د. احمد براك - استاذ القانون الجنائي ورئيس هيئة مكافحة الفساد

يسعدني أن أرحب بكم في موقعي الشخصي، آملاً من الله تعالى أن يكون هذا الموقع مصدراً من مصادر الحصول على المعلومات القانونية من تشريعات فلسطينية وعربية، ورسائل ماجستير ودكتوراه، إضافة للمقالات العلمية في مختلف فروع القانون. وليكون أيضاً وسيلة للتواصل ما بيني وبين الباحثين والقانونيين، والذين أعدهم شركاء حقيقيين في عملية تعزيز الثقافة القانونية.

الطبيعة القانونية للنيابة العامة

الدكتور / أحمد براك
النائب العام المساعد
الجزء الأول

 


الحمد لله الذي جعل القضاء قبس من نور الحق، وجعل العدل من أسمائه  فأمرنا  سبحانه وتعالى فقال: ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)  الآية 58 من  سورة النساء، وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( إنها  أمانة وإنها  يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه  فيها )، وقال  عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (إذا كان في القاضي خمسة  خصال فقد كمل :  علم لمن كان قبله ونزاهة عن الطمع وحلم على الخصم واقتداء  بالأئمة ومشاركة  أهل العلم والرأي ).
ولقد تضمن القانون الأساسي  الفلسطيني ( الدستور) في المادة 30 منه على  الوفاء بالإلتزام بإنشاء  مؤسسات يحتكم إليها الناس وتمارس حق القضاء على  جميع الأشخاص في جميع  المواد الجزائية والمدنية ، فمن المعلوم أن القانون  ظاهرة اجتماعية لصيقة  بالمجتمعات البشرية المنظمة وأهم مظاهر التعبير عن  الإرادة الجماعية  والقيم السائدة في المجتمع، حيث تتضمن مجموعة من القواعد  التي تنظم سلوك  الأفراد والتي تكفل الدولة احترامها عند الاقتداء عن طريق  توقيع الجزاء  على من يخالفها، ومخالفة قواعد السلوك في صورتها الجنائية  يكون ما يسمى  بالجريمة وبقيام هذه الجريمة ينشأحق الدولة في العقاب الذي  يتطلب معرفة  مرتكب الجريمة والتحقق من نسبتها إليه وتنظيم الوسائل التي  يمكن على  أساسها اقتضاء هذا الحق، ولا يحدث ذلك تلقائيا أو دفعة واحدة  وإنما يتم  طبقا لقواعد معينة تحكم هذا الحق، والذي يقوم على مراحل إجرائية  تستقر  جميعا فيما يسمى بالدعوى الجنائية والجزائية والنيابة العامة هي  الشخص  الإجرائي الرئيس الذي وكلت إليه الدولة صلاحية مباشرة اقتضاء حقها في   العقاب، وهي الهيئة التي أنيط بها تحريك الدعوى الجزائية والتحقيق بها   ومباشرتها

أمام القضاء ومتابعتها إلى حين الفصل بها بحكم بات،  وكان ذلك نتاج تطور  النظرة إلى الجريمة بوصفها إعتداء المجتمع أكثر منها  اعتداء على مصالح خاصة  للأفراد. والنيابة العامة تمارس دورها بوصفها خصماً  عادياً وإنما تنوب عن  الدولة كما ذكرنا آنفاً من أجل تأدية عمد عام  لتأكيد سيادة القانون.
وحيث من المعلوم أن لكل دعوى طرفان المدعي  والمدعى عليه سواء كانت هذه  الدعوى مدنية أو جنائية، وإذا كان المدعي في  الدعوى المدنية شخصا طبيعيا أو  معنويا همه الأول في دعواه مصلحة شخصية  يبغي من وراء إدعائه تحقيقها، إلا  أن الأمر في الدعوى الجزائية يختلف حيث  أن المدعي في الدعوى الجزائية هو  الهيئة الاجتماعية أو المجتمع صاحب الحق  في الحق في العقاب الذي تقوم  الدعوى من أجل تقريره واستخلاص النتائج  القانونية المترتبة على ذلك، ولكن  من المستحيل على مجتمع في مجموعة أن  يباشر الإدعاء في الدعوى الجزائية،  بالإضافة أن المشرع الفلسطيني قد  استبعد نظام الاتهام الشعبي والنظام  التنقيبي و أخذ بالنظام المختلط  تيمناً بما فعله المشرع في كل من مصر  والأردن وهو يتبع بالطبع النظام  اللاتيني بشكل عام، وتتضح معالم هذا النظام  بشكل واضح في نصوص قانون  الإجراءات الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001 ومن ذلك أنه  بين حقوق الاتهام وحقوق  الدفاع فأخذ بسرية التحقيق  بالنسبة العامة المادة  ( 59)، وعلنية المحاكمة  (المواد 207 و 237) منه، كما أنه أعطى القاضي حرية  الاقتناع ولم يقيده  بأدلة معينة حيث يمكن أن يستخلصها من أي دليل يراه  (المواد 207 و 273 )،  وأخيرا فقد أعطى للقاضي دورا إيجابيا في البحث عن  الحقيقة، ونظم إجراءات  جمع الأدلة وكشف ملابسات الجريمة (المادة 208) منه .
ولذلك أقام عن  المجتمع ممثلا قانونيا هو النيابة العامة، ومن ثم كان  التكييف الصحيح  بمركز النيابة العامة في الدعوى الجنائية بأنها النائب  القانوني عن المدعي  وليس المدعي نفسه أما المدعى عليه في الدعوى الجزائية  فهو المتهم ، ولذلك  جاء النص في قانون الإجراءات الجنائية الفلسطيني في  المادة الأولى منه (  تختص النيابة العامة دون غيرها بإقامة الدعوى الجزائية  ومباشرتها و لا  تقام من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون )،  فالنيابة العامة هيئة  قضائية إذ يشاركون في جلسات المحاكم بحيث يبطل تشكيل  المحكمة إذا لم تكن  النيابة العامة ممثلة بالجلسة ولا يغير من هذه الحقيقة  توزيع أعباء القضاء  بين سلطة مباشرة الدعوى من ناحية وسلطة الحكم من ناحية  أخرى، كما لا يغير  من ذلك  الواقع كون أعضاء النيابة العامة في بعض  القوانين المقارنة جعلت  تبعية النيابة العامة لوزير العدل بشكل تام كنظام  الأمريكي والكندي بل أن  النائب العام هو وزير العدل وهو المتبع في النظام  الأنجلوامريكي ، أو جعلت  لوزير العدل بعض الإختصاصات من الناحية الإدارية  دون الفنية كما نرى وهو  المتبع في النظام اللاتيني وإن اختفت هذه الصلاحيات  الإدارية الآن لتحقيق  استقلالية النيابة العامة ولذلك يثور خلافاً حول  تبعية النيابة العامة  للسلطة التنفيذية أو أنها اداة لحماية القانون  والإضطلاع بتفسيره وتطبيقه  مما يرجح تبعيتها للسلطة القضائية. فورقتنا حول  طبيعة القانونية للنيابة  العامة يستتبع أن نتحدث عن أولا: التطور التاريخي   النيابة العامة في  فلسطين، ثانياً: الوظيفة القضائية للنيابة العامة في  الدعوى الجزائية من  حيث : تشكيل النيابة العامة، اختصاصات النيابة العامة،  خصائص النيابة  العامة، ثالثاً: علاقة النيابة العامة سلطات الدولة في ظل  مبدأ الفصل  السلطات، رابعا: الطبيعة القانونية للنيابة العامة في الفقه  والقضاء  المقارن، خامساً : الطبيعة القانونية للنيابة العامة في فلسطين.        
   أولاً: التطور التاريخي للنيابة العامة في فلسطين ونقسمها على مرحلتين   على الوجه التالي، المرحلة الأولى: قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية: لم  يكن  خافيا على أحد التأثيرات السياسية التي مرت بها فلسطين والتي كان لها   انعكاسات في كافة المجالات وإن كنت أخص منها القانونية، وحيث أن فلسطين   كانت خاضعة للنفوذ العثماني ووقوعها بعد ذلك تحت الانتداب البريطاني ومن  ثم  السيطرة الإدارية لقطاع غزة إلى الحاكم الإداري المصري، والضفة  الغربية  إلى الاندماج الكامل مع الضفة الشرقية حيث توالت إصدار التشريعات  حيث خضعت  الضفة الغربية إلى  الوحدة الاندماجية التي تمت بينها وبين  المملكة  الأردنية الهاشمية لسريان نصوص الدستور الأردني لعام 1952  والقوانين  الأردنية من قانون تشكيل المحاكم  النظامية رقم 26 لسنة 1952،  وقانون  استقلال القضاء رقم 19 لسنة 1955، وقانون أصول المحاكمات الجزائية  لسنة  1961، و قانون العقوبات لعام 1960، وقد تم العمل بمجموعة من  التشريعات  الأردنية والتي حل محل القوانين الفلسطينية الصادرة في عهد  الانتداب  البريطاني أما في قطاع غزة فقد خضعت لتشريعات الانتداب البريطاني  فصدر  مرسوم فلسطين لعام 1922، وأخص بالذكر بما يتعلق بالشأن القضائي  قانون تعديل  أصول المرافعات رقم 21 لسنة 1934، وهو يقضي بوضع أحكام بشأن  إقامة الدعاوي  والسير بها وبعض المسائل التي تتعلق بها والذي قام بسنه  المندوب السامي في  فلسطين في 17 آب 1934، والعديد من قرارات الحاكم  الإداري المصري وكان  أهمها الأمر رقم رقم 6 لسنة 1948، والذي بموجبه تم  تنظيم العمل القضائي في  قطاع غزة والصادر من اللواء / أحمد سالم باشا  الحاكم الاداري المصري، وكذلك  أمر رقم 473 لسنة 1956 بشأن اختصاصات  النيابة العامة والصادر من اللواء  /محمد فؤاد الدجوي والذي نظم بموجبه  اختصاصات وتشكيل وتعيين النيابة العامة  في قطاع غزة الصادر بتاريخ  19/9/1956، وكذلك الأمر الصادر من الحاكم  الإداري لقطاع غزة بتعيين النائب  العام ومن يمثله من قضاة التحقيق في  الوفيات المشتبه بها، وكذلك قرار  الحاكم الإداري رقم 17 لسنة 1959 بإنشاء  نيابات جزئية في قطاع غزة، وكذلك  قرار الحاكم العام لقطاع غزة بإنشاء وظيفة  وكيل أول للنيابة العامة في  قطاع غزة، ومن الملاحظ أن السيطرة المصرية  أبقت  على سريان القوانين  الفلسطينية مع إصدار العديد من القرارات الصادرة  من قبل الحاكم الإداري  المصري .
ثم جاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية فأصدرت قيادة  قوات الاحتلال  الاسرائيلي المنشور العسكري رقم 2( المنشور بشأن أنظمة  السلطة والأمن )  والذي خول بمقتضاه القائد العسكري الاسرائيلي ممارسة جمع  السلطات التشريعية  والتنفيذية والقضائية على صعيد الأراضي الفلسطينية  المحتلة، وتوالت في  أعقاب ذلك المناشير والأوامر العسكرية التي أعادت من  خلالها دولة الاحتلال  الاسرائيلي تنظيم الأوضاع الإدارية وحقوق  الفلسطينيين وحرياتهم بطريقة  تتلاءم مع توجيهات ورغبات المحتل وأهدافه  ومخططاته السياسية .

 أما المرحلة الثانية بعد قدوم السلطة  الوطنية الفلسطينية: لقد عملت السلطة  الوطنية الفلسطينية منذ قدومها على  توحيد التشريعات في شطري الوطن وخلق  انسجام قانوني بما يكفل تحقيق العدالة  الجزائية، وكان للمجلس التشريعي  الفلسطيني الفضل في إصدار العديد من  التشريعات الموحدة والمتطورة والتي  تتطلبها حركة التطور الانساني فصدر  المرسوم التشريعي رقم (1) لسنة 1994  وبموجب تم العمل بموجب القوانين  المطبقة في غزة والضفة قبل عام 1967 إلى أن  يتم توحيدها مع بقاء أعضاء  السلطة القضائية على رأس عملهم. ثم جاء القرار  رقم 287 لسنة 1995 من رئيس  اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية  والذي بموجبه تم توحيد  النيابة العامة في قطاع غزة والضفة الغربية وتعيين  نائب عام يرأس هذه  النيابة بين شطري الوطن وإلغاء نظام رئيس النيابة العامة  لدى محكمة  التمييز والنائب العام لدى كل من محكمة من محاكم الاستئناف  وإعطاء  الاختصاص للنائب العام، وبعد صدور ذلك القرار ومع إصدار رزمة من  القوانين  والتي تتعلق بالعمل القضائي والتي أخص بالذكر منها القانون  الأساسي،  وقانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة 2001 ، وقانون  الإجراءات  الجزائية رقم 3 لسنة 2001، وقانون أصول المحاكمات المدنية  والتجارية رقم 2  لسنة 2001 ، وقانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002، مما  أحدث طفرة  نوعية في إثراء الثقافة القانونية وتحقيق العدالة القانونية  وتوحيد  التشريعات بين شطري الوطن حيث راعت كافة التشريعات الصادرة وأخص  بالذكر  منها ما يتعلق بالعمل القضائي على ضمان وتوفير الحماية القانونية  للمتهم  طبقا للمواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية مما يكفل الحقوق  والحريات  الأساسية للمواطن الفلسطيني، وما يهمنا في هذا المقام هو الإشارة  إلى  النيابة العامة في قانون الأساس الفلسطيني في الباب الخاص بالسلطة   القضائية من المواد 107- 109، وما ورد في قانون السلطة القضائية  والإجراءات  الجزائية المشار إليه أعلاه.

الجزء الثاني

ثانياً: الوظيفة القضائية للنيابة العامة في الدعوى الجزائية:فسوف  نتناولها  من حيث: تشكيل النيابة العامة، اختصاصات النيابة العامة، خصائص  النيابة  العامة.
أما من حيث تشكيل النيابة: فتكفل به قانون السلطة  القضائية وقانون  الإجراءات الجزائية حيث نصت المادة 60 من قانون السلطة  القضائية رقم 1 لسنة  2001 على أن تؤلف النيابة العامة من :
1.    النائب العام  2. نائب عام مساعد أو أكثر 3. رؤساء النيابة 4. وكلاء النيابة 5.  معاون النيابة .
والنائب العام هو قمة هيكل النيابة العامة ورأسها وله حق الرئاسة على  باقي  أعضاء النيابة العامة من الناحية الإدارية وفي حدود معينة من  الناحية  القانونية واختصاصه يمتد إلى نطاق جميع أراضي السلطة الوطنية .أما  باقي  أعضاء النيابة العامة فيقتصر اختصاصهم على نطاق مكاني معين يتحدد  بقرار من  وزير العدل بناء على اقتراح النائب العام ومن الملاحظ خلو كل من  قانون  السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم وقانون الإجراءات الجزائية من  بيان  تحديد اختصاصات كل من رئيس النيابة العامة ومعاون النيابة وهذا نقص  تشريعي  مما يقتضي تدخل المشرع لبيان تلك الاختصاصات. أما تعيين أعضاء  النيابة  العامة: النائب العام يعين بقرار من رئيس السلطة الوطنية  الفلسطينية بناءا  على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى، ويحدد القانون اختصاصات النائب العام  وواجباته ويؤدي النائب العام  اليمين القانونية أمام رئيس السلطة أما باقي  أعضاء النيابة العامة فيؤدون  اليمين القانونية أمام وزير العدل بحضور  النائب العام .ويكون تعيين محل  إقامة أعضاء النيابة العامة ونقلهم خارج  النيابة التابعين لها بقرار من  وزير العدل بناء على اقتراح النائب العام،  وللنائب العام حق نقل أعضاء  النيابة العامة بدائرة المحكمة المعينين بها  وله حق ندبهم خارج هذه  الدائرة لمدة لا تزيد على ستة أشهر. وطبقا للمادة  62من قانون السلطة  القضائية  فإن تعيين أعضاء النيابة العامة يشترط فيه نفس  شروط المتطلبة  لتعيين القضاة طبقا للمادة 16 من نفس القانون. ولكن من  الملاحظ أن الذي  يقرر تعيين وكيل النيابة هو وزير العدل بعد التقرير المقدم  من النائب  العام بحق معاون النيابة العامة طبقا للمادة 62 من قانون السلطة  القضائية  ما يجعل التعيين بيد وزير العدل.أما تأديب أعضاء النيابة يكون  تأديب أعضاء  النيابة العامة بجميع درجاتهم من اختصاص مجلس تأديب وهي نفس  الإجراءات  المتبعة في تأديب القضاة وترفع الدعوى من قبل النائب العام من  تلقاء نفسه  أو بطلب من وزير العدل طبقا للمادة 72 من قانون السلطة القضائية  .
أما  من حيث اختصاصات النيابة العامة: سنتناول تلك الإختصاصات في بندين  البند  الأول: الإختصاصات العامة والثانوية، والبند الثاني: اختصاصات كل عضو  من  أعضاء النيابة العامة.

أولا : الاختصاصات العامة الثانوية: نصت  المادة الأولى من قانون الإجراءات  الجزائية على أن: ( تختص النيابة العامة  دون غيرها بإقامة الدعوى الجزائية  ومباشرتها ولا تقام من غيرها إلا في  الأحوال المبينة في القانون ). ولا  يجوز وقف الدعوى أو التنازل عنها أو  تركها أو تعطيل سيرها أو التصالح عليها  إلا في الحالات الواردة في القانون  ،ومن ثم فإن الاختصاص الأساسي للنيابة  العامة هو تحريك الدعوى الجنائية  ومباشرتها وتقوم النيابة العامة بهذه  المهمة باعتبارها وكيلة عن المجتمع  الذي أخلت الجريمة بأمنه ولذلك فيجب أن  تلتزم حدود الوكالة وأن تقوم  بعملها باعتبارها جهازا من أجهزة الدولة يسعى  إلى الحقيقة مدفوعا بمقتضيات  المصلحة العامة لا فردا عاديا يتنازع مع  المتهم فالنيابة العامة خصم غير  عادي إذ يسعى إلى إظهار الحقيقة المجردة  ولو لصالح المتهم.

ويترتب على ذلك عدة نتائج :
1.    لا تملك النيابة العامة-  باعتبارها نائب عن المجتمع أن تتنازل عن   حقها في رفع الدعوى وهي إن فعلت فإن ذلك لا يقيدها ولا تمنعها من تحريك   الدعوى لأن حدود وكالتها عن المجتمع تقتصر على مباشرة الدعوى دون التنازل   عنها .
2.     إذا رفعت الدعوى أمام المحكمة فلا يجوز للنيابة العامة  أن تسحبها  ولو تبين لها أنها رفعت خطأ فهي لاتملك حينئذ إلا أن تعرض الأمر  على  المحكمة التي يكون لها مطلق الحرية في تقدير الأمر وإصدار الحكم.
3.    لا يجوز للنيابة العامة التنازل صراحة أو ضمنا عن حقها في الطعن في   الحكم ولا يجوز لها من باب أولى أن تتنازل عن الطعن بعد رفعه وقد قضى  بأنه  ليس للنيابة العامة أن تتنازل عن الدعوى العامة فإنها أئتمنت عليها  لمصلحة  الجماعة وإذن فلها أن تستأنف الحكم الصادر في الدعوى حتى ولو كانت  قد أمرت  بحفظها لأي سبب من الأسباب أو كان قد بدا منها موافقة على الحكم .
4.    لا تتقيد النيابة العامة بالطلبات التي قدمتها فإذا رفعت الدعوى  بناء  على حجج معينة ثم صدر الحكم مؤيدا لطلباتها فإنها تستطيع أن تطعن  فيه  بناءا على حجج أخرى وإذا تبين لها إنهيار أدلة الاتهام تستطيع أن تطلب  من  المحكمة الحكم ببراءة المتهم أو تفوض الأمر للمحكمة كذلك إذا تبين لها  حكم  الإدانة غير صائب تستطيع أن تطعن فيه لصالح المحكوم عليه .
5.     لا يجوز للنيابة العامة أن تعقد صلحا مع المتهم بعوض أو بغير عوض  فتتفق  معه على عدم تحريك الدعوى الجزئية قبله نظير شروط كتعويض المجني عليه  أو  إزالة الأضرار الذي قامت به الجريمة فيعد باطلا كل اتفاق من هذا القبيل   ونتيجة لهذا البطلان فإن تحريك الدعوى يكون صحيحا على الرغم من هذا   الاتفاق .
6.    لا يجوز الاحتجاج على النيابة العامة بموقف اتخذته في استعمال الدعوى الجزئية .
7.    لا يجوز للنيابة العامة أن تمتنع عن تنفيذ الحكم أو أن تعفي المحكوم  عليه منه فقد صدر لمصلحة المجتمع لا لمصلحة خاصة للنيابة .

أما  بيان اختصاصات النيابة: أجملت محكمة النقض اختصاصات النيابة العامة في   الدعوى الجزائية فقـالـت   ( النيابة العامة بوصفها نائبة عن المجتمع   وممثلة له هي المختصة دون غيرها بتحريك الدعوى الجنائية وهي التي نيط بها   وحدها مباشرتها وذلك بإجراء التحقيق بنفسها أو بمن تندبه لذلك من مأموري   الضبط القضائي أو بتكليف المتهم بالحضور أمام المحاكم الجزئية المختصة   لمحاكمته في ضوء المحضر الذي حرره مأمور الضبط وبمتابعة سيرها حتى يصدر   فيها حكم نهائي )، والان نأتي لبيان اختصاصات النيابة العامة:

أولا : إدارة أعمال الاستدلال :نصت المادة 20 من قانون الإجراءات الجزائية لسنة 2001على ما يلي:
 1ـ يشرف النائب العام على مأموري الضبط القضائي ويخضعون لمراقبته فيما يتعلق بأعمال وظيفتهم.
 2ـ للنائب العام أن يطلب من الجهات المختصة اتخاذ الإجراءات التأديبية  بحق  كل من يقع منه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله ، ولا يمنع ذلك من   مساءلته جزئيا ) وعلى الرغم من أن القانون يشترك مع النيابة العامة سلطات   أخرى في القيام بهذه الأعمال فإن لها دورا أساسيا في هذه المرحلة فهذه   السلطات تابعة لها ومن ثم كان عليها أن تشرف على من يقوم بهذه الأعمال   وتوجهه وتحول بينه وبين مخالفة القانون والافتئات على حرية الأفراد وتجتهد   أن تلزمه بالموضوعية التي تلزم نفسها بها ، ومن المعلوم أن أعمال جميع   الاستدلال ليست من إجراءات الدعوى الجزائية وإنما هي من الإجراءات الأولية   التي تسلسل لها سابقة على تحريكها .

ثانيا : مباشرة التحقيق  الإبتدائي:  ويتجه عمل النيابة العامة وهي تباشر  التحقيق إلى الكشف عن  أدلة الجريمة وتعتبر النيابة العامة هي سلطة التحقيق  الرئيسية والتحقيق  الذي يباشره أعضاء النيابة العامة عملا قضائيا .
والجمع في يد النيابة  بين سلطة الاتهام والتحقيق كما يرى البعض أنه  يصطدم  مع العدالة إذ يجعلها  خصما وحكما في ذات الوقت وهذا الوضع يميل إلى التشدد  مع المتهم وإساءة  الظن به قد يؤثر في عنايتها بتقدير دفاعه الذي يكون  مستندا إلى أساس قوي  يؤدي إلى براءته، كما يخشى مع هذه الإزدواجية إذا  أخطأت النيابة العامة في  الاتهام أن تستمر في خطئها عند التحقيق، إلا أن  هناك رأي آخر يرى باعتبار  أن النيابة العامة هي الأمينة على الدعوى  الجزائية بدءا من وقوع الجريمة  وحتى رفع الأمر إلى المحكمة الجزائية  المختصة وبما لها من ثقة باعتبارها  جزءاً من السلطة القضائية فضلا عن  معايشتها أوراق الدعوى من فجرها وحتى  توجيهها الاتهام ثم إحالة الأمر إلى  المحكمة وهو ما يعطيها بعدا وفهما  لواقع الدعوى ولا يخشى من جمع سلطتي  التحقيق والاتهام في يد النيابة  العامة بعد أن أحاط القانون أعمالها  بضمانات حماية للمتهم وهذا الموضوع هو  محل جدد الان في الساحات القانونية  الفرنسية.
ثالثا :الإحالة إلى  القضاء وتمثيل الاتهام أمامه: بعد أن تنتهي مرحلة  التحقيق الإبتدائي وهو  كما قلنا عملا قضائيا تحيل النيابة العامة الدعوى  إلى المحكمة الجزائية  المختصة، ولها وبدون إجراء تحقيق الإحالة إلى المحكمة  بناءا على محاضر  الاستدلال إذا كان محضر الإستدلالات كافية بذاته، وبعد  الإحالة لها تمثيل  الاتهام أمام القضاء، وإن كان هذا لا يعفيها من الالتزام  بالموضوعية ولذلك  كان لزاما عليها أن تطرح على المحكمة عناصر الدعوى  وأدلتها جميعا ولو كان  فيها ما هو إلى مصلحة المتهم  وعليها أن تقدم إلى  القضاء كل معونة كي يصل  إلى حكم مطابق للقانون وإذا تبين لها أثناء إجراءات  المحاكمة إنهيار أدلة  الاتهام فواجبها أن تطالب بالبراءة صراحة ويدخل في  اختصاصها الطعن في  الحكم كما قلنا ولو كان لصالح المتهم .

رابعا : تنفيذ الأحكام  الجنائية: نصت المادة 395 من قانون الإجراءات  الجزائية على أنه (تتولى  النيابة العامة تنفيذ الأحكام الصادرة في الدعاوي  الجزائية وفقا لما هو  مقرر بهذا القانون ولها عند اللزوم الاستعانة بقوات  الشرطة المباشرة )،  وتنفيذ الأحكام يشمل الأحكام الفاصلة في الموضوع  والأحكام السابقة على  الفصل فيه إذا احتاجت إلى تنفيذ كالقبض على المتهم  وحبسه احتياطيا أو  إطلاق سراحه إذا كان محبوسا من قبل والإشراف على تنفيذ  عقوبة الإعدام طبقا  للمادة 410 من قانون الإجراءات الجزائية كما يشمل تنفيذ  الأحكام الصادرة  بالغرامات والمصاريف.
خامسا : بعض الاختصاصات الثانوية للنيابة العامة:
1)    إقامة الدعوى التأديبية على القضاة .2) رفع دعوى إشهار إفلاس  التاجر  طبقا لقانون التجارة. 3) تقوم النيابة العامة بتمثيل مصلحة المجني  عليه  والذي تعارضت مصلحته مع من يمثله أو لم يكن له من يمثله طبقا للمادة 6  / 2  من قانون الإجراءات الجزائية .4) تمثيل الدولة في القضايا المرفوعة  منها أو  عليها طبقا لقانون دعاوي الحكومة رقم 25 لسنة 1958 .5) الإشراف  على مراكز  الإصلاح والتأهيل وأماكن التواقيف والتي تنفذ فيها الأحكام  الجنائية وذلك  طبقا للمادة 126 من قانون الإجراءات الجزائية، والمادة 11  من قانون مراكز  الاصلاح والتأهيل رقم 6 لسنة 1998، ومن الملاحظ طبقا  للمادتين أنه جعل  الدور الرقابي للنيابة العامة أمرا جوازيا وليس أمرا  وجوبيا وحبذا لو أنه  جعل الدور إلزاميا على النيابة العامة لإعطاء ضمانات  أكبر على حسن تطبيق  القانون في المؤسسات العقابية.

أما البند  الثاني: اختصاصات كل عضو من أعضاء النيابة العامة: تحدثنا فيما  سبق عن  الاختصاصات العامة وعن الاختصاصات الثانوية الأخرى وزيادة منا في  الإيضاح  يتعين أن نوضح اختصاصات كل عضو من أعضاء النيابة العامة ولن يفوتنا  أن  نمهد بالحديث عن وزير العدل تحديدا لوضعه وسلطاته بالنسبة للنيابة  العامة .
1 ـ وزير العدل: بالنظر إلى الاختصاصات التي منحت إلى وزير العدل وهي  تتعلق  بتعيين وكيل النيابة والطلب من النائب العام إقامة الدعوى التأديبية  وكذلك  نقل عضو النيابة العامة إلى خارج اختصاصه المكاني وذلك طبقا لقانون  السلطة  القضائية والذي خلا من النص صراحة من تبعية أعضاء النيابة العامة  لوزير  العدل وذلك طبقا لبعض القوانين المقارنة مثل القانون الأردني  والمصري  بالرغم من إعطاء وزير العدل صلاحيات تتماثل مع الصلاحيات المعطاة  في  القوانين المقارنة والتي أعطت حق الاشراف الإداري لوزير العدل في بعض   المسائل إن هذا الموضوع سبب العديد من الاشكالات القانونية في فلسطين.   وعليه فإنه تلك القوانين المقارنة أعطت سلطة الاشراف الإداري لوزير العدل   للنيابة العامة كرئيس إداري باعتباره الوزير المختص بالإشراف على مرفق   القضاء والسلطات التي تعونه حيث أن سلطة وزير العدل هي سلطة إدارية خالصة   الهدف منها ضمان قيامها في مجموعها لها بدورها القانوني والتنسيق بينها   وبين غيرها من السلطات التي تتصل بها في عملها وبصفة خاصة القضاء وإن كان   لايجوز ولا يجوز له مطلقاً التدخل في الأمور الفنية وعمل النيابة العامة   لكون ذلك يهدر استقلالية النيابة العامة في عملها.
وكذلك من الملاحظ في  قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001  وطبقا لنص المواد  375 و368 و379 والمتعلقة  بالنقض بأمر خطي وإعادة  المحاكمة فقد أعطاها  القانون لوزير العدل الذي يطلب من النائب العام  المباشرة في الإجراء وعليه  فإن دور وزير العدل يقتصر على الطلب دون التدخل  في الأعمال الموكلة في  هذه الإجراءات لدى النائب العام المختص .ولكن هذه  السلطة لا تسلب النيابة العامة إستقلالها ولا تنحرف بها عن واجبها من كفالة  التطبيق  الصحيح للقانون ولا يحول أن تكون ذريعة لإقحام اعتبارات غير  قانونية في  عمل النيابة العامة وبضمان هذه السلطة في حدودها لم يخول  القانون وزير  العدل تأديب أعضاء النيابة العامة وإنما خولت سلطة تأديبيهم  لمجلس التأديب  المنوط به تأديب القضاة وحرصا على إقرار استقلال النيابة  العامة لم يخول  وزير العدل إقامة الدعوى التأديبية عليهم وإنما اقتصرت  سلطته على مطالبة  النائب العام وعلى الرغم من ذلك فإننا نرى أن سلطة وزير  العدل واختصاصه هو  الإشراف الإداري فقط في بعض المسائل المحدد لتقنيه  العلاقة وتنظيمها بين  النيابة العامة وسائر الجهات التي يتصل عملها بها  وليس له سلطات حينما  تباشر النيابة العامة سلطة الاتهام فليس له أن يتدخل  من قريب أو بعيد في  النيابة العامة استكمالا لتأكيد استقلاليتها في عملها .
نخلص مما سبق  أن اختصاصات وزير العدل هي الإشراف الإداري في بعض الأمور  بذات ولا تتعدى  التبعية سوى هذا الإشراف والتنظيم الإداري فقط وبذلك يخرج  عن اختصاص وزير  العدل مباشرة الدعوى الجنائية ولا يؤثر في إجراءاتها من  قريب أو بعيد وإن  كل ما له هو الإشراف الإداري في أمور بعينها نص عليها  المشرع على سبيل  الحصر لغايات ابتعتها.

2. النائب العام: نصت المادة 2 من قانون  الإجراءات الجزائية على أن (يباشر  النائب العام الدعوى الجزائية بنفسهأو  بواسطة أحد أعضاء النيابة العامة )،  قد أجملت محكمة النقض المصرية دور  النائب العام في الدعوى الجزائية فقالت: (  النائب العام وحده هو الوكيل عن  الهيئة الاجتماعية في مباشرة وتحريك  الدعوى الجنائية وبمتابعة سيرها حتى  يصدر فيها حكم نهائي وولايته في ذلك  عامة تشتمل على سلطتي التحقيق  والاتهام وتنبسط على إقليم الجمهورية برمته  وعلى كافة ما يقع من جرائم أيا  كانت وله بهذا الوصف وباعتباره الوكيل عن  الجماعة أن يباشر إختصاصاته  بنفسه أو أن يوكل ـ فيما عدا الاختصاصات التي  نيطت به على سبيل الانفراد ـ  إلى غيره من رجال النيابة المنوط بهم قانونا  معاونته أمر مباشر بالنيابة  عنه وأن يشرف على شؤون النيابة العامة بها  بماله من رئاسة مباشرة قضائية  وإدارية على أعضائها الذين يكونون معه جسما  واحدا لا انفصام بين خلاياه  وهي رئاسة مغايرة لرئاسة الوزير التي هي رئاسة  إدارية محضة لا يترتب عليها  أي أثر قضائي وللنائب العام اختصاص عام يشاركه  فيه سائر أعضاء النيابة ،  وله أيضا اختصاصات أخرى تخول له الإشراف على  أعضاء النيابة العامة وتدارك  أخطائهم) .
فالنائب العام هو المختص أصلا بمباشرة الدعوى الجزائية  باعتباره ممثلا  للمجتمع ووكيلا عن الهيئة الاجتماعية وولايته في ذلك عامة  شاملة أي تشمل  جميع إنحاء البلاد وفي عموم الجرائم التي تقع أيا كانت بل  تمتد ولايته إلى  الجرائم التي تقع خارج أراضي السلطة إذا كانت خاضعة  للقانون الفلسطيني وهو  يباشر هذا الاختصاص بنفسه أو بواسطة أحد أعضاء  النيابة العامة كما جاء في  نص المادة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية  .
كما أن هناك اختصاصات ذاتية للنائب العام نص عليها قانون الإجراءات   الجزائية رقم 3 لسنة 2001 وإننا نعتقد أن القانون المذكور كان واضحا  حينما  يذكر اختصاصات محددة سواء للنائب العام أو أحد مساعديه أو لوكيل  النيابة  وعليه وأنه طبقا للمادة 20 من قانون الإجراءات الجزائية فإن  النائب العام  أن يطلب من الجهات المختصة اتخاذ الإجراءات التأديبية بحق كل  من يقع منه  مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله طبقا للمادة 288 و289 فإن  للنائب العام  وذلك في حالة المتهم الفار من وجه العدالة اتخاذ التدابير  التحفظية على  أموال المتهم الفار وهذا اختصاص ذاتي للنائب العام وكذلك  النقض بأمر خطي  طبقا للمادة 375 كذلك طلب إعادة المحاكمة طبقا 379 .
3.    النائب العام المساعد: لقد ورد وظيفة النائب العام المساعد في تشكيل النيابة العامة طبقا لقانون السلطة 
القضائية فقد نصت المادة 68 بأن يقوم بأداء وظيفة لدى المحاكم النائب  العام  أو أيا من أعضاء النيابة العامة وكذلك نصت أنه في حالة غياب النائب  العام  أو خلو منصبه أو قيام مانع لديه يحل محله إحدى مساعديه من أعضاء  النيابة  العامة وتكون له جميع اختصاصاته لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر،  وعليه فإن  للنائب العام المساعد كافة الاختصاصات الذاتية للنائب العام   وذلك في حالة  عدم وجوده .
وقد نص قانون الإجراءات الجزائية على بعض  الاختصاصات لمساعد النائب العام  وإن كان أردفها مع النائب العام ومنها  طبقا للمادة 51 في حالة الضبط لدى  مكاتب البرق والبريد الخطابات والرسائل  والجرائد والمطبوعات والطرود  والبرقيات المتعلقة بالجريمة وشخص مرتكبها،  وكذلك المادة 54 في حالة إقامة  الدعوى الجزائية ضد موظف أو مستخدم عام،  وكذلك المادة 120 /2 في طلب تمديد  التوقيف للمتهم من محكمة البداية، وكذلك  في المادة 152 في التصرف في  التحقيق وإصدار قرار اتهام بحق المتهم في  الجنايات، وهناك العديد من  الاختصاصات وإن كان القانون قد أردفها مع  اختصاصات النائب العام .
4. رئيس النيابة العامة: لقد ورد منصب رئيس  النيابة طبقا للمادة 60 من  قانون السلطة القضائية إلا أن قانون الإجراءات  الجزائية الفلسطيني وقانون  السلطة القضائية لم يحدد اختصاصات هذه الوظيفة  الجديدة وكل ماورد بخصوص  منصب رئيس النيابة العامة المادة 68 /4 من قانون  السلطة القضائية من أن  رئيس النيابة العامة يؤدي وظيفة النيابة العامة لدى  المحكمة العليا بأنه قد  ورد النص على النحو التالي: ( لا يجوز أن يؤدي  وظيفة النيابة العامة لدى  المحكمة العليا من تقل درجته عن رئيس نيابة )  وعليه فإن هناك اشكالية  حقيقية في تحديد اختصاصات رئيس النيابة مما يتطلب  تتدخل المشرع لبيان هذه  الاختصاصات .
5 ـ وكيل النيابة العامة: إن  وكيل النيابة العامة هو من بين أعضاء النيابة  العامة الذين خولتهم المادة  68 /1 القيام بأداء وظيفة النيابة العامة لدى  المحاكم ولقد وردت جميع  الاختصاصات في قانون الإجراءات الجزائية من حيث  مباشرة التحقيق وسماع  الشهود وتوجيه الاتهام وهي جميعها اختصاصات أصيلة  لوكيل النيابة والذي يجب  أن يكون محددا بمنطقة معينة لا يجوز أن يتعداهاوهو  يعمل تحت إمرة وإشراف  رؤسائه من أعضاء النيابة العامة.
 6. معاون النيابة العامة: حددت  المادة 68 /1 من قانون السلطة القضائية هذه  الصلاحيات بقولها: ( ويؤدي  معاونوا النيابة العامة ما يندبون له من أعمال  تحت إشراف ومسؤولية المنوط  بهم تدريبهم من أعضاء النيابة العامة)، ومن  الملاحظ أن معاون النيابة  العامة هو موظف تحت الاختبار طبقا للمادة 62/1  وعليه فإنه يجوز لمعاون  النيابة العامة مباشرة التحقيق وتمثيل النيابة  العامة  أمام جميع المحاكم   ما عدا المحكمة العليا ولكن بشرط التفويض من  قبل أعضاء النيابة العامة  وتحت  اشرافهم حيث أنه يعتبر من مأمور الضبط  القضائي .
من حيث خصائص  النيابة العامة:يمكن القول بأن خصائص النيابة العامة لا تخرج  عن ثلاثة  مبادئ: التبعية التدريجية ، الوحدة وعدم التجزئة ، الاستقلال وهو  ما  سنتكلم عنه بشيء من التفصيل .

أولا : التبعية التدريجية: نصت  المادة 66 من قانون السلطة القضائية على أنه  أعضاء النيابة العامة يتبعون  رؤساءهم وفقا لترتيب درجاتهم . وللنائب العام  أن يوجه تنبيها لأعضاء  النيابة الذين يخلون بواجباتهم إخلالا بسيطا بعد  سماع أقوال عضو النيابة  ويكون التنبيه شفاهة أو كتابة . وعليه يستبان أن  النيابة العامة بخلاف  القضاء تخضع لنظام من التبعية التدريجية يقتضي للرئيس  على المرؤوس سلطة  كافية من الإشراف والرقابة الإدارية يجعلها أشبه في هذا  النطاق الهيئات  الإدارية منها بالقضائية ، وتختلف رئاسة النائب العام على  أعضاء النيابة  اختلافا جوهريا عن رئاسة من عداه كوزير العدل في الدول التي  تنص صراحة  بذلك حيث تختلف التبعية القضائية عن التبعية الإدارية .

التبعية  الإدارية: هذه التبعية قائمة بين كل عضو من أعضاء النيابة العامة  ورؤسائهم  بدءا من النائب العام حتى أقدم عضو في النيابة الجزئية يتولى  إدارة  النيابة فيها فالنائب العام  حق الرقابة والإشراف من الناحية  الإدارية على  النيابة وأعضائها . وفي نطاق التبعية الإدارية فإن سلطة وزير  العدل في  الدول التي تأخذ بها هي الإشراف الإداري فقط ويترتب على ذلك أن  أعضاء  النيابة العامة لا يلتزمون بأوامر وزير العدل المتعلق بالتصرف في  الدعوى  العامة إذ يخرج ذلك عن نطاق سلطته الأدارية فإذا أصدر وزير العدل  أمرا إلى  أحدهم برفع الدعوى العامة أو باستئناف أحد الأحكام فلم ينفذ هذا  الأمر  حتى سقطت الدعوى بالتقادم أو أنقضت مدة الطعن بالاستئناف فلا يصلح  أمر  وزير العدل سندا يجيز للمحكمة قبول الدعوى بعد سقوطها أو بقبول  الاستئناف  بعد انقضاء مدته فرئاسة وزير العدل رئاسة إدارية محضة لا يترتب  عليها أي  أثر قضائي .

التبعية القضائية: يخضع أعضاء النيابة العامة للنائب  العام قضائيا فضلا عن  خضوعهم له إداريا إذ للنائب العام على أعضاء النيابة  فضلا عن سلطة إصدار  أوامر إدارية سلطة إصدار أوامر ملزمة قانونا قد يترتب  على مخالفتها البطلان  ، وذلك عندما يباشرون أعمالهم بوصفهم سلطة اتهام  لاتحقيق وبعيدا عن جلسة  المحكمة، إذ أن أعضاء النيابة عندما يباشرون  اختصاصاتهم بوصفهم سلطة تحقيق  لا يباشرونها وكلاء أحد لأن سلطة التحقيق  سلطة قضائية بحته بحسب طبيعتها  فليس للنائب العام فيها سوى الإشراف  الإداري دون القانوني فهو لايملك أن  يصدر إلى العضو المحقق أوامر ملزمة  قانونا بخصوص إجراءات التحقيق وجمع  الأدلة كالتفتيش والاستجواب والمعاينة  ولا بخصوص القبض والحبس والإفراج  وإذا تصرف العضو على خلاف ما قد توجه  إليه من أوامر كان تصرفه صحيحا فنتج  أثره من الوجهة القانونية وإن جاز إن  يستتبع المسؤلية الإدارية فحسب إن كان  لها وجه .
وتجد التبعية  القضائية حدودها عند سلطة النائب العام في الاتهام فأعضاء  النيابة يستمدون  صفتهم في رفع الدعوى الجنائية عن النائب العام . ويترتب  على هذا النوع من  التبعية  التزام أعضاء النيابة العامة بتنفيذ أوامر  النائب العام وتؤدي  مخالفة هذه الأوامر وفضلا عن المساءلة الإدارية إلى  بطلان التصرف المخالف  إذ يعني ذلك خروج الوكيل عن حدود الوكالة مما تفقده  صفته النيابية فيكون  التصرف باطلا لصدوره من غير صفة .
مثال ذلك أن يأمر النائب العام برفع  الدعوى فيصدر قرارا بالحفظ، كما ينتهي  التزام عضو النيابة بحدود وكالته عن  النائب العام بدخول الدعوى في حوزة  القضاء إذ يسترد عضو النيابة حريته في  التعبير عن وجهة نظره في الدعوى ولو  كان ذلك مخالفا لأمر النائب العام  كان يطلب الحكم بالبراءة إذا كانت التهمة  غير ثابتة ولا ضرر من مخالفة أمر  النائب العام في هذا النطاق لأن القاضي  يحكم وفقا لاقتناعه وضميره غير  ملزم برأي النيابة باعتبار أن القضاء في هذا  النطاق هو صاحب القول الفصل  في الدعوى فضلا عن أن حق الرؤساء في الطعن في  الحكم الصادر يعطيهم الرقابة  المطلوبة على حسن تصرف ممثل الاتهام في الجلسة  ويعبرون عن هذه القاعدة في  فرنسا بأنه إذا كان القلم مقيدا فاللسان طليق   وإن كان هناك رأي مخالف  للرأي السابق مفاده أن طلبات النيابة العامة في  الجلسة تصدر فيها بصفتها  سلطة اتهام ومتى كان الأمر كذلك فإنه يتعين على  عضو النيابة أن يصدع  لأوامر النائب العام بصددها فإذا ما خالفها فقد صفة  الوكالة إذا خرج عن  حدودها وحقيقة أن المخالفة لا تكون ذات أثر في تكوين  القاضي لعقيدته في  واقعة الدعوى باعتباره يحكم بما يمليه عليه ضميره سواء  أكان رأي النيابة  في ذلك كتابة في مذكرة أو شفاهة في الجلسة .
ثانيا : عدم تجزئة النيابة  العامة: مبدأ عدم التجزئة للنيابة العامة أن  أعضاء النيابة العامة  يعتبرون من الناحية القانونية كما لو كانوا شخصا  واحدا، فإذا قام أحدهم  بمباشرة الدعوى فإنه لا يفعل ذلك باسمه وإنما باسم  النيابة العامة كلها  ويستطيع بمقتضى ذلك أن يكمل العضو محل العضو الآخر أو  يحل محله في أداء مهمته فإذا بدأ  أحد الأعضاء التحقيق فإنه يمكن أن يتمه  عضو آخر وإذا قام أحد الأعضاء  بتحريك الدعوى العامة فليس يمنع من أن يمثل  النيابة لدى المحكمة عضو غيره  ويقوم بالمرافعة عضو ثالث ثم يقوم بالطعن عضو  رابع أي أن النيابة العامة  كلا لا يتجزأ وعدم تجزئة النيابة العامة قاعدة  قديمة نشأت منذ نشأ النظام  نفسه بظهور نواب الملك في  فرنسا في ظل النظام  القديم وهي تعلل في وصفها  الحديث بأن النائب العام إنما يمثل الهيئة  الاجتماعية بأسرها عند مباشرة  الوظائف الموكولة إليه وأنه مهما تعدد أعضاء  النيابة فهم يكونون مع ذلك  جسما واحدا لا يتجزأ لأن تصرفاتهم مردها في  النهاية إلى الوكالة عن أصيل  واحد هو الهيئة الاجتماعية وذلك بصرف النظر عن  صاحب الإجراء وعلى حد تعبير  أصبح مألوفا هم جميعا شركاء في شركة تضامن  فيكون أي إجراء صادر من أي  شريك فيها كأنه على أنه من مجموع الشركاء .
على أن مبدأ التجزئة بصورته  السابقة يرد عليه قيدان :الأول : يتعلق  بالإختصاصات النوعية: حيث لايجوز  لأحد أعضاء النيابة أن يباشر الاختصاصات  الذاتية للنائب العام إلا بتوكيل  خاص .الثاني : الاختصاص الإقليمي أو  المحلي : فيما عدا النائب العام  ومساعديه الذي يمتد اختصاصه إلى جميع أنحاء  أراضي السلطة الوطنية  الفلسطينية فإن لباقي أعضاء النيابة اختصاصات  إقليميا محدودا لا يجوز لهم  مباشرة اختصاصهم خارج نطاقه ويجد مبدأ عدم  التجزئة حدوده عن هذا الاختصاص  الإقليمي فلا يسرى هذا المبدأ إلا بالنسبة  لأعضاء النيابة ذات الاختصاص  الإقليمي الواحد ويتحدد الاختصاص الإقليمي  بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة  أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض عليه  فيه .
ثالثا : استقلال  النيابة العامة: وسوف نتناولها من عدة وجوه على النحو  التالي:علاقة  النيابة العامة بالقضاء: تقوم النيابة العامة بمهام قضائية من  بينها  القيام بالتحقيق ومباشرة الدعوى العمومية أمام المحاكم ومن ثم فهي  تتصل  بالقضاء في مرحلتي التحقيق الابتدائي والمحاكمة إلى أنها مع ذلك تعد  هيئة  مستقلة عن القضاء الجالس ولهذا الاستقلال نتائج متعددة أهمها :
أ. لا  يجوز للقضاء الجالس كقاعدة عامة تحريك الدعوى إلا ما أستثنى بنص خاص  صريح  مثل حق التصدي وحقه في تحريك دعوى جرائم الجلسات وعلى ذلك لا تجوز  معاقبة  المتهم عن واقعة غير التي وردت بأمر الإحالة أو التكليف بالحضور كما  لا  يجوز الحكم على غير المتهم المقامة عليه الدعوى .
ب .لايجوز للقضاء أن  يأمر النيابة العامة باتخاذ إجراء معين يدخل في صميم  اختصاصها إذ لا يجوز  لها ولا يستساغ قانونا أن تطلب المحكمة من النيابة  العامة رفع دعوى ضد  متهم أو حفظ الأوراق في شأنه .
ج .أنه لا يجوز للمحاكم أن توجه إلى  النيابة لوما أو نقدا وقد قضت محكمة  النقض المصرية في هذا الصدد بأنه (  ليس للقضاء على النيابة سلطة أو إشراف  يبيح له لومها أو تعيبها أو المساس  بها في أي شأن من شؤون مباشرة اختصاصها  ).
د. قرارات النيابة أو  أوامرها كسلطة تحقيق أو اتهام أو كضبط قضائي وكذلك  قرارات الضباط  القضائيين بوجه عام لا تخضع لرقابة مجلس الدولة سواء أكان  قضاء تعويض أو  إلغاء فضلا عن إنها معتبرة من الأعمال القضائية.
مع ملاحظة ما نصت عليه  المواد الخاصة به من مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة ،  إلا إنه على النقيض  من ذلك فإن أعمال النيابة التي تصدر منها بوصفها سلطة  إدارية فيمكن أن  تسأل عنها الدولة .
ح. لا يجوز للمحكمة أن تقيد حرية النيابة في إبداء  طلباتها أو مرافعتها في  الدعوى العامة إلا في الحدود التي يقضي بها النظام  واحترام حقوق الدفاع كما  المحكمة لا تتقيد بطلبات النيابة أو بتكيفها  للجريمة وإنما تكيف الواقعة  وفقا لما يقتضيه التطبيق القانوني السليم بما  يمليه عليه الضمير
خ. أن عضو النيابة الذي حقق قضية أو اتخذ فيها  إجراء من الإجراءات لا يصح  له أن يجلس للقضاء فيها وإلا كان حكمه باطلا  وعلى العكس فإن لا بطلان إذا  ما كان قاضيا ثم تنحى عنها ومكن وكيلا  للنيابة وترافع فيها فلا بطلان.
2.علاقة النيابة بالأفراد : لاتتقيد  النيابة العامة بما يبعث به الأفراد  إليها من بلاغات أو شكاوي إذ إنها غير  ملزمة بتوجيه الاتهام بناء عليها  ولها أن تحرك ضد مرتكب الجريمة ولا تحرك  ضد آخر . . . فالأمر متروك لحسن  تقديرها .
كما أنها مستقلة عن المدعي  بالحق المدني ولا يقيدها تنازل المدعى بالحق  المدني في الدعوى المدنية  اللهم إلا في الحالات التي يعلق فيها تحريك  الدعوى العمومية بناء على شكوى  من المجني عليه حيث يؤدي التنازل عن الشكوى  إلى إنقضاء الدعوى الجزائية .
3 . مسؤولية أعضاء النيابة: قلنا أن لا مسئولية على أعضاء النيابة عن   الأعمال التي تدخل في نطاق صلاحيتهم وذلك حتى يقوم بعمله على أحسن وجه  أمنا  من المسؤولية عن الخطأ الذي يقع منه ومع ذلك فلا يخل هذا بمسؤوليتهم  إذا  وقع منهم غش أو تدليس أو غدر أو خطأ منهم جسيم وذلك عن طريق مخاصمتهم  وفقا  لنصوص قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية كما يسأل إذا ارتكب  جريمة  مسؤولية جنائية بشروط معينة .
4. عدم جواز رد أعضاء النيابة:  نصت المادة 160 من قانون الإجراءات الجزائية  على عدم جواز ردهم وذلك  لأمرين أولهما: أن عضو النيابة خصما أصليا في  الدعوى الجنائية ولا يجوز  للخصم أن يرد خصمه، والثاني: أن رأى النيابة لا  يلزم القاضي وإنما خاضع  لتقدير المحكمة. وأن كانت بعض القوانين المقارنة  نصت على جواز الرد  تحقيقاً للعدالة ونحن مع هذا الرأي لذات الحجة.

الجزء الأخير


ثالثاً: علاقة النيابة العامة بسلطات الدولة في ظل مبدأ الفصل بين السلطات:
 وسوف نتناولها في ثلاثة بنود على الوجه التالي: النيابة العامة والسلطة   التشريعية، النيابة العامة والسلطة التنفيذية، النيابة العامة والسلطة   القضائية.
(أ): النيابة العامة والسلطة التشريعية:
 من المعلوم أن  استقلال القضاء بشقيه والنيابة العامة عن السلطة التشريعية  يقتضى أن لا  يخضع القاضي أو عضو النيابة العامة لغير القانون، وأنه لا يجوز  للسلطة  التشريعية أن تتجاوز في سلطاتها حدود التشريع. وبذلك فهي لا تملك  في ظل  مبدأ الفصل بين السلطات محاسبة أعضاء النيابة العامة أو مباشرة وظيفة   النيابة أو التدخل في أعمالها أو حتى التعرض لقضية منظورة من قبلها، وكذلك   لا تستطيع السلطة التشريعية التدخل في تنظيم النيابة العامة، وذلك أن   التدخل في تنظيم النيابة من شأنه المساس باستقلالها، وكذلك فإن التعيين   بالوظائف القضائية هو شأن قضائي طبقاً للمادة 16 من قانون السلطة القضائية   رقم 1 لسنة 2002، وما يجري العمل عليه في النيابة أن التعيين يتم من قبل   النائب العام بخصوص معاوني النيابة وإن كان الترقية لدرجة وكيل نيابة   بموافقة وزير العدل. ولكن تستطيع السلطة التشريعية التدخل في شئون النيابة   العامة بصورة غير مباشرة عن طريق القوانين التي تصدرها كأن تصدر قوانين   تحدد اختصاص النيابة مثلاً، مع الأخذ بعين الإعتبار وجود اختصاص لها طبقاً   للمادة 37 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 التي ورد في   عجزها: "  فإن رئيس السلطة يعتبر مركزه شاغراً ويفقد الأهلية القانونية   وذلك بناء على قرار من المحكمة الدستورية العليا وموافقة المجلس التشريعي   بأغلبية ثلثى أعضائه" . وكذلك لا يجوز للنيابة العامة تحريك الدعوى   الجزائية ضد أحد اعضاء المجلس التشريعي الا بصدور الإذن بذلك وفقاً للمادة   53 من القانون الأساسي المذكور.إلا أنه في التشريعات المقارنة هناك دور   أكبر للمجلس التشريعي وبخاصة في القضايا المنظورة ضد رؤساء الدول والوزراء   أو أعضاء السلطة القضائية، ومثال ذلك في أمريكا بأعتبار أن قضاياهم   الجزائية هي في الأساس شأن سياسي، ومثال ذلك أيضاً نص المادة 56 من  الدستور  الأردني فقد أعطت لمجلس النواب حق اتهام الوزراء ويصدر قرار  الإتهام  بأكثرية ثلثى الأصوات وبذلك نصت المادة 61 من الدستور الأردني على  أن  الوزير الذي يتهمه مجلس النواب يوقف عن العمل.
( ب ) النيابة العامة والسلطة التنفيذية:-
أن النيابة العامة تباشر اختصاصها بإقامة الدعوى واستعمالها بإعتبارها   وكيلة عن المجتمع الذي أخلت الجريمة بأمنه وهي بهذه الصفة تمثل الأمة   والأمة هي مصدر السيادة. وبالتالي لا يمكن القول بتبعيتها للسلطة  التنفيذية  وإن ارتباطها بوزير العدل هو ارتباط اداري بصفة عامة وفي بعض  المسائل  المحددة على سبيل الحصر ولا يجوز لوزير العدل التدخل فنياً أو  قضائياً في  القضايا المعروضة أمام النيابة العامة، فالنيابة العامة لها  استقلاليتها  كما ذكرنا آنفاً، مع الأخذ بعين الإعتبار أن هناك دور للنيابة  العامة  بالإشراف والرقابة على الضابطة العدلية أو القضائية ( مأموري  الضبط القضائي  ) طبقاً للمادة 19 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني  رقم 3 لسنة  2001، وهي من أجهزة السلطة التنفيذية. وبذلك تتحدد العلاقة بين  النيابة  العامة والسلطة التنفيذية مع الإعتبار أنه لا يجوز مطلقاً للسلطة  التنفيذية  التدخل في أعمال النيابة العامة بإعتبارها الجهة المختصة بصفة  أصلية  بتحريك دعوى الحق العام، وتقدم بهذه الوظيفة بإعتبارها الخصم  الإجرائي وليس  الموضوعي في الدعوى الجزائية التي تنوب عن المجتمع في  تحريكها، وأنني  اعتقد أن أساس الخلاف هو بسبب نشأة النيابة العامة  التاريخية أنها كانت  أداة لتمثيل الملك وحماية مصالحه، فكان لهذا الأصل  التاريخي للنيابة أثر في  الجدل الدائر حول العلاقة النيابة العامة بالسلطة  التنفيذية، ولكن انتهى  الآن في ظل مبدأ استقلال القضاء بشقية القضاء  والنيابة العامة وتطور  المجتمع من حكم الفرد إلى حكم المؤسسات.
( ج ) النيابة العامة والسلطة القضائية:
لما كانت النيابة العامة تضطلع بتفسير القانون وحماية الحقوق والحريات  وهو  ما تختص به السلطة القضائية فإنه يمكن القول بأن النيابة العامة جزء  من  السلطة القضائية. وهو ما أوضحناه كما أسلفنا حين دراسة الوظيفة  القضائية  للنيابة العامة من حيث التشكيل والخصائص والأختصاصات، وكذلك فإنه  لا شك أن  دور النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية ومباشرة التحقيق  والتصرف فيه  هو في حقيقته عمل قضائي مما يجعل منها جزءاً من السلطة  القضائية، وهو ما  يقتضي تمتعها بالإستقلال عن السلطة التنفيذية  والتشريعية، وبالتالي فإن  النيابة العامة تعتبر هيئة قضائية لكونها تمارس  وظيفة قضائية، وإن كانت  كذلك، وإلا انها مستقلة عن قضاء الحكم ولا تخضع في  عملها إلا لإعتبارات  المصلحة العامة فالنيابة العامة في فلسطين تحظى  بسلطات واسعة فهي سلطة  تحقيق وهي ما تمارس في الأصل قضاة تحقيق، وسلطة  اتهام، وسلطة تنفيذ،  بالإضافة إلى أنها في بعض الحالات قد تتحول لسلطة  الحكم حيث تنهى الدعوى  الجزائية بالتصالح أو الصالح طبقا للمادة 18 من  قانون الإجراءات الجزائية.  ولا شك أن هذه السلطات المذكورة تختلف في الأصل  عن سلطة الحكم للمحاكم،  وهذا الفصل في السلطات القضائية هو لصالح المتهم  والحفاظ على حقوقه حتى لا  يصبح القاضي هو الحاكم والخصم في ذات الوقت. 

رابعا:ً الطبيعة القانونية للنيابة العامة في الفقه والقضاء المقارن:
لقد ذكرنا آنفاً أنه تتولى النيابة العامة وظيفة الاتهام في الدعوى   الجزائية ووصفها كسلطة اتهام لا خلاف عليه عالميا بعد أن انقضى نظام   الاتهام الفردي ولم يبق له من أثر في العالم إلا في النظام الأنجلو *** وني،  وحتى في هذا النظام نشأت كذلك النيابة العمومية كسلطة اتهام تتدخل  في  الدعوى الجزائية عند اللزوم ، بيد أن هناك خلافات هامة بين تشريعات  الدول  حول تحديد الطبيعة القانونية للنيابة العامة وما إذا كانت تنتمي إلى  السلطة  التنفيذية،  أو السلطة القضائية، أو إلى الاثنين معا، أو لا تنتمي  إلى هذه  و لا تلك، إلى جانب هذا فإن وظيفة الاتهام قد ميزت النيابة  العامة بثلاث  خصائص رئيسية كما ذكرنا على التوالي: جوازية التبعية  التدريجية ، وعدم  التجزئة ، وعدم الرد ، فضلا عن الاستقلال .
ولقد  أثار تكييف الطبيعة القانونية للنيابة العامة وتحديد وضعها من السلطة   التنفيذية أو القضائية والفصل في انتمائها إلى أي منهما، الكثير من الجدل   في الفقه القانوني المقارن ومن ورائه الفقه العربي، وقد ساعد على ذلك موقف   المشرع نفسه في بعض الدول بما نص عليه من تبعية النيابة العامة للسلطة   التنفيذية، لذلك لم يكن رأي هذا الفقه إلا مجرد تحليل وشرح للقانون الوضعي  ،  ولم يكن يهدف إلى بحث الوضع الأمثل الذي يجب أن تكون عليه النيابة  العامة  الحديثة ويمكن رد هذا الخلاف إلى أربع اتجاهات تتحصل فيما يلي :
الاتجاه الأول : تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية:
كان للأصل التاريخي للنيابة العامة في فرنسا أو في بعض الأنظمة المقارنة   باعتبارها مجرد أداة لتمثيل الملك أو الحاكم وحماية مصالحه تأثيرا كبيرا  في  موقف المشرع والفقه الفرنسيين من تحديد وضع النيابة العامة القانوني ،  وفي  علاقتها بالسلطة التنفيذية . فذهب البعض  من الفقهاء أمثال الأستاذ  جندي  عبد الملك، الأستاذ عدلي عبد الباقي، الأستاذ فتحي عبد الصبور إلى  أن  النيابة العامة جزءا من السلطة التنفيذية وتابعة لها ، وأن أعضاءها  ليسوا  سوى وكلاء لهذه السلطة لدى المحاكم ، وتبريرا لهذا الرأي استند  أنصاره إلى  ما نصت عليه المادة الثامنة من المرسوم 16ــ24 الصادر في أغسطس  سنة 1790  على أن ‘أعضاء النيابة العامة الذين كانوا يسمون رجال الملك  (صاحب السيادة )  في الماضي هم حاليا وكلاء السلطة التنفيذية لدى المحاكم  .هذا من جهة ، ومن  جهة أخرى فإن رفع الدعوى الجزائية على الجرائم يعتبر  إحدى وظائف السلطة  التنفيذية ، فهذه الأخيرة باعتبارها ممثلة للشعب في  القيام على شؤونه  ورعاية مصالحه وتطبيق القوانين وضمان حسن تنفيذها وعدم  الخروج عليها ،  أعطيت الحق في الدعوى الجزائية من أجل توقيع العقوبة على  كل مخالف للقانون ،  ضمانا للمجتمع وصيانة لحقوق الأفراد ، وتعد مباشرة هذا  الحق من مستلزمات  عمل السلطة التنفيذية والسلاح الذي أعطاه المشرع إياها  لتستعين به في أداء  مهمتها.وعلى هذا الأساس فإن الحكومة هي التي تقوم  بتعيين أعضاء النيابة  العامة ويكون من سلطتها أن توجه إليهم الأوامر  لتنفيذها وبناءا على ذلك فهي  مسؤولة عن أعمال النيابة العامة وهذه  المسؤولية تتداخل مع المسؤولية  الوزارية أمام البرلمان التي قد تتعرض لها  الحكومة فيما يتعلق بإقرار  النظام وتبرير رفع الدعوى الجنائية عما يرتكب  من جرائم، أما حرية النيابة  العامة في إبداء رأيها أمام المحكمة فيرجع إلى  ما جرت عليه التقاليد وما  تتمتع به النيابة العامة من مكانة واحترام .
ويتجه هذا الفقه إلى تعريف النيابة العامة بأنها الهيئة التي تمثل  الحكومة  والنظام العام والمصالح العامة للمجتمع أمام بعض الجهات القضائية  والتي  تسهر على تطبيق القوانين وتنفيذها ، أو الهيئة التي تضم وكلاء  السلطة  التنفيذية لدى المحاكم ، أو الممثل الرسمي للأمن العام . وقد تبنى  هذا  الرأي قانون تحقيق الجنايات لسنة 1810 حيث ورد في الأعمال التحضيرية  لهذا  القانون أن رفع الدعوى الجزائية عن الجرائم هو من المسائل التي تختص  بها  الحكومة لذلك خول هذا القانون وزير العدل سلطة رفع الدعاوي الجنائية  مباشرة  في بعض الأحوال م 486 فضلا عن بعض الاختصاصات الإجرائية الأخرى ،  مما أدى  إلى اعتناق مبدأ تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية بالرغم من  أن قانون  الإجراءات الجنائية الفرنسي الجديد لسنة 1958 قد سلب من وزير  العدل بعض  اختصاصاته في الدعوى الجزائية سلطة رفع الدعوى الجزائية وسلطة  طلب إحالة  الدعوى الجزائية إلى محكمة أخرى  إلا أنه لم يخرج عن كون  النيابة العامة  تابعة للسلطة التنفيذية .
وقد أخذ بهذا الرأي جانب من  الفقه المصري كما اتجهت إليه محكمة النقض  المصرية في حكم قديم لها حيث  قضت: " أن النيابة العامة هي من النظم المهمة  في الدولة المصرية ، أشار  الدستور إليها في كلامه عن السلطة القضائية وهي  بحسب القوانين التفصيلية  المعمول بها شعبة أصيلة من شعب السلطة التنفيذية  خصت بمباشرة الدعوى  العمومية نيابة عن تلك السلطة وجعل لها وحدها التصرف  فيها تحت إشراف وزير  الحقانية ومراقبته الإدارية وهي بحكم وظيفتها مستقلة  استقلالا تاما عن  السلطة القضائية". ونرى لذلك الرأي نموذج حديث هو النموذج  الأمريكي  والكندي الذي يعتبر النيابة العامة هي تابعة للسلطة التنفيذية بل  أن  النائب العام هو وزير العدل ومدير الشرطة.
الاتجاه الثاني : الطبيعة المزدوجة للنيابة العامة:
لم يسلم الرأي السابق من النقد إذ وجه الفقه إليه انتقادات من نواح  كثيرة،  فمن ناحية أولى إذا سلمنا بأن الملك كان صاحب السيادة قبل الثورة  فإنه لا  يمكن التسليم بأن السلطة التنفيذية هي صاحبة السيادة بعد الثورة ،  لتبني  الثوار مبدأ سيادة الأمة لذا يكون من الخطأ اعتبار أعضاء النيابة  العامة  تابعين للسلطة التنفيذية التي حلت محل الملك فهذه السلطة الأخيرة  مثلها مثل  باقي سلطات الدولة (التشريعية والقضائية ) تابعين للأمة صاحبة  السيادة  فهذه السيادة لا تبرر تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية ،  وإلا لكان  من الممكن القول بأنها تابعة كذلك للسلطة التشريعية أو القضائية  وإذا كانت  المادة الثامنة من المرسوم 16ــ24 أغسطس 1790 قد نصت على أن  أعضاء النيابة  العامة هم وكلاء السلطة التنفيذية لدى المحاكم فإن نص هذه  المادة لا قيمة  له إلا من الناحية النظرية كما أن هذه النص جاء متناقضا مع  بعض النصوص  الأخرى التي وردت في ذات المرسوم فقد نص على أن يختار ممثل  الاتهام عن طرق  الانتخاب وهو دليل على أن سلطة الاتهام تنبع من الأمة بأسرها لا من السلطة   التنفيذية فحسب ، وأخيرا فقد أصدرت وزارة العدل الفرنسية منشورا في أول   أكتوبر سنة 1790 جاء فيه أن أعضاء النيابة العامة هم (قضاة )ملحقون بمختلف   الأجهزة القضائية ومهمتهم هي الدفاع عن مصالح المجتمع والحرص على تنفيذ   القوانين .
ومن ناحية ثانية لا يمكن تبرير تبعية النيابة العامة للسلطة  التنفيذية بحجة  أن وظيفة هذه الأخيرة هي تطبيق القوانين وأن أعضاء  النيابة العامة هم  وكلاء الحكومة بهذه المهمة ، فإذا كان دور الحكومة هو  تطبيق القوانين فإن  هذه مهمة السلطة القضائية أيضا، لذلك ذهب رأي في الفقه  الدستوري إلى أنه لا  توجد بالدولة سوى وظيفتين (التنفيذية والتشريعية  )والسلطة التنفيذية تشمل  السلطة القضائية فيمكن الاستناد إلى هذه الحجة  للقول بتبعية النيابة العامة  للسلطة القضائية وطالما توجد سلطات أخرى تسهر  على تطبيق القانون فمن غير  المفهوم إسناد سلطة الرقابة والإشراف على  النيابة العامة للحكومة دون غيرها  ( السلطة القضائية ) .
ومن ناحية  ثالثة فإنه من غير المنطقي أن يقال بتبعية النيابة العامة للسلطة   التنفيذية ثم يسمح لها بإبداء رأيها في حرية تامة أمام المحاكم فالقول   بهذه التبعية يعني عدم استقلال النيابة العامة حتى بالنسبة إلى جهات  القضاء  إنما تمارس الدعوى الجزائية وهذه الممارسة تعتبر نوعا من وظائف  السلطة  التنفيذية وفقا لهذا الرأي ومن ثم فإنه لايمكن أن تتمتع النيابة  العامة  بحرية مطلقة في
شأنها ولا يحول دون هذه النتيجة ما تتمتع به  من مكانة احترام إذ إن  اعتبارها جزءا من السلطة في أعمالها كافة دون أن  يؤثر ذلك على مكانتها أو  احترامها .
لذلك ذهب غالبية الفقه الفرنسي  قديماً إلى اعتبار أعضاء النيابة العامة  أصحاب وظيفة مزدوجة ، أعضاء في  السلطة التنفيذية موظفون وقضاة في نفس الوقت  ، وباعتبارهم موظفين يتعين  عليهم إطاعة أوامر رؤسائهم وباعتبارهم هم قضاة  يمكنهم في الجلسة عرض  إحساسهم الشخصي وصياغة طلباتهم الشخصية بالمخالفة  لقراراتهم المكتوبة ولقد  قضت محكمة النقض الفرنسية: " بأنه يجب التمييز بين  صفتين للنيابة العامة  الأولى كأداة لحماية المجتمع من الجريمة والثانية  كأداة لحماية القانون في  طلبات توقيع العقوبة على المتهمين".
وقد أيد جانب من الفقه المصري هذا  الرأي ومثال أستاذنا الدكتور محمود نجيب  حسني والدكتور جلال ثروت وإن  كانوا قد عدلوا عن هذا الرأي لاحقاً فذهب إلى  تقسيم نشاط النيابة العامة  إلى قسمين أحدهما ذو طابع قضائي فهي في مباشرة  الاتهام تمثل الدولة بصفتها  سلطة تنفيذية تطالب بحقها في عقاب المتهم  لإقرار الأمن والنظام وهي في  مباشرتها لأعمال التحقيق تقوم بعمل قضائي تحل  محل قاضي التحقيق، ويخلص هذا  الرأي إلى أن النيابة العامة بالنظر إلى  نشاطها تتمتع بمركز خاص فلا هي  شعبة تنفيذية خالصة ولا هي هيئة قضائية محض  وإنما وسط بين هذه وتلك ولقد  أيدت محكمة النقض المصرية هذا الرأي في بعض  أحكامها حيث قضت بأن النيابة  العامة لاتزال تجمