د. احمد براك - استاذ القانون الجنائي ورئيس هيئة مكافحة الفساد

يسعدني أن أرحب بكم في موقعي الشخصي، آملاً من الله تعالى أن يكون هذا الموقع مصدراً من مصادر الحصول على المعلومات القانونية من تشريعات فلسطينية وعربية، ورسائل ماجستير ودكتوراه، إضافة للمقالات العلمية في مختلف فروع القانون. وليكون أيضاً وسيلة للتواصل ما بيني وبين الباحثين والقانونيين، والذين أعدهم شركاء حقيقيين في عملية تعزيز الثقافة القانونية.

عدالة الإحداث في فلسطين بين الواقع والمأمول

يثبت  الواقع أن الطفل الفلسطيني له  خصوصية خاصة ينفرد بها عن كافة الأطفال على  مستوى العالم، من وقوعه تحت  ظروف الاحتلال وما يترتب عليه من آثار  وأخطرها تعرضه للاعتقال التعسفي  المخالف لكافة الاتفاقيات والمواثيق  الدولية، وكذلك واقع الظروف الاخرى  المحيطة به، مما يوجب على المسؤولين أن  يولوا للطفل اهتماماً خاصاً، فهو  المخزون الحقيقي للأمة وثروتها  الحقيقية. وفي هذا المقام سنتناول واقع  عدالة الأحداث في فلسطين بالتحليل  والتأصيل للوصول على حقيقة الواقع  والتوصيات في هذا الشأن.
ولا شك أن  ظاهرة جنوح الأحداث من أخطر الظواهر الاجتماعية لما لها من أثر  على مستقبل  الأجيال الشابة خصوصاً ومستقبل الدولة عموماً، وقد شهد العالم  في الاونة  الاخيرة تصاعداً في هذه الظاهرة أسهمت فيه المتغيرات الاجتماعية   والاقتصادية والثفافية والتكنولوجية والسياسية على حد سواء. وهي من أكثر   الظواهر خطورة وتأثيراً على مستقبل الحدث وتحديد ملامح اتجاهاته وسلوكه في   مرحلة البلوغ. وحماية الأحداث من الوقوع في براثن الانحراف ومن ثم  الجريمة  تتحقق في المجتمع من محاور أربعة الأول وقائي ويعنى بدراسة عوامل  انحراف  الأطفال والعمل على وقايتهم منه، الثاني موضوعي: ويعنى بتحديد  نطاق  المسؤولية الجنائية للأحداث بحيث يوجد ارتباط بين السن وبين التدرج  في  المسؤولية، الثالث إجرائي: ويعنى بوضع إجراءات جنائية خاصة في شأن  الأحداث،  والرابع تنفيذي: ويعنى بوضع أساليب خاصة لتنفيذ التدابير  والعقوبات  المقررة للأحداث ولأهمية الإجراءات الجزائية التي يتعرض لها  الحدث.

 

يلزمنا في البداية أن نحدد مفهوم السياسة الجنائية المعاصرة لعدالة الأحداث:
بإن السياسة الجنائية المعاصرة تعني الخطوط الأساسية التي تضعها الدولة   لمواجهة الجريمة والحد منها على ضوء النظريات الحديثة في علم الإجرام   والعقاب، وإن كان غرض العقوبة بالنسبة للبالغين الردع العام والخاص وإشباع   العدالة إلا أنه يقتصر على هدف الردع الخاص بالنسبة للأحداث، وهو غرض  تربوي  يركز على التأهيل والمعالجة واستئصال أسباب الشر الكامنة وهذا يعني  بالطبع  الاهتمام بالمحاور الأربعة من المحور الوقائي والموضوعي والإجرائي   والتنفيذي.
ولقد ركزت السياسة الجنائية المعاصرة في معالجة جنوح  الأحداث على مصلحة  الحدث الفضلى وتجنيبه قدر الامكان التحقيق والمحاكمة  الجنائية وإبعاده عن  دائرة الجريمة والعقاب والإهتمام بالجانب الاجتماعي  لظاهرة الجنوح، وركزت  على دور المؤسسات المجتمعية في اتقاء الجريمة  ومعالجتها مع التأكيد على  الدور الإنساني والاجتماعي لأجهزة العدالة  الجنائية الخاصة بالأحداث  ومراعاة مبادئ الدفاع الاجتماعي، وهذا ما نصت  عليه صراحة المواثيق  والاعلانات الدولية. وما انتهى الفقه والعلم الجنائي  الحديثان إليه من أن  الحدث الجانح ضحية عوامل شخصية بيئية ومن أن الجريمة  في جانب كبير منها من  صنع المجتمع لا من صنع الحدث نفسه وبالتالي يمكن من  خلال الاجراءات السليمة  إعادة الحدث إلى المجتمع صالحاً لكي يسهم في بناء  المجتمع الصالح الحر  الكريم.

