوبات .(1)لأنه مع وجود هذا النص الأخير فإنه عند   وقوع جريمة الخطف بالتحيل أو الإكراه على طفل لم يتم الثانية عشرة من عمره   سوف نكون بصدد نصين متعارضين أحدهما يفرض عقوبة الحبس التي لا تقل عن  ثلاثة  أشهر والآخر يفرض عقوبة الحبس التي لا تقل عن سنتين بالنسبة للفعل  ذاته .

الفصل الثاني
جريمة الخطف بالتحيّل أو الإكراه

تقع جريمة الخطف بالتحيل أو الإكراه عندما يرتكب  الجاني  فعل الخطف على شخص ــ ذكر أو أنثى ــ لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره  أو على  أنثى مهما بلغ عمرها بقصد إبعاد المجني عليه من أهله وبيئته ،  وذلك  باستعمال أسلوب من أساليب التحايل أو الإكراه .
وقد أوردت أحكام هذه الجريمة المادة /302 والمادة / 303 من قانون العقوبات الأردني وجاء في نص المادة /302 أن :
(كل من خطف بالتحيّل أو الإكراه شخصا ــ ذكرا كان أو أنثى ـــ وهرب به إلى إحدى الجهات عوقب على الوجه الآتي :
1. بالحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات إذا كان المخطوف على الصورة المذكورة ذكرا لم يكن قد أتم الخامسة عشرة من عمره.
2. بالأشغال الشاقة المؤقتة إذا كانت المخطوفة على الصورة المذكورة أنثى .
3. بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن خمس سنوات إذا كانت المخطوفة ذات بعل سواء أكانت أتمت الخامسة عشرة من عمرها أم لم تتم .
4. بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن عشر سنوات إذا كان المخطوف ذكرا أو أنثى ،وقد أعتدي عليها بالاغتصاب أو هتك العرض .
5. بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن عشر سنوات إذا كانت المخطوفة ذات بعل لم تكن قد أتمت الخامسة عشرة من عمرها واعتدي عليها بالمواقعة .
6. بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن سبع سنوات إذا كانت المخطوفة ذات بعل تجاوزت الخامسة عشرة من عمرها واعتدي عليها بالمواقعة).
أما المادة /303 فنصت على ما يلي :
(يعاقب الخاطف بالحبس من شهر إلى سنة ، إذا أرجع من تلقاء نفسه المخطوف في خلال ثمان وأربعين ساعة إلى مكان أمين وأعاد إليه حريته دون أن يقع عليه اعتداء ماس بالشرف أو العرض أو جريمة تؤلف جناية أو جنحة ).
   وسوف نقسم هذا الفصل لمبحثين نخصص الأول لأركان جريمة الخطف بالتحيّل أو   الإكراه ، أما المبحث الثاني فسوف نخصصه لعقوبات جرائم الخطف حين تقع   بالتحيّل أو الإكراه .


المبحث الأول
أركان جريمة الخطف بالتحيّل أو الإكراه


تعتبر أركان هذه الجريمة متوافرة عندما يقوم الجاني بخطف المجني عليه سواء كان ذكرا أو أنثى لم يبلغ الخامسة عشر من عمره أو أنثى مهما بلغ عمرها بقصد إبعاد المجني عليه من أهله وبيئته وذلك باستعمال أسلوب من أساليب التحيّل أو الإكراه الذي يوقعه الجاني على الشخص المخطوف حتى يتمكن من إتمام جريمته .
وهذا ما قررته محكمة التمييز الأردنية حيث قضت بأن جريمة الخطف بالتحيّل أو الإكراه تتكون من فعل الخطف وأن يقع الخطف بالتحيّل أو الإكراه مع توافر القصد الجرمي .(1)
وعلى ذلك فإن هذه الجريمة تقوم بتوافر الركن المادي المصحوب باستعمال أساليب احتيالية أو باستعمال الإكراه على شخص معين ،على أن يكون ذلك مقترنا بالقصد الجرمي وهو الركن المعنوي لهذه الجريمة .
تقوم جريمة الخطف بالتحيّل أو الإكراه المنصوص عليها في المادة /302 من قانون العقوبات على أربعة أركان هي :
1.الركن المادي
2.التحيّل أو الإكراه
3. محل الجريمة
4. الركن المعنوي
وسوف نخصص لكل ركن من أركان هذه الجريمة مطلبا خاصا .

المطلب الأول
الركن المادي

  الركن المادي هنا هو فعل خطف ويتحقق بنزع المخطوف من   بيئته الموجود فيها وإبعاده عن هذه البيئة وذلك بنقله إلى مكان آخر   واحتجازه فيه بقصد إخفائه عن أهله وذويه ، فهذا الفعل إذا يتركب من عنصرين   أساسيين هما :
الأول : انتزاع الطفل المخطوف من البقعة التي جعلها مرادا له من هو تحت رعايته .
الثاني : نقله إلى محل آخر واحتجازه فيه بقصد إخفائه عن ذويه .
والركن المادي هو نفسه بالنسبة لجريمة الخطف سواء حصلت بالتحيّل أو الإكراه أو دون ذلك وحتى نتجنب التكرار فسوف نقتصر في حديثنا بالنسبة لجريمة الخطف بالتحيّل أو الإكراه على إبراز معنى التحيّل ومعنى الإكراه .
المطلب الثاني
التحيّل أو الإكراه

يشترط لتطبيق نص المادة / 302 حصول الخطف بالتحيّل أو الإكراه ، ويتخذ التحيّل أو الإكراه من بنيان جريمة الخطف أحد تكيفن :
1. يعتبر ركنا في جريمة الخطف بالتحيّل أو الإكراه الواقعة على الأنثى  التي  بلغت الخامسة عشر من عمرها أو تجاوزتها .إذ لا يعاقب المشرّع على  خطف  الأنثى التي بلغت هذا السن إذا كان بدون تحيّل أو إكراه ، ويعني ذلك  أنه  إذا تخلف هذا الركن انهارت الجريمة وأخذت تكييفا آخر غير الخطف يختلف  حسب  اختلاف نوع الفعل الذي يرتكبه الجاني

عشرة من عمرها أو تجاوزتها .إذ لا يعاقب المشرّع على   خطف الأنثى التي بلغت هذا السن وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز الأردنية   في حكمها عندما قررت في مبدأ قانوني ما يلي :
(تشترط المادة /302 من قانون العقوبات في فعل خطف الأنثى أن يقع بدون رضاها عن طريق التحيّل أو الإكراه وعليه فإن مرافقة المشتكى عليهما للمجني عليها برغبتها ورضاها والهرب معها إلى سوريا لا يشكل جناية خطف وإنما يمكن اعتباره تحريضا لها على ترك بيت الزوجية ومن قبيل إفساد الرابطة الزوجية خلافا لأحكام المادة /304ـــ 3 من قانون العقوبات، وهي جريمة جنحوية تختص بنظرها محكمة البداية ، ويكون مدعي عام محكمة البداية هو المرجع المختص للتحقيق في هذه القضية .
2ـــ يعتبر التحايل أو الإكراه ظرفا مشددا للعقوبة فحسب في حالة وقوع الخطف على الطفل الذي لم يبلغ سنه خمسة عشرة سنة كاملة سواء المخطوف ذكرا أو أنثى .
ومرجع هذا التكييف أن المشرّع يعاقب على خطف هؤلاء دون تحايل أو إكراه في المادة / 291 ، ويشدد العقاب إذا تم الخطف بالتحايل أو الإكراه في المادة / 302 .
وإذا صح القول هنا فبرأينا أن التحايل والإكراه في جريمة الخطف بالتحايل أو الإكراه التي تقع على القاصر دون الخامسة عشرة من عمره ، يشكلان عنصرا من عناصر الركن المادي
للجريمة سواء كان المخطوف ذكرا أم أنثى فإذا تخلفت نكون بصدد جريمة خطف بدون تحايل أو إكراه أي أن الوصف الجرمي هنا يبقى جريمة خطف .
والآن نورد توضيح لمعنى التحايل والإكراه التي تشترطهما المادة / 302 من قانون العقوبات في جريمة الخطف بالتحايل أو الإكراه :

أولا : التحايل

هو الغش أو الخداع أو أي فعل من أفعال التدليس التي   تمكن الجاني من الإيقاع بالمجني عليه أو بمن يكفله ، على نحو تحقق معه   جريمة الخطف .
ولتحقق الركن المادي فإنه يستلزم توافر صدور قول أو فعل من جانب الجاني يتمثل في غش أو خداع أو كذب مدعما بأعمال مادية أو إسم كاذب أو إيهام المجني عليه ــــ المخطوف ــــ بوجود أمر لا حقيقة له أو إحداث الأمل بحصول ربح … إلخ ، مما يجعل المجني عليه يقع ضحية للجاني .
والكذب المجرد لا يكفي للقول بتوافر الاحتيال  ، إذ لا بدّ و أن يكون هذا   الكذب مصحوبا ببعض الأفعال أو المظاهر التي تؤيده حتى ينخدع المجني عليه  ،  بمعنى أنه يجب

اصطناع موقف من شأنه التأثير في إرادة من وقع عليه   التحايل .وعلى ذلك فإنه يمكن القول بأن هناك تطابق بين فكرة التحايل في   جريمة الخطف وفكرة الاحتيال في جريمة  الاستيلاء على مال الغير باستعمال   طرق احتيالية والمنصوص عليها في المادة /417 من قانون العقوبات الأردني   .وتطبيقا لذلك اعتبر التحايل غير متحقق إذا كان الثابت بالحكم أن المتهم   طلب من أم المجني عليها تسلمه ابنتها لتذهب معه إلى منزل والدها ليراها   وتتناول العشاء عنده ، فسلمته إياها فأخفاها في وجهة أخرى غير معلومة ،  فإن  هذه الواقعة تشكل جريمة خطف من غير تحايل أو إكراه ، إذ أن ما قاله  المتهم  لأم المجني عليها لا يعدو أن يكون مجرد قول كاذب خال من استعمال  طرق الغش  أو الإيهام ، كما جاء في نص الحكم أن كلمة تحايل تعني الغش  والتدليس اللذين  لا يكفي فيهما القول المجرد عن وسائل الخداع التي من  شأنها التأثير في  إرادة من وجهت إليه . ولم يتطلب المشرّع إلا أن يلجأ  الجاني في سبيل ارتكاب  الخطف إلى التحايل ، ويستوي في ذلك أن يقع التحايل  على المجني عليه أو أي  شخص آخر ممن يتولون رعايته متى كان هذا التحايل قد  مكّن الجاني من خطف  المجني عليها .

ومن أمثلة التحايل الواقع على المجني عليه ما قضت به محكمة النقض المصرية أنه :
(إذا أثبت الحكم في حق المتهم أنه توجه إلى مكان المجني عليه الذي لم يبلغ من العمر خمس سنوات وكان يلهو في الطريق العام مع الشاهد ، وكلف الأخير بشراء حاجة له ولما أراد الشاهد أن يصحب المجني عليه معه أشار عليه بتركه ، وما كان الشاهد يبتعد حتى أركب المتهم المجني عليه الدراجة موهما إياه أنه سيصحبه إلى جدته ثم أخفاه بعد ذلك عن أهله قاصدا قطع صلته بهم وستره عمن له حق ضمه ورعايته ، فإن ذلك مما تتوافر به جريمة الخطف بالتحيّل ).
ومن أمثلة التحايل الواقع على غير المجني عليه ممن لهم حق رعايته ما قضت به محكمة النقض المصرية أنه :
(متى كان الحكم قد استظهر أن التحيّل وقع على إدارة المدرسة الخاصة التي   كان يتلقى فيها المجني عليه دروسه ،وأنه حصل من شخص انتحل شخصية والد   المجني عليه ، واتصل أولا بكاتب المدرسة وأخبره بوفاة جدة المجني عليه  وطلب  إليه أن يأذن له بالخروج للسفر مع عائلته للبلدة ،ولما استبطأ خروج  المجني  عليه اتصل بناظر المدرسة وكرر نفس الرواية مبديا

التأثر والألم من عدم خروج المجني عليه ، فخدع الناظر   بتلك الحيلة وأذن للمجني عليه بالخروج الذي وجد المتهم ينتظره أمام باب   المدرسة بسيارة أقله بها إلى البلدة التي أخفاه فيها ـــ متى كان ذلك فإن   ركن التحيّل يكون متوافرا ).
ثانيا :الإكراه

ينصرف لفظ الإكراه إلى العنف أو التهديد الذي يقع على   المجني عليه سواء كان ماديا أو معنويا .فقد قضت محكمة التمييز الأردنية   بقيام جريمة الخطف بالقوة والعنف إذا قام الجاني بإمساك المجني عليه وسد   فمه للتغلب على مقاومته ومنعه من الاستغاثة .
فالإكراه هو أي فعل يأتيه الجاني ويكون من شأنه سلب إرادة المجني عليه ،سواء باستعمال وسائل مادية أو باستعمال الإكراه المعنوي ،وقد عرفت محكمة النقض المصرية العنف على أنه:
(يشمل الأمور القسرية التي تقع على الأشخاص بقصد تعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم وذلك للوصول إلى الغاية وهي الخطف ).
ومن أساليب الإكراه المادي حمل المجني عليه ونقله من مكانه بالقوة أو باستعمال مخدر يعطى
للمجني عليه ثم يتم نقله من مكانه وهو فاقد الوعي .
ويتم الخطف أيضا باستعمال الإكراه الأدبي أو المعنوي كتهديد المجني عليه بالقتل أو إلحاق ضرر جسيم به إن هو لم يذعن لأمر الجناة فيغادر معهم إلى المكان الذي يختارونه بعيدا عن أهله وبيئته ، وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية في حكمها على واقعة تتلخص في أن:
(المتهم الأول والثاني اعترضا المجني عليها ، بحضور المتهم الثالث، أثناء سيرها في الطريق العام ، وأشهر كل منهما عليها مطواة مهددا بالإعتداء عليها وجذبها عنوة وقام الثالث باقتيادها في سيارة أجرة وقام المتهم الرابع بحملها في سيارة أخرى إلى منزل المتهم الخامس).(1)
ويدخل في نطاق الإكراه فعل الخطف الذي يقع على الصغير الذي لم يكن قد أت السابعة من عمره ،أو حين ينتهز الجاني فرصة نوم المجني عليه أو إذا كان هذا الأخير في حالة سكر أو جنون أفقده الشعور أو الاختيار .
وهذا ما قضت به محكمة التمييز الأردنية بقولها :(يدخل في نطاق الإكراه وانعدام الرضاء صغر السن دون السابعة أو الجنون أو النوم أو السكر ).
وتطبيقا لذلك فإن محكمة النقض المصرية قد قضت في حكم لها: ( إذا كان الثابت في الحكم
أن الجناة الثلاثة الأول عملوا على انتزاع المجني عليه والحال أنه كان  أخرس  لم يبلغ الخمس سنوات ومن ثم يكون عديم التمييز الأمر الذي يتوافر معه  ركن  التحايل ، فإن ما أورده يكفي به توافر هذا الركن للجريمة ، إذ أن صغر  سن  المجني عليه وحالته الصحية أو الذهنية هما من الأمور التي يسوغ لقاضي   الموضوع أن يستنبط منهما خضوع المجني عليه لتأثير التحيّل أو الإكراه في   جريمة الخطف ) وواضح توافر الإكراه في الواقعة الواردة في الحكم لانعدام   إرادة الصغير غير المميز .(1)

المطلب الثالث
محل الجريمة

تفترض جريمة الخطف بالتحايل أو الإكراه توافر صفة  معينة  في المجني عليه ،إذ اشترط المشرع في المادة /302 من قانون العقوبات  أن يتم  الخطف بالتحايل أو الإكراه مع ملاحظة أن يقع هذا الخطف على أنثى  أيا كان  عمرها ،أو على ذكر لم يكن قد أتم الخامسة عشرة من عمره .(2)
ومعنى ذلك أن خطف الذكر لا يكون معاقبا عليه إذا كان المجني عليه قد أتم   الخامسة عشر من عمره وإن كان فعل الجاني يمكن ان يشكل في هذه الحالة جريمة   حرمان الحرية المنصوص

عليها في المادة /346 من قانون العقوبات ،إن توافرت أركانها.
ويذهب البعض إلى انتقاد هذا الأمر لأنه لا يوجد أي علة أو حكمة لعدم التجريم على جريمة الخطف طالما أن المجني عليه ما زال حدثا .(1)
وكذلك الحال القانون المصري فإنه يعاقب على خطف الأطفال دون سن السادسة عشرة ذكورا كانوا أو إناث وعلى خطف الإناث ، ويفرق في خطف الأطفال بين خطفهم في التحايل أو الإكراه وخطفهم من غير تحايل أو إكراه ولا يعاقب على خطف الأنثى التي تجاوزت السادسة عشرة من عمرها إلا إذا حصل بالتحايل أو الإكراه . وعلى ذلك فإنه إذا وقع اعتداء من هذا القبيل على ذكر تجاوز السادسة عشرة من عمره فلا يعتبر خطفا وإنما يمكن اعتبار الجاني هنا مرتكب لجريمة القبض أو الحبس دون وجه حق وفقا للمادة /280 من قانون العقوبات المصري ويذهب الرأي هنا إلى القول بأن المشرع المصري قد اعتبر هذا العقاب العام كافيا لحماية الحرية الشخصية للكبار من الذكور . اما بالنسبة للأحداث و النساء فقد رأى وجوب العقاب على خطفهم بعقاب خاص نظرا لشيوع هذا الأمر وخطورته .(2)
وبالرجوع لنص المادة /346 من قانون العقوبات الأردني نجد أنها تعاقب على جريمة القبض وحرمان الحرية دون سبب مشروع ، بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو غرامة لا تزيد خمسين دينارا.و يلاحظ على هذه العقوبة أنها عقوبة جنحية وهي لا تتناسب مع درجة جسامة الجريمة المرتكبة والتي تشكل اعتداء على حق من أهم حقوق الإنسان وهو حريته ونحن مع الرأي القائل بأنه يجدر بالمشرع أن يعتبر هذه الجريمة جناية كما فعل المشرع الفرنسي وذلك بمقتضى المادة /341 من قانون العقوبات الفرنسي .
وبذلك يكون المشرع قد شمل الذكر الذي يزيد عمره عن خمسة عشرة سنة بالحماية القانونية.

المطلب الرابع
الركن المعنوي أو القصد الجرمي

جريمة الخطف بالتحايل أو الإكراه هي جريمة عمدية ،   ولذلك يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي . ويتحقق القصد باتجاه   إرادة الجاني وانتزاع المخطوف من أيدي من لهم حق رعايته وينصرف قصده إلى   قطع صلته بهم .وإبعاده عنهم مع علمه بأن فعله يحقق هذا الأثر.
وهذا ما قررته محكمة التمييز الأردنية في حكمها التالي حيث قالت : ( إذا أخذ الجاني
المجني عليها إلى موقع مهجور بغية الفسق بها وهتك عرضها وليس ليخرجها من رعاية أهلها ويحتفظ بها فلا يتحقق بفعله هذا قصد الخطف المنصوص عليه في المادة / 302 من قانون العقوبات ).
ومهما كان الباعث على ارتكاب الجريمة ، فمتى تبين أن قصد الجاني هو إخفاء المجني عليه عن ذويه وقطع صلتهم به فلا يعتد في الباعث للحكم على الجريمة من حيث الوجود أو العدم.
وفي غالب الأحيان يكون غرض الجاني غير مشروع كالذي يخطف الأنثى لغرض الاعتداء على عفافها أو إكراه أهلها على قبول زواجها ، وقد يكون الباعث من الخطف هو تخليصها من المعاملة السيئة أو تربية المخطوف على غير دين أهله وكما سبق وقلنا مهما كان الباعث سيئا أو شريفا فإنه لا ينفي الجريمة .
والركن المعنوي هو نفسه بالنسبة لجريمة الخطف سواء حصلت بالتحايل أو الإكراه أو دون ذلك ، ولتجنب التكرار فإننا نقتصر على ما أوردناه فيما يتعلق بالركن المعنوي الواجب توافره في جريمة الخطف بالتحايل أو الإكراه على ما ورد ذكره في هذا المطلب .

المبحث الثاني
العقوبات المقررة لجريمة الخطف بالتحايل أو الإكراه

بينّا في المبحث الأول من هذا الفصل أن جريمة الخطف   بالـتحايل أو الإكراه تكون متحققة إذا قام الجاني بخطف المجني عليه   بالتحايل أو الإكراه ثم هرب به إلى إحدى الجهات ، أي قام بنقله من بيئته   إلى بيئة أخرى غير تلك التي كان يعيش فيها المجني عليه الذي قد يكون أنثى   مهما بلغ عمرها أو قد يكون ذكرا لم يتم الخامسة عشرة ، وفي هذه الحالة فإن   عقوبة الجريمة تختلف وتتنوع حسب ظروف كل جريمة ، فالمشرع قد بين بعض  الظروف  التي تخفف من العقوبة ،كما أنه نص على ظروف من شأنها إن توافرت أن  تكون  مانعا من موانع العقاب ،هذا بالإضافة على النص على ظروف من شأنها أن  تشدد  من العقاب .
وفي هذا المبحث سوف نبين العقوبات المقررة لجرائم  الخطف والظروف المخففة أو  المشددة وذلك من خلال تقسيم الموضوع إلى مطلبين  رئيسيين نخصص الأول لعقوبة  جريمة الخطف حين تقع بالتحايل أو الإكراه ، أما  المطلب الثاني فنخصصه  للظرف المخفف للعقوبة والإعفاء من العقاب ،ثم نبين  المحكمة المختصة بالنظر  في هذه الجرائم .

المطلب الأول
عقوبة جريمة الخطف بالتحايل أو الإكراه

من استعراض نص المادة /302 ـــ 1 من قانون العقوبات  نجد  أنها تفرض على الفاعل عقوبات تختلف باختلاف ظروف ارتكاب الجريمة ،   وباختلاف ظروف المجني عليه ، وعلى ذلك التفصيل التالي :
الحالة الأولى :
تعتبر جريمة جنحوية عقوبتها الحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات إذا كان المخطوف ذكرا دون سن الخامسة عشرة وتم الخطف باستعمال التحايل أو الإكراه المادي أو المعنوي ، وعلى هذا فإن الخطف لا يتصور وقوعه على ذكر تجاوز هذا السن ،(المادة 302 / 1 عقوبات )
الحالة الثانية :
تعتبر هذه الجريمة جناية عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث كحد أدنى إلى خمسة عشر سنة كحد أقصى ، إذا كان المجني عليه أنثى مهما كان عمرها ، أي ولو كان عمرها يزيد على خمسة عشر عاما .(المادة 302 /2)
الحالة الثالثة :
تعتبر  هذه الجريمة جناية وعقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا  تنقص عن خمس  سنوات إذا كانت المجني عليه أنثى متزوجة ، سواء أتمت الخامسة  عشرة من  عمرها أم لم تتم ، (المادة 302 /3) ويلاحظ أن المشرع قد شدّد كثيرا  في  العقوبة إذا وقع الخطف على امرأة متزوجة مع استعمال التحايل أو الإكراه  ،  وعلة هذا التشديد واضحة وذلك بالنظر إلى الآثار

الخطيرة التي تتركها الجريمة على المجني عليها ، ولما   في ذلك من تلويث لسمعتها ، وما قد يؤدي إليه الخطف من هدم لبيتها وتشتيت   لأسرتها، هذا بالإضافة إلى أن المخطوفة وأن كان لا ذنب لها ، فإنها لا  تسلم  من ألسنة الناس مما يجعل حياتها وحياة زوجها في غاية من الصعوبة  والتي قد  تؤدي إلى الإنفصال .
الحالة الرابعة :
تعتبر الجريمة جناية أيضا وعقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تنقص عن عشر سنوات إذا كان المجني عليه ذكر أو أنثى وتعرض بعد خطفه إلى هتك العرض أو الاغتصاب ، وكان الخطف قد وقع باستعمال الحيلة أو الخداع أو باستعمال الإكراه .(المادة 302 /4)
ويشترط حتى ينطبق الظرف المشدد أن يتم اعتداء  على المجني عليه الذكر بفعل  يهتك عرضه ، أو يتم اعتداء على المجني عليها  الأنثى بفعل يهتك عرضها أو  بفعل اغتصاب ، وان يتم هتك العرض أو الاغتصاب  أثناء جريمة الاختطاف أي أن  يكون هناك معاصرة زمنية بين مثل هذه الأفعال  وجريمة الاختطاف وطالما وقع  هتك العرض أو الاغتصاب قبل استرداد المخطوف  لحريته فإن الظرف المشدد يكون  متوافرا .ولا يشترط المشرع أن يقع هتك العرض  أو الاغتصاب من الخاطف نفسه ،  بل يكفي أن يقع على المجني عليه اعتداء من  هذا القبيل حتى ينطبق الظرف  المشدد سواء كان الخاطف على علم بذلك أم لا .

فإن قام بفعل الخطف وتمكن غيره من إيقاع هتك العرض أو   الاغتصاب على المجني عليه ، فإن المادة 302 /4 تنطبق وتوقع على الجاني   العقوبة المشددة ،لأن هذا الاعتداء يشكل ظرفا ماديا يتصل بالجريمة ذاتها   ويعتبر جزءا منها ويؤثر بمسؤولية الفاعل حتى ولو لم يتحقق بفعله بل بفعل   غيره من الفاعلين استنادا للمادة 79 من قانون العقوبات .
والتي تنص :( مفاعيل الأسباب المادية التي من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيضها أو الاعفاء منها تسري على كل من الشركاء في الجريمة والمتدخلين فيها و المحرضين على ارتكابها).
ولا يكون هناك مجال لمساءلة الخاطف عن الخطف وعن الاغتصاب وهتك العرض كلا على حده أي أنه لا يعاقب على جريمة بعقوبة مستقلة ، إنما توقع عليه العقوبة المشددة وهي الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تنقص عن عشر سنوات .
الحالة الخامسة :
تعتبر جناية عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تنقص عن عشر سنوات إذا كانت المخطوفة متزوجة ــــ ذات بعل ـــ ودون سن الخامسة عشر من عمرها واعتدي عليها بالمواقعة ، ( المادة 302 /5) ويلاحظ على النص أنه استعمل عبارة المواقعة ولم يستعمل عبارة الاغتصاب وهذا يعني أنه إذا تمت مواقعة المخطوفة ولو برضاها أثناء استمرار جريمة الخطف فإن ذلك لا يحول دون توقيع العقوبة المشددة طالما أن المجني عليها لم تتم الخامسة
عشرة من عمرها ،لأن من كان في عمرها لا يعتد برضاه .
وينال الخاطف العقوبة المشددة ، سواء كان هو الذي ارتكب المواقعة الجنسية مع المخطوفة أم كان شخص غيره ، لأن هذه المواقعة هي ظرف مادي يتصل بالجريمة ويعد جزءا منها مما يؤثر في مسؤولية الخاطف .
الحالة السادسة :
تعتبر من جرائم الجنايات أيضا وتكون عقوبتها الأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن سبع سنوات إذا كانت المخطوفة ذات بعل تجاوزت الخامسة عشر من عمرها واعتدي عليها بالمواقعة (المادة 302 /4)
والنص في هذه الحالة يشبه النص في الحالة السابقة ، والخلاف يكمن في أن المجني عليها ن إذ يفترض فيها أن تكون قد تجاوزت سن الخامسة عشرة ، فإذا تمت مواقعتها من قبل الخاطف أو من قبل غيره ، فإن العقوبة تشدد واو تمت المواقعة برضاها ، طالما أن هذه المواقعة قد حدثت أثناء الخطف الذي تم بالتحايل أو الإكراه .
كما أن  هناك أمرا جديرا بالتنويه به ، وهو أن القانون المعدل لقانون  العقوبات رقم  9 لسنة 1988 قد تناول بالتعديل المادة 292 المتعلقة باغتصاب  الأنثى حيث  أصبحت عقوبة اغتصاب الأنثى التي لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها  هي  الإعدام ، ولم يتطرق التعديل لنص المادة 302 /5 الخاصة بالخطف إذا كان   مصحوبا بمواقعة أو اغتصاب . كذلك لم

يتناول بالتعديل أحكام المادة 302 / 6 حتى يتحقق الانسجام بين عقوبة الخطف المصاحبة للاغتصاب.
وإزاء هذا الاغفال للمادة 302 في القانون المعدل لقانون العقوبات نكون بصدد وضع غريب وغير متوازن ، إذ يعاقب مرتكب الاغتصاب لفتاة لم تتم الخامسة عشرة بالإعدام وذلك وفقا لنص المادة 292 /2 ، بينما إذا تم الاغتصاب ( أو المواقعة ) لنفس الفتاة ،إذا كان ذلك أثناء خطفها فإن العقوبة تكون هي الأشغال الشاقة لمدة لا تنقص عن عشر سنوات كما جاء في نص المادة 302 /5 مع أن الخطف الذي يكون مصحوبا بجناية الاغتصاب هو جريمة لها خطورة أكبر من جريمة الاغتصاب حين ترتكب دون خطف .
وكذلك فغن مرتكب جريمة الخطف الذي يصاحبه اغتصاب للأنثى المتزوجة التي تجاوزت الخامسة عشرة من عمرها يعاقب بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن سبع سنوات وفقا للمادة 302 /6.
بينما يعاقب مرتكب جريمة اغتصاب الأنثى التي تجاوزت الخامسة عشرة من عمرها بالأشغال الشاقة مدة لاتقل عن عشر سنوات طبقا للمادة 292/2.
ولا شك أن الأنثى المخطوفة التي يعتدى عليها بالمواقعة ، يكون قد وقع عليها نوعان من الاعتداء ، الأول هو الاعتداء على حريتها بالخطف والثاني هو الاعتداء عليها بالمواقعة .
وهذا كافيا لتشديد العقوبة وتعديل نص المادة/ 302 من قانون العقوبات ، حتى يكون منسجما مع أحكام المادة 292 من القانون نفسه .

المطلب الثاني
الظرف المخفف للعقوبة والإعفاء من العقاب

*الظرف المخفف للعقوبة :
تنص المادة /303 من قانون العقوبات على أن عقوبة الخطف تصبح الحبس من شهر إلى سنة إذا أرجع الخاطف من تلقاء نفسه المخطوف خلال ثمان وأربعين ساعة إلى مكان أمين وأعاد إليه حريته دون أن يقع عليه اعتداء ماس بالشرف والعرض أو جريمة أخرى تؤلف جناية أو جنحة .
وتبدو العلة من هذا النص واضحة ،غذ أن المشرع قد أراد أن يشجع الخاطف على إعادة المجني عليه قبل انقضاء فترة معينة منذ لحظة الخطف . ولكن هذا الظرف المخفف لا ينطبق إلا إذا توافر فيه ثلاثة شروط :
1.ان يقوم الخاطف بإرجاع المخطوف إلى مكان أمين من تلقاء نفسه وأن يعيد حريته .
2.أن يتم ذلك خلال ثمان وأربعين ساعة من لحظة اقتراف الجريمة ز
3.أن لا يكون المخطوف قد وقع عليه أي اعتداء ماس بالشرف والعرض أو أي   اعتداء من أي نوع طالما كان هذا الاعتداء يشكل جناية أو جنحة .فإذا وقع أي   اعتداء من هذا القبيل على المخطوف أثناء اختطافه ولو من شخص آخر غير  الشخص  الخاطف ، فإن اعادة المخطوف لا تجديه نفعا ولا يستفيد بالتالي من  الظرف  المخفف للعقوبة .وتطبيقا لذلك فقد قضي بأن قيام أحد المشتركين  بجريمة الخطف  بمداعبة المجني عليها بشكل مناف للحياء لا يكفي لاستبعاد  تطبيق المادة 303  من قانون العقوبات على شركاء ذلك المتهم ، لأن هذا

الاعتداء يشكل ظرفا ماديا يتصل بالجريمة ذاتها ويعتبر   جزء منها ،ويؤثر في مسؤولية الفاعل حتى ولو لم يتحقق بفعله بل بفعل غيره  من  الفاعلين معه ، استنادا للمادة 79 من قانون العقوبات .

*الإعفاء من العقاب :

تتضمن المادة 308 من قانون العقوبات أحكام شاملة لجميع   الجرائم الواردة في الفصل الأول من باب الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب   العامة وهذه الجرائم هي الاغتصاب ،هتك العرض ، الخطف ، الإغواء والتهتك   وخرق حرمة المساكن الخاصة بالنساء فتنص المادة 308 على   ما يلي :
(1ــ إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المعتدي عليها أوقفت الملاحقة وإذا كان صدر حكم علق تنفيذ العقاب الذي فرض على المحكوم عليه .
2ــ تستعيد النيابة حقها في ملاحقة الدعوى العمومية وفي تنفيذ العقوبة قبل انقضاء ثلاث سنوات على الجنحة وانقضاء خمس سنوات على الجناية إذا انتهى الزواج بطلاق المرأة دون سبب مشروع ).
وعلى ذلك فإن نص المادة 308 المذكورة يعفي مرتكب جريمة الخطف من العقاب إذا عقد
زواج صحيح بينه وبين المعتدى عليها المخطوفة فتوقف الملاحقة إذا لم يكن صدر حكم
بالدعوى ، وإذا كان صدر حكم بالقضية فينصب التوقف على تنفيذ العقوبة التي فرضت على المحكوم عليه زوحتى لا يتخذ الجاني من الزواج وسيلة للتهرب من العقوبة نفقد نص المشرع في الفقرة الثانية من نفس المادة على أن تستعيد النيابة العامة حقها في ملاحقة الدعوى العمومية وفي تنفيذ العقوبة قبل انقضاء ثلاث سنوات على الجناية إذا انتهى الزواج بطلاق المرأة دون سبب مشروع .
ومن البداهة القول أن نص المادة 308 عقوبات ،لا ينطبق ولا يستفيد منه الخاطف إلا إذا كانت المخطوفة غير متزوجة ،فإن كانت متزوجة فإنه يستحيل قانونيا للخاطف أن يتزوج منها طالما أنها في عصمة رجل آخر ، إلا إذا قام زوجها بتطليقها ، فعندئذ يمكن للخاطف أن يستفيد من النص بزواجه منها بعقد زواج صحيح .
ويستفيد الخاطف من النص طالما تزوج  بالمجني عليها زواجا شرعيا بغض النظر  عما حدث أثناء مدة الخطف ، أي ولو تم  اعتداء بالمواقعة على المجني عليها  وزواج الجاني منها يضع حدا للمشكلة  ويزيل معظم آثار الجريمة إلا أن اعفاء  الخاطف من العقاب لا يكون نهائيا ما  لم تمر فترة الثلاث أو الخمس سنوات دون  أن ينتهي الزواج بطلاق من غير سبب  مشروع ، فعندئذ يصبح الاعفاء من العقاب  نهائيا ، وإذا كانت الملاحقة قد  أوقفت فإن الدعوى تسقط نهائيا

بمضي المدة المذكورة ،ولا تستطيع النيابة بعد ذلك أن تحرك الدعوى من جديد ولو تم الطلاق دون سبب مشروع .
و زواج الخاطف بمن خطفها يترتب عليه أن لا يحكم بعقوبة ما على الخاطف ولا   على شركائه في الجريمة ن فإن محاكمة الشركاء تنتج الفضيحة التي يريد  الشارع  أن يتجنبها ــــ فضلا عن أنه ليس من العدل معاقبة الشريك وترك  الفاعل  الأصلي بلا عقاب .(1)

المطلب الثالث
المحكمة المختصة بالنظر في جرائم الخطف .مسألة فرعية

ينص قانون محكمة الجنايات الكبرى رقم 33 لسنة 1976 في   الفقرة (ب) من المادة الرابعة أن محكمة الجنايات الكبرى تختص بالنظر في   الجرائم التالية :(جرائم الاغتصاب وهتك العرض والخطف الجنائي المنصوص  عليها  في المواد من 292 إلى 302 من قانون العقوبات المعمول به)
وبذلك فإن محكمة الجنايات الكبرى تختص بالنظر بجرائم الخطف التي تكون عقوبتها من درجة الجناية ولا تختص في جريمة الخطف من درجة الجنحة ، وهذا ما قررته محكمة التمييز الأردنية في حكمها على الواقعة التالية :
(لدى الاطلاع على هذه الدعوى تبين لنا أنه أسند إلى (ن.ع) مصرية الجنسية جرم خطف ولد من مصر وسجلته في سجل الأحوال المدنية في مصر باسم ــ ابراهيم ــ على أنه ولدها ، وبناءا على هذا القيد المصري سجلته في سجل الأحوال المدنية في الأردن حيث حصلت له على شهادة ميلاد أردنية ، يبدو مما تقدم أن خطف ولد ذكر خلافا للمادة 302 /2 ق.ع يستلزم عقوبة جنحوية وحيث أن محكمة الجنايات تختص بمقتضى الفقرة (ب) من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 76 بالنظر في جرائم الاغتصاب وهتك العرض والخطف الجنائي أي الذي تكون عقوبته من درجة الجناية ولا تختص بالنظر في تزوير شهادة الميلاد أو استعمالها إن ثبت ذلك وأن المحكمة الجزائية العادية هي المختصة بالنظر في هذه الجرائم .وتبعا لذلك
فإن مدعي عام صويلح هو المختص بالتحقيق بهذه الدعوى ).
وبناءا عليه فإن جريمة الخطف التي تكون عقوبتها من درجة الجنايات فإن  محكمة  الجنايات الكبرى هي المختصة بالنظر فيها .أما إذا كانت جريمة الخطف   عقوبتها جنحة فإن المحكمة الجزائية العادية هي المختصة .    


الخاتمة

1ـــ يتبين من خلال هذه الدراسة مدى أهمية هذا الموضوع   وهو جرائم الخطف وتأثيرها على أمن المجتمع والحرية الشخصية للمواطن مما   استدعى بالمشرع بتناول هذه الجريمة بكافة أوصافها تحقيقا لهذه الغاية وهي   الحماية الجنائية للمواطنين وقد عنيت القوانين توفير هذه الحماية وتستند   قوتها من الدساتير المنسجمة الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات   الدولية والاقليمية التي نصت على ضمان حرية الانسان بكافة الأوجه .
2ــ من خلال هذه الدراسة يتبين لنا أن جرائم الخطف يجب اعتبارها من الجرائم الواقعة على الحرية وتندرج تحت النص الخاص بالجرائم الواقعة على الحرية كما نص المشرع المصري والفرنسي .
3ـــ تضمن مشروع قانون العقوبات الفلسطيني جرائم الخطف في الباب السادس في الجرائم التي تمس الأسرة والأطفال والباب السابع في جرائم خطف الأطفال وتعريضهم للخطر وكذلك الفصل الحادي عشر من الباب الأول من الكتاب الرابع في جرائم الاعتداء على الأشخاص والاعداد تحت عنوان الاعتداء على الحرية الشخصية والحياة الخاصة وإنني أرى أن توحد جميع جرائم الخطف بكافة أنواعها تحت فصل واحد وهو الجرائم الواقعة على الحرية لتحقيق الانسجام ومنع تشتيت النصوص في عدة فصول .
4ــ أنني أؤيد ما درجت عليه المحاكم المصرية في وصفها لجريمة إبدال طفل بآخر أو نسبه طفل زورا إلى غير والدته لأنه أوفق من الناحية القانونية فالنص في هاتين الجريمتين مختلف تماما عن نص الخطف .
5ــ أن نص المادة 291/1 من قانون العقوبات الأردني يخلق نوعا من الخلط بين الخطف حين يقع من غير تحايل أو إكراه وبين الجريمة حين تقع بالتحايل أو الإكراه أن المشرع عدم النص على حالة الخطف بالتحايل أو الإكراه في المادة 291 وأن يترك ذلك للنص العام في جريمة الخطف المنصوص عليها في المادة 302 من قانون العقوبات لأنه مع وجود هذا النص الأخير فإنه عند وقوع جريمة الخطف بالتحايل أو الإكراه على طفل لم يتم الثانية عشرة من عمره سوف نكون بصدد نصين متعارضين أحدهما يفرض عقوبة الحبس التي لا تقل عن ثلاثة أشهر والآخر يفرض عقوبة الحبس التي لا تقل عن سنتين بالنسبة للطفل ذاته .
6ـــ أن جريمة الخطف وحرمان الحرية دون سبب مشروع والنص عليها بمدة لا تزيد عن سنة أو غرامة لا تزيد عن خمسين دينارا أنها عقوبة جنحية ولا تتناسب مع درجة جسامة الجريمة المرتكبة والتي تشكل اعتداء على حق من أهم حقوق الانسان وهو حريته مع الرأي القائل بأن يجدر بالمشرع أن يعتبر هذه الجريمة جناية كما فعل المشرع الفرنسي وذلك بمقتضى المادة 341 من قانون العقوبات الفرنسي .
7ـــ تعديل نص المادة 302 من قانون العقوبات الأردني حتى يكون منسجما مع أحكام المادة 292 من نفس القانون إذ لا شك بأن الأنثى المخطوفة التي يعتدى عليها بالمواقعة يكون قد وقع عليها نوعان من الاعتداء الأول هو الاعتداء على حريتها والثاني هو الاعتداء عليها بالمواقعة وهذا كافيا لتشديد العقوبة وتعديل نص المادة 302 من قانون العقوبات .
وهكذا  استعرضنا جريمة الخطف في القانون الأردني من كافة الجوانب القانونية   ومقارنته مع القوانين الأخرى ومشروع قانون العقوبات الفلسطيني مع إعداد   توصيات في هذا الموضوع لما لهذه الجريمة من تأثير في أمن المجتمع .

قائمة المراجع

1. الدكتور أحمد فتحي سور ، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم الخاص ، الطبعة الثالثة ،
دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1985.
2. جندي عبد الملك ، الموسوعة الجنائية ، الجزء الثالث ، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة ، 1932 .
3. الدكتورة فوزية عبد الستار ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، دار النهضة العربية، القاهرة ،1982 .
4. الدكتور محمد سعيد نمور ، شرح الجرائم الواقعة على الأشخاص في قانون العقوبات الأردني ــ دار عمان للنشر ، عمان 1990 .
5.الدكتور محمد نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1990.

المجلات ومجموعات الأحكام

1. مجلة نقابة المحامين الأردنيين .
2. مجموعة المبادئ القانونية لمحكمة التمييز الأردنية في القضايا الجزائية منذ 1953 وحتى نهاية 1982 ــ جزءان ــ إعداد المحامي توفيق سالم .
3. مجموعة الأحكام الصادرة من الدائرة الجنائية لمحكمة النقض المصرية .
4. مجموعة القواعد القانونية التي قررتها الدائرة الجنائية بمحكمة النقض المصرية لغاية 1955.