 ولذلك أوضحت  الاتفاقيات الدولية  والإقليمية الخاصة بحماية الأحداث: بأن الخطوط  الأساسية العريضة للسياسة  الجنائية المعاصرة لعدالة الأحداث تم الإشارة  إليها في الاتفاقيات الدولية  باعتبار الطفولة المخزون الاستراتيجي للتطور  الاجتماعي وذلك لحماية  الارتقاء بالطفولة ورعايتها ومن أبرز تلك  الاتفاقيات الى جانب اعلان حقوق  الطفل لعام 1959: قواعد الأمم المتحدة  النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث  والمعروفة باسم "قواعد بكين" والتي  اعتمدتها الجمعية العمومية عام 1985  وقرارات الجمعية العامة للامم المتحدة  الصادرة في عام 1985 بشأن العنف،  واتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، وقرارات  المؤتمر الثامن لمنع الجريمة  ومعاملة المجرمين المنعقد في هافانا 1990م،  وقواعد الأمم المتحدة بشأن  حماية الأحداث المجرمين لسنة 1999، ومبادئ  الأمم المتحدة لمنع جنوح الأحداث  (مبادئ الرياض التوجيهية) لعام 1990م،  وإعلان بشأن حقوق الطفل ورعايته في  الإسلام 1990م، وميثاق حقوق الطفل  العربي 1984.
أما على المستوى الإقليمي العربي عقدت العديد من الندوات  كان أهمها المؤتمر  الخامس للقانون الجنائي المنعقد في القاهرة في الفترة  18-20 ابريل 1992  والذي شارك فيه ممثلون للدول العربية تحت عنوان "الآفاق  الجديدة للعدالة  الجنائية في مجال الأحداث" والذي انتهى بإصدار مجموعة من  التوصيات على جانب  كبير من الأهمية، بالإضافة إلى أعمال مؤتمر الدول  العربية الخامس للدفاع  الاجتماعي الذي انعقد في تونس في الفترة من 23-28  تموز 1973 لدراسة موضوع  انحراف الأحداث ودور المؤسسات في معالجته.
وتستند الفلسفة العامة لهذه المواثيق والإعلانات إلى المحاور الأربعة   السابق ذكرها من وقائية وموضوعية وإجرائية وتنفيذية وأهم ما تضمنته هذه   المواثيق:
إنشاء شرطة متخصصة للأحداث، والاهتمام بالتحقيق الاجتماعي  للحدث الجانح  ودور مراقب السلوك، وإنشاء قضاء ونيابة عامة متخصصة  بالأحداث، وعدم اللجوء  إلى عقوبة السجن إلا كملاذٍ أخير، وتأمين ضمانات  للأحداث في حضور ولي أمر  الحدث ومراقب السلوك ومحامي الدفاع جميع مراحل  الدعوى، وحق الحدث في  استئناف القرار الصادر ضده، وتأمين احترام حياة  الحدث الخاصة تماماً في  جميع مراحل الدعوى، وتحديد سن الحدث لغايات تحديد  الأهلية القابلة  للمحاكمة، وضمان احترام وتوفير مختلف التدابير طبقاً لحال  الحدث الجانح  ومنها الاختبار والمشورة وأمور الرعاية والإرشاد والإشراف  والحضانة وبرامج  التعليم والتدريب المهني وغيرها من وسائل الرعاية  المؤسسية، وعدم تعرض  الحدث الجانح لأي معاملة قاسية وعقوبات قاسية لا  تتناسب مع سنه، ومراعاة  مبدأ مصلحة الطفل الفضلى: وهو من أهم مبادئ  اتفاقية الطفل الدولية والتي  تنص: "أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير  المناسبة في جميع الاجراءات  التي تتعلق بالاطفال سواء قامت بها مؤسسات  الرعاية الاجتماعية العامة أو  الخاصة أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو  الهيئات التشريعية بإيلاء  الاعتبار الأول لاحتياجات الطفل وتكوينه النفسي  والاجتماعي بما يتناسب مع  سنه وظروفه وطبيعة التدابير والإجراءات المتخذة  بشأنه".

 لذلك تأكد أهمية إقرار قانون خاص للأحداث الجانحين أو المعرضين للانحراف:
حيث انقسمت التشريعات العربية إلى قسمين قسم أول اخذ بعدم تخصيص قانون  خاص  بالأحداث مكتفياً بمعالجة الأحكام الخاصة بالأحداث في قانون العقوبات   وقانون الإجراءات الجزائية، وقسم ثاني: أخذ بتخصيص قانون خاص بالأحداث  مثل  دولة قطر وعمان وتونس والجزائر والمغرب. وأرى ضرورة سن قانوناً خاصاً   بالأحداث الجانحين بما يتفق والسياسة الجنائية المعاصرة في معالجة قضايا   الأحداث الجانحين، ويتواكب مع النظرة الحديثة لجنوح الأطفال ويتفق مع عدم   وجوب النظر إلى جنوح الأحداث على أنه ظاهرة إجرامية تستوجب القمع بل ظاهرة   اجتماعية تستدعي الرعاية والوقاية وضرورة أن يكون للحداثة تقنينها الجامع   المتضمن سياسة مكافحة الانحراف من النواحي الموضوعية والإجرائية في اتساق   وسهولة استدلال على الأحكام بدلاً من تقنينها بأحكام ونصوص قانونية  متناثرة  في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية.

 

ومن إمعان النظر في  التشريعات  الوطنية المتعلقة بحقوق الأحداث: فنجد القانون الأساسي  (الدستور): الذي  يشمل على العديد من الحقوق، حيث نص في المادة 10/2 منه  على العمل من جانب  السلطة الوطنية الفلسطينية دون إبطاء على الانضمام إلى  الإعلانات والمواثيق  الإقليمية والدولية التي نصت على حقوق الإنسان ومن  ضمنها حقوق الأطفال،  والمادة 11 التي تنص على صون الحرية الشخصية، والمادة  29 التي نصت على أن  رعاية الأمومة والطفولة واجب وطني ونصت على الحماية  من الإيذاء والمعاملة  القاسية وعلى ضرورة فصل الموقوفين الأحداث عن  البالغين وعلى أن يعاملوا  بطريقة تستهدف إصلاحهم وتتناسب مع أعمارهم.
وكذلك قانون العقوبات الأردني لسنة 1960 وقانون الإجراءات الجزائية رقم 3   لسنة 2001:  إن قانون العقوبات والاجراءات الجنائية المذكورين يمثلان   الشريعة العامة المطبقة في قضايا جنوح الأحداث ما عدا ما نص عليه قانون   إصلاح الأحداث صراحة طبقاً لقاعدة أن الخاص يقيد العام. وأيضاً قانون  الطفل  الفلسطيني رقم 7 لعام 2004: ولمواكبة التطورات في عدالة الأحداث  أصدرت  السلطة الوطنية الفلسطينية قانون الطفل المشار إليه، والذي يعتبر  بحق  تطوراً جديداً في معالجة حقوق الطفل الفلسطيني طبقاً لمعايير دولية  معاصرة،  وان كان هذا القانون قد تضمن فصلاً خاصاً بالأحداث الجانحين، إلا  انه  وأثناء مناقشة القانون بالقراءة الأولى تم فصل قضاء الأحداث عن قانون  الطفل  بانتظار تقنينه في قانون خاص، وأرى أنه كان من الأفضل الجمع بين  حقوق  الطفل وقضاء الأحداث في قانون واحد لسهولة العمل وتوحيد كافة الحقوق   والمصطلحات القانونية، مثلما فعل قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996  حيث  تناول قضاء الأحداث في المواد من 94 إلى 240 تحت عنوان معاملة  الأطفال  الجنائية وقد نص قانون الطفل المذكور على العديد من المواد الهامة  في  المجال الجنائي للأحداث نورد ما يلي: أن الطفل هو كل إنسان لم يتم  الثامنة  عشرة من عمره، وانه يجب الأخذ بمصلحة الطفل الفضلى عند وضع  التشريعات أو  عند اتخاذ الإجراءات القضائية والإدارية، وانه يجب الاهتمام  بالعمل الوقائي  وخاصة داخل الأسرة، وأنه يجب عدم تعريض الطفل لأي تدخل  تعسفي أو إجراء غير  قانوني في حياته أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، وكذلك  يحظر المساس بشرفه  أو سمعته، وأن للطفل الحق في الحماية من أشكال العنف  أو الإساءة البدنية  والمعنوية أو الإهمال أو التقصير أو التشرد أو غير ذلك  من أشكال إساءة  المعاملة أو الاستغلال مع اتخاذ الدولة كافة التدابير  التشريعية والإدارية  والاجتماعية والتربوية والوقائية لتأمين الحق  المذكور، تعداد الحالات التي  تهدد سلامة الطفل وكذلك تعداد الحالات التي  يعتبر بها الطفل معرضاً  للانحراف وما يتخذ من تدابير الرعاية والإصلاح،  وكذلك النص على وظيفة جديدة  وهي دائرة حماية الطفولة التي يعين بها مرشدي  حماية الطفولة وتمتعهم بصفة  الضبطية القضائية وهي مهمة التدخل الوقائي  والعلاجي في جميع الحالات التي  تهدد سلامة الطفل، والنص في المادة 65 على  وجود قاضي متخصص يسمى قاضي  الأحداث، وانه لا يجوز مساءلة الطفل الذي لم  يتم التاسعة من عمره جزائيا،  ولا يجوز إخضاع الطفل للتعذيب أو المعاملة  القاسية أو لأي نمط من أنماط  العقوبة السالبة للحرية.
وأخيراً: قانون  إصلاح الأحداث رقم 16 لسنة 1954 الأردني الساري المفعول به  في الضفة  الغربية وقانون المجرمين الأحداث رقم 2 لسنة 1937 الساري المفعول  في قطاع  غزة: ويشار إلى أن هذان القانونان استندا على فلسفة قانونية  واجتماعية  سادت في فترة صدورهما كانت تتعامل مع ظاهرة جنوح الأحداث كظاهرة  إجرامية  تتطلب الحزم والردع الاجتماعي في حين أن الفلسفة العصرية تقتضي  التعامل مع  ظاهرة جنوح الأحداث على أنها ظاهرة اجتماعية تستدعي الرعاية  والوقاية  وتنظر للحدث الجانح كضحية.
 وهذا يقتضي منا تحديد مفهوم الحدث على ضوء  التشريعات الوطنية والاتفاقيات  الدولية:  من خلال ثلاث بنود تعريف الحدث  أولاً، وثانياً سن المسؤولية  الجنائية، وثالثاً كيفية تحديد سن الحدث  والاختلاف حول إثباته وذلك على  النحو التالي:
أما تعريف الحدث: لفظ  الحدث يطلق على الطفل أو الصبي أو الناشئ أو الصغير  السن وقد عرف في معظم  القوانين ولغة فقهاء القانون وبين أروقة النيابات  والمحاكم بلفظ الحدث،  يعرف الحدث لغة: الحدث أو الطفل مفرد من أحداث  والأحداث في اللغة هم حديثو  السن ورجل حدث أي شاب فإن ذكرت السن قلت حديث  السن كناية عن الشباب وأول  العمر، فيقال شاب حدث فتى السن ورجال أحداث السن  وحدثانها وحدثاؤها ويقال  هؤلاء قوم حدثان أي جمع حدث وهو الفتى السن، وكل  فتى من الناس والدواب  والإبل حدث والأنثى حدثة.
أما بخصوص تعريف الحدث في الاتفاقيات  الدولية: لقد تعددت التعريفات الفقهية  بشأن الحدث فعرف بأنه الصغير الذي  لم يبلغ سن الرشد الجنائي، وعرف أيضاً  بأنه الطفل أو الحدث أو النشئ أو  إنسان في طور النمو، وقد عرفت قواعد الأمم  المتحدة النموذجية لإدارة شؤون  قضاء الأحداث المعروفة باسم (قواعد بكين)  الحدث: "بأنه الطفل أو الشخص  صغير السن يجوز بموجب النظم القانونية ذات  العلاقة مساءلته عن جرم بطريقة  تختلف عن طريق مساءلة البالغ"، كما عرفت  اتفاقية حقوق الطفل 1989 في  مادتها الأولى: "الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز  الثامنة عشرة ما لم يبلغ  سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه"،  وكذلك عرفت الحدث المادة  11/1 من قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث  المجردين من حريتهم:"  بأنه كل شخص دون الثامنة عشر من العمر. ويحدد القانون  السن التي ينبغي  دونها عدم السماح بتجريد الطفل من حريته أو الطفلة من  حريتها".
أما  تعريف الحدث في القانون: لقد عرف الطفل أو الحدث طبقاً قانون الطفل   الفلسطيني رقم 7 لسنة 2004 بأنه كل إنسان لم يتم الثامنة عشرة من عمره،  وهو  يتفق مع تعريف الحدث في قانون الطفل المصري لسنة 1996، وقانون رعاية   الأحداث السوداني، وبذلك نلاحظ وبحق اتفاق القوانين العربية على اعتبار   الحدث جانحاً إذا ارتكب قبل بلوغه الثامنة عشرة من العمر فعلاً يعاقب عليه   قانوناً، ولكن بتدقيق النظر في قانون الأحداث الأردني رقم 16 لسنة 1954   والمطبق في الضفة الغربية نجد أن المادة الثانية منه تضمنت عدة تعريفات   للحدث حسب المرحلة العمرية فالحدث كل من أتم التاسعة ولم يتم الثامنة عشر   من عمره ذكراً أم أنثى، ولد كل شخص أتم التاسعة ولم يتم الثالثة عشر من   عمره، مراهق هو كل شخص أتم الثامنة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره،  فتى  كل شخص أتم الخامسة عشر ولم يتم الثامنة عشر من العمر.

أما بخصوص تحديد سن  المسائلة  الجنائية: لقد نصت المادة 76 من قانون الطفل الفلسطيني والمادة 2  من قانون  إصلاح الأحداث على "لا يجوز المسائلة الجزائية للطفل الذين لم  يتم التاسعة  من عمره، بينما حدد القانون المغربي سن المسائلة وهو 12 سنة  بينما في  القانون السوداني والمصري واللبناني والعراقي حدد بسبع سنوات.  وإنني أرى  رفع السن إلى 12 سنة باعتبارها سن مناسبة لغرض إدراك التدابير  الوقائية  والعلاجية المتخذة بحق الحدث الجانح. اما تحديد سن الحدث وكيفية  إثباته لقد  اتفقت كافة التشريعات والشريعة الإسلامية على أن العبرة في ذلك  لوقت  ارتكاب الجرم وليس لوقت حدوث النتيجة أو وقت المحاكمة، وان حساب سن  الطفل  يكون بالتقويم الميلادي وهو المعمول به بالتشريعات العربية أما سلطة  تحديد  السن للحدث المتهم فتعود لقاضي الموضوع، لان هذا التقدير من  المسائل  الموضوعية التي تخضع لمحكمة الموضوع بلا تعقيب من محكمة النقض،  وهذا هو  المأخوذ به في الدول العربية، ويكون تحديد محكمة الموضوع لسن  المتهم  بالاستناد إلى وثيقة رسمية كشهادة الميلاد ولا يستعان بغيرها، وفي  حالة عدم  وجودها فإن المحكمة تجري تحقيقاً للتثبت من سن الحدث، وأرى انه  كان من  الاجدر الإشارة إلى الاعتماد على آراء الخبراء لانهم الأقدر على  تحديد سن  الحدث طبقاً للمعايير العلمية وهذا ما ذهبت اليه غالبية  التشريعات العربية  الحديثة، وتفرق بعض التشريعات بين سن الرشد الجنائي  وبين سن الرشد المدني  فتجعل الأول أدنى من الثاني، مثال ذلك التشريع  المصري الذي حدد سن الرشد  الجنائي بثمانية عشر سنة والمدني بإحدى وعشرين  سنة، بينما تذهب تشريعات  أخرى إلى التوحيد بينهما كما هو الحال في التشريع  الأردني الذي جعله في  كليهما ثمانية عشر سنة، علماً بأنه في نطاق الشريعة  الإسلامية يذهب معظم  الفقهاء إلى اعتبار الخامسة عشر سن الرشد بينما يذهب  أبو حنيفة ومشهور مذهب  الإمام مالك إلى تحديده بسن الثانية عشر.

ويلزمنا استعراض  أصول التحقيق مع  الأحداث في ثلاث بنود التالية: اولا :مرحلة جمع  الاستدلالات بشأن الأحداث  الجانحين: حيث يسبق تحريك الدعوى الجزائية مرحلة  تمهيدية لجمع الأدلة  المثبتة لوقوع الجريمة والبحث عن مرتكبيها، وتسمى  هذه المرحلة مرحلة جمع  الاستدلالات، وهي مجموعة الإجراءات التي تباشر خارج  إطار الدعوى الجنائية  وقبل البدء فيها بقصد التثبت من وقوع الجريمة  والبحث عن مرتكبيها وجمع  الأدلة والعناصر اللازمة للتحقيق، وتزداد خطورة  هذه المرحلة إذا اتخذ جمع  الاستدلالات في مواجهة  الحدث، لذلك كان من  الضروري وضع قواعد خاصة لمرحلة  الاستدلالات بشأن الأحداث الجانحين أو  المعرضين للانحراف تتولاها ضبطية  خاصة بالاحداث، ولم يتعرض قانون إصلاح  الأحداث رقم 16 لسنة 1954 لأية قواعد  تتعلق بإجراءات الاستدلالات، كما لم  يلزم دوائر الشرطة بإتباع أي اجراءات  خاصة بمعاملة الأحداث في هذه  المرحلة، ولم يتطلب قانون الأحداث استحداث  شرطة خاصة للأحداث كما فعلت بعض  القوانين كالمصري والسوري والكويتي،  والضابطة القضائية العدلية هي التي  تقوم بمرحلة جمع الاستدلالات بشأن الحدث  وفقاً لقانون الإجراءات الجزائية  رقم 3 لسنة 2001 الفلسطيني، وما يطبق على  البالغين يطبق على الأحداث على  خلاف ما نصت عليه قواعد الامم المتحدة  الدنيا النموذجية لإدارة قضاء  الأحداث (قواعد بكين 1985) من وجوب إنشاء  شرطة خاصة بالأحداث يتم تأهيلها  وتدريبها لهذا الغرض وهذا ما يتفق أيضا مع  اتفاقية حقوق الطفل وقانون  الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996.
أما قانون الطفل الفلسطيني رقم 7 لسنة  2004 فقد نص في المادة 51 منه على  "يتمتع مرشدو حماية الطفولة بصفة الضبط  القضائي في مجال تطبيق أحكام هذا  القانون". وأرى أن إنشاء شرطة متخصصة لا  يتطلب وجود نص خاص في قانون إذ  يستطيع وزير الداخلية الفلسطيني إنشاء  إدارة متخصصة تسمى شرطة الأحداث تضم  الجنسين ويشرف عليها كوادر متخصصة  ومؤهلة تعنى بدراسة الحالات الاجتماعية  بالتعاون مع مراكز السلوك ومؤسسات  حماية الطفولة باعتبار أن ظاهرة انحراف  الأحداث مشكلة اجتماعية وإنسانية  وليست قضية جنائية.

 ثانيا:مرحلة  التحقيق الابتدائي مع  الأحداث الجانحين: يقصد بالتحقيق الابتدائي مجموعة  الإجراءات التي تباشرها  سلطة التحقيق بالشكل المحدد قانونيا بغية تمحيص  الأدلة والكشف عن الحقيقة  قبل مرحلة المحاكمة، فالدعوى الجنائية تتحرك  بأول إجراء من إجراءات التحقيق  الابتدائي وتتميز إجراءات التحقيق  الابتدائي، بطبيعة خاصة كونها ذات طبيعة  قضائية تخضع للقواعد المقررة في  قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3  لسنة 2001 مالم يرد ما يخالفها  في قانون إصلاح الأحداث رقم 16 لسنة 1954  ،وسوف نتناول هذه الأحكام  والقواعد على النحو التالي: الجهات المختصة  بالتحقيق مع الأحداث، و  إجراءات التحقيق الخاصة بالأحداث،و التصرف في  التحقيق مع الأحداث.

اما بخصوص الجهات  المختصة بالتحقيق  مع الأحداث: لم يخص المشرع الفلسطيني جهة خاصة للتحقيق  مع الأحداث، وإنما  يباشر التحقيق من خلال سلطة التحقيق التي تحقق مع  البالغين وهي النيابة  العامة التي تمارس سلطتي التحقيق والاتهام، ولم تفرد  التشريعات الفلسطينية  نيابة عامة خاصة بقضايا الأحداث، وهذا الأمر  المخالف للتشريعات المعاصرة  للسياسة الجنائية في التعامل مع الأحداث  الجانحين مثل قانون الطفل المصري  لسنة 1996 ،وكذلك قانون الأحداث الكويتي  رقم 3 لسنة 1983 وحسناً فعل المشرع  الفلسطيني في مشروع قانون الأحداث  المقترح لسنة 2006 حيث نص صراحة على:  إنشاء نيابة أحداث وذلك في المادة  6/3 منه الأمر الذي يتماشى مع الآفاق  الجديدة للعدالة الجنائية في مجال  الأحداث، التي تشترط في أعضاء نيابة  الأحداث الإلمام التام بعلم الإجرام  وأسباب انحراف الأحداث وطرق  الوقاية  من الانحراف، وعلم الاجتماع، وعلم  التربية وعلم النفس، والقدرة على العمل  مع الأحداث وضرورة اجتيازهم لدورات  تدريبية لتطوير أدائهم لعملهم العقلي  والنفسي والعاطفي.

اما أجراءات التحقيق  الخاصة  بالأحداث:ينبغي أن يعامل الحدث معاملة خاصة عند التحقيق معه، إذ  يجب تفادي  جو الرهبة المتوافر بالمفهوم العام عند النيابة العامة سواء في  مكان مباشرة  الإجراءات أو كيفية مباشرتها، وعليه فسوف نعرض لهذه الإجراءات  من أربع  نواحي، على النحو التالي:

الناحية الأولى: القيود على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية:
تضع السياسية الجنائية لعدالة الأحداث قيوداً على حرية النيابة العامة في   تحريك الدعوة الجزائية، ومنها قيد خاص يدعى "قيد الإذن" الذي أخذ به  قانون  الطفل المصري لسنة 1996  ،حيث نص على عدم اتخاذ أي اجراء قبل الطفل  المتهم  بسوء السلوك أو الهارب من سلطة أبيه أو وليه أو وصيه أو من سلطة  أمه في  حالة وفاة الولي أو غيابه أو عدم أهليته، ولو كان ذلك الإجراء من  إجراءات  الاستدلال إلا بناءً على هذه الإذن. أما قانون إصلاح الأحداث  الأردني لسنة  1954 فلم يضع قيوداً على حق النيابة العامة في تحريك الدعوى  الجزائية  تاركاً تنظيم هذه المسألة لقانون الإجراءات وقانون  العقوبات كما  هو الحال  بالنسبة للبالغين. وإلى جانب قيد الإذن، هناك قيد توقف  الإجراءات في بعض  الجرائم على تقديم المجني عليه للشكوى.

الناحية الثانية:  القبض على الحدث  وإحضاره: القبض يعني حرمان الشخص من حريته في التجول ولو  لفترة يسيرة،  وينطوي هذا الإجراء على المساس بأحد حقوق الإنسان وهو حريته  في التحرك  ويجوز اتخاذه إذا ما اقتضت ذلك العدالة الجنائية، وأمر القبض  على الشخص  المتهم وإحضاره يصدر عن المحقق في حالة امتناع المتهم عن الحضور  من تلقاء  نفسه دون عذر مقبول وفي الأحوال الأخرى التي حددها المشرع، على  أن يجري  استجوابه فوراً ويجب تسليمه خلال 24 ساعة إلى النيابة العامة،  وبالإطلاع  على هذه القواعد فإننا نجد أن قانون  إصلاح الأحداث الأردني رقم  16 لسنة  1954 لم يضع نصوصاً خاصة لعملية القبض على الحدث وترك هذه  المسألة للقواعد  العامة الواردة في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني  رقم 3 لسنة 2001  وخاصة المادة 30 منه، في حين نجد أن القاعدة 10 فقرة 1 من  قواعد بكين نصت  على أنه "في حالة القبض على الحدث يخطر والداه أو الوصي  عليه فوراً في أقصر  فترة زمنية ممكنة بعض القبض عليه".
وأرى أن القبض  وإحضار الحدث بحاجة إلى وضع نصوص وأحكام خاصة غير تلك   الأحكام التي تسري  بشأن المتهمين البالغين، ويجب أن يوضع الحدث تحت رعاية  أحد المشرفين  الاجتماعيين والذي يمنح سلطات مأمور "الضبط القضائي".
أما بالنسبة  لمشروع قانون الأحداث الفلسطيني لسنة 2006 فقد تضمن نصوصاً  وأحكام تتماشى  مع قواعد بكين سالفة الذكر، ومنها عدم جواز القبض على الحدث  إلا في حالة  الجرم المشهود مع وجوب إعلام مراقب السلوك ووالد الحدث أو وليه  فوراً  وعرضه على وكيل النيابة خلال 24 ساعة، وهذا ما نصت عليه المادة  السابعة من  المشروع بفقراتها الثلاث، ونصوص قانون إصلاح الأحداث الساري  المفعول  المتعلقة بالقبض على الحدث وإحضاره تتناقض مع نصوص وأحكام  الاتفاقيات  الدولية والقانون الأساسي وخاصة المادة 29 منه والتي توجب حماية  الطفولة  من الإيذاء والمعاملة القاسية ومعاملتهم بطريقة تستهدف إصلاحهم  وتتناسب مع  أعمارهم، وتعتبر منسوخة طبقاً لقانون الطفل الفلسطيني رقم 7  لسنة 2004  وخاصة المادة 4 منه التي توجب مراعاة مصلحة الطفل الفضلى  والمادتان 42و68  منه واللتان لا تجيزان إخضاع أي طفل للتعذيب الجسدي أو لأي  نمط من أنماط  العقوبة أوالمعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة  الإنسانية  والمواد 69 و72 و74 منه والتي توجب معاملة خاصة للأحداث.

الناحية الثالثة:  استجواب  الحدث:تعتبر مرحلة التحقيق الابتدائي من أخطر المراحل التي قد يمر  فيها  الحدث في حال عدم تقيدها بمنطق العدالة وعدم مراعاتها لمصلحة الطفل  الفضلى،  والاستجواب هو إجراء بهدف تثبت المحقق من شخصية المتهم وسؤاله عن  المتهمة  المنسوبة إليه على وجه مفصل وفق الأدلة القائمة في الدعوى إثباتاً  ونفياً.  وبالطبع فقد وضع المشرع عدة ضمانات معينة للاستجواب من دعوة محام  للحضور  وأن يتولى الاستجواب المحقق أو سلطة التحقيق وعدم الإكراه المادي  أو  المعنوي للمتهم وحق المتهم بالصمت وغيرها.
ولكننا لا نجد في قانون  إصلاح الأحداث الأردني النافذ أي نص خاص بالتحقيق  الابتدائي مع الأحداث  وبالتالي الأمر يخضع لقانون الأحداث رقم 3 لسنة 2001  والقواعد العامة،  والنيابة العامة هي التي تتولى سلطة التحقيق مع توفير  كافة الضمانات  الواردة في قانون الإجراءات الجزائية، كما لم يُنص في قانون  الأحداث على  وجوب حضور ولي أو وصي الحدث لهذه الإجراءات بل أن عدم حضورهم  لا يترتب  عليه أي بطلان، وتتولى الشرطة التحقيق مع الحدث المتهم قبل إحالته  للنيابة  العامة طبقاً للمادة 3 من قانون إصلاح الأحداث الذي تتضمن النزر  اليسير  من الضمانات ومنها:
عدم جواز تقييد الحدث بأي قيد إلا في الحالات التي  يبدي فيها التمرد أو  الشراسة، وعدم جواز توقيف الأحداث في السجون المخصصة  للكبار، وعدم الاعتداد  بأسبقية الحدث فلا تعتبر إدانته بجرم من قبيل  الأسبقيات ولا تعتبر سبباً  من أسباب تشديد العقوبة.
في حين نجد أن  قواعد بكين النموذجية تنص في المادة 15/2 على أن يكون  للوالدين أو الوصي  القانوني الحق في الاشتراك في الإجراءات الجزائية  المتخذة بحق الحدث ومنها  التحقيق الابتدائي لما يوفره هذا الاشتراك من  مساندة نفسية وعاطفية  للحدث.

الناحية الرابعة:  التحفظ الاحتياطي  على الحدث وتخلية السبيل: قد تقتضي إجراءات الملاحقة  القضائية أحياناً  توقيف الحدث احتياطاً لسلامة التحقيق ومنع فراره أو  حمايته من الانتقام منه  من ذوي الضحية، وإذا كان التوقيف ذا خطورة بالغة  بوجه عام فان خطورته  تتضاعف مع الحدث لما يؤدي إليه من حجب السلطة الأبوية  وانتزاع الحدث من  بيئته الطبيعية التي ألفها وترعرع في أحضانها إلى مكان  آخر بعيد عن أهله  وذويه وتعريضه للغربة والخوف مما قد يصيبه بصدمة نفسية  تزيد في تعقيد حالته  وقد يؤثر ذلك على مجريات المحاكمة التي تصبح في نظر  الحدث وكأنها امتداد  للإجراء القصري الذي اتخذ بحقه وحرمه من الحرية،  وبالرغم من ذلك نجد أن  قانون الأحداث النافذ قد غير الفلسفة العامة  للسياسة الجنائية المعاصرة  والتي لا تجيز اللجوء إلى التوقيف الاحتياطي  للحدث إلا كملاذ أخير، حيث  أوجب في المادة الثالثة منه على مأمور الدرك أن  يحيل الحدث ولا يخلي سبيله  إذا كان متهماً بجريمة قتل أو جريمة خطيرة  أخرى أو إذا كانت مصلحته تقتضي  عدم مخالطته أي شخص غير مرغوب في مخالطته  أو إذا كان إخلاء سبيله يضر بسير  العدالة، وللشرطة توقيف الحدث لمدة 24  ساعة ولوكيل النيابة توقيفه 48 ساعة  ومن ثم تمديد توقيفه وفقاً للمادة 120  من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3  لسنة 2001، وإنني أرى أن نص المادة 3  من قانون الأحداث هو نص غير دستوري  وذلك للأسباب التالية:السبب الأول: إن  السياسة العامة الجنائية المعاصرة  تجعل التوقيف الملاذ الأخير، أما المادة  الثالثة من قانون الإحداث فتنص على  انه لا يجوز إطلاقاً إخلاء سبيل الحدث  المتهم في جريمة قتل، وتمنع إخلاء  السبيل إذا كان من شأن إخلاء السبيل أن  يضر بسير العدالة الأمر الذي يتناقض  مع أحكام المادة 37 من اتفاقية حقوق  الطفل والمادة 1 من قواعد الأمم  المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من  حريتهم، ونص المادة الثالثة من  قانون إصلاح الأحداث جعل التوقيف الاحتياطي  للحدث هو الأصل والاستثناء أن  يخلى سبيله بالتعهد والكفالة وبالتالي فان  هذا النص مناقض للفلسفة العصرية  في التعامل مع جرائم الأحداث باعتبارها  ظاهرة اجتماعية تستدعي الرعاية  والوقاية بل إن هذا النهج يكرس جرائم  الأحداث على أنها ظاهرة إجرامية  تستدعي القمع والردع.

السبب الثاني:  الاتفاقيات الدولية  لا تجيز التوقيف إلا كماذ أخير وهي ملزمة للسلطة  الفلسطينية طبقاً لنص  المادة 10/2 من القانون الأساسي والمادة 29 منه  ونصوص اتفاقية الطفل العربي  بتونس الموقعة عليها السلطة الفلسطينية عام  1984.

السبب الثالث: إن نص  المادة 3 من  قانون إصلاح الأحداث يتعارض مع فلسفة وأحكام ونصوص قانون  الطفل الفلسطيني  رقم 7 لسنة 2004 ، كما أنه يعتبر نصاً منسوخاً وملغى  قانوناً بحكم أن  القانون الأحدث ينسخ الأقدم خاصة، وأن قانون إصلاح  الأحداث رقم 16 لسنة  1954 في المادة 26 منه ينص على ا نه ليس في هذا  القانون ما يؤثر في أي  تشريع آخر يتعلق بالأحداث إلا في الأحوال المنصوص  عليها صراحة فيه وحيث ان  قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 هو  الشريعة العامة والقانون  الأحدث، وبالتالي فان قواعد التوقيف وإخلاء  السبيل الواردة في قانون إصلاح  الأحداث المتعارضة مع قانون الإجراءات  الجزائية تعتبر قواعد وأحكام منسوخة  وملغاة.

السبب الرابع:   المادتان 11/2 و3/2  من القانون الأساسي حددتا مدة محددة للتوقيف الاحتياطي  الذي انيط بالسلطة  القضائية، والأحكام الدستورية هي واجبة التطبيق وإذا  ما تعارض معها أي  قانون أو نص قانوني يعتبر ذلك القانون أو النص القانوني  غير دستوري.

 


واخيرا، أما بخصوص التصرف في التحقيق  مع الحدث: بالاطلاع على قانون الأحداث  الأردني لا نجد فيه قواعد خاصة بشأن  كيفية التصرف في التحقيق مع الحدث إلا  في حدود ضيقة لذلك فإن القواعد  العامة بشأن التصرف في التحقيق مع البالغين  هي التي تسري عند التصرف في  التحقيق مع الأحداث، وبذلك نجد المادة 9 من  قانون إصلاح الأحداث الأردني  النافذ تنص على إحالة الحدث إلى محكمة الصلح  بصفتها محكمة أحداث في  الجرائم التي تستوجب الحبس أو الأشغال المؤقتة لمدة  لا تزيد عن سبع سنوات  وفي الفقرة الثانية نصت على أن تنظر محكمة بداية  بصفتها محكمة أحداث في  الجرائم  الجنائية الأخرى وفقاً للأصول المتبعة أمام  تلك المحكمة. وطبقاً  لأحكام قانون الإجراءات الجزائية إذا وجد عضو النيابة  العامة بأن التهمة  المسندة للحدث من نوع جنحة فإنه يحيل الدعوى إلى محكمة  الصلح وإذا وجدها  من نوع الجناية يحيلها إلى محكمة بدائية مع مراعاة قواعد  الاختصاص المبينة  في المادة 9 من قانون إصلاح الأحداث لسنة 1954 واذا وجد  أن الأدلة غير  كافية أو أن التهمة لا تشكل جرماً فإنه يأخذ رأي بالحفظ  ويحيل القضية مع  الرأي إلى النائب العام للتصرف وأخذ القرار بحفظ الدعوى،  وهذه هي قواعد  التصرف في التحقيق مع قضايا الأحداث وإنني أؤيد الرأي القائل  بتوسيع سلطات  الشرطة والنيابة العامة بحفظ الدعوى مع إنذار الطفل أو  والده، وتضيق حالة  الإحالة إلى المحكمة مراعاة لمصلحة الطفل وانسجاماً مع  السياسة الجنائية  المعاصرة بشأن الأحداث الجانحين.
 ثانياً: مرحلة المحاكمة: لا شك أن  قانون إصلاح الأحداث رقم 16 لسنة 1954  لم يرقى إلى مستوى الاتفاقيات  والسياسة الجنائية المعاصرة بشأن الأحداث  الجانحين، وبالرغم من النص على  بعض الضمانات من سرية المحاكمة، إلا أنه يتم  محاكمة الحدث مع البالغين،  ولا توجد محاكمة مختصة بالأحداث يراعى فيها  البعد الاجتماعي والتأهيلي  للحدث.
ثالثاً: مرحلة التنفيذ العقابي:بالطبع من المسلم به أن تنفيذ  التدابير الذي  يفرض على الحدث في الأصل أو العقوبة على سبيل الاستثناء ،  تتم في مراكز  اصلاحية الأحداث، ولا يوجد ألا مركز واحد واحد في رام الله  وآخر في غزة لا  يفي بالغرض، هذا بالاضافة إلى قصور الإمكانيات المادية  والبرامج التربوية  والتأهيلية لاصلاح الحدث، وأنني أعتبر هذه المرحلة من  آخر مراحل لكونها  المرحلة المقصود من برامج اصلاح الأحداث الجانحين.

واخيرا ناتي لمدى انسجام الإجراءات الجزائية المتبعة  في  كافة مراحل الدعوى الجزائية مع الاتفاقيات الدولية والسياسة الجنائية   المعاصرة والقوانين الوطنية النافذة من حيث الانسجام مع الاتفاقيات  الدولية  والسياسة الجنائية المعاصرة: إن الأمر لا يحتاج إلى معاناة للحكم  بأن  قانون إصلاح الأحداث رقم 16 لسنة 1954 لا ينسجم مع الاتفاقيات  الدولية  ومنها ما وقعت عليه فلسطين مثل اتفاقية الطفل العربي بتونس، ولا  ينسجم مع  السياسة الجنائية للأحداث الجانحين والتي تنظر للتعامل معهم  كضحايا وليس  كمذنبين صوناً لمصلحة الطفل الفضلى في التعامل معه سواء  تشريعياً أم  قضائياً أم إدارياً، ولا ينسجم مع القانون الأساسي وخاصة نص  المواد 10/2  و25 ،وبالتالي فإن قانون إصلاح الأحداث الأردني رقم 13 لسنة  1954 يتناقض مع  السياسة الجنائية المعاصرة لعدالة الأحداث والاتفاقيات  الدولية في هذا  الشأن مما يفقده الأساس الفلسفي لعدالة الأحداث المعاصرة  والمتوفرة في  القانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقيات الدولية الملزمة  للسلطة الوطنية  الفلسطينية.

أما من حيث الانسجام مع القوانين الوطنية السارية   المفعول: إن القضاء الفلسطيني بشقيه النيابة العامة والقضاء في الأغلب   الأعم، لا يطبق فعلياً ما نص عليه قانون إصلاح الأحداث الأردني لسنة 1954   ،فلا يلتزم القاضي بهذا القانون في قرار حكمه كذلك لا يستند القاضي لقرار   مراقب السلوك، كما أن قانون الطفل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2004 يتناقض مع   قانون إصلاح الأحداث من حيث الأساس الفلسفي ومصلحة الطفل الفضلى ومعاملة   الأحداث كضحية مما يعني أن قانون الطفل الفلسطيني ينسخ العديد من المواد   الواردة في قانون إصلاح الأحداث لسنة 1954 لكونه القانون الأحدث.
وخلاصة القول: أن الواقع عدالة الأحداث في فلسطين في حاجة إلى تغييرات   سريعة ولذلك فإننا نوصي بما يلي: الإسراع في إقرار مشروع قانون للأحداث   الجانحين، وتبني السياسة المعاصرة لعدالة الأحداث الجانحين في مراعاة  مصلحة  الطفل الفضلى والتعامل معه كضحية،وإنشاء شرطة ونيابة وقضاء متخصص  للنظر  والفصل في قضايا الأحداث لتلبية هدف السياسة الجنائية المعاصرة.  والاهتمام  بالتحقيق الاجتماعي من قبل مرشدي حماية الطفولة، والتقليل قدر  الأمكان من  إحالة الدعوى إلى النيابة أو إلى المحكمة والالتجاء إلى  الوسائل البديلة  للدعوى الجنائية للحيلولة دون عودة الحدث إلى الجريمة،  والاهتمام بالتدابير  وعدم فرض العقوبة إلا في حالة الضرورة مع مراعاة ظروف  الجريمة والحدث وسبل  معالجته، مع عدم الالتجاء إلى التوقيف الاحتياطي إلا  كملاذ أخير، وإنشاء  دور لتأهيل الأحداث في المحافظات، وفي النهاية تبني  سياسة معاصرة للأحداث  مفهومها أن الحدث الجانح ضحية يوجب التأهيل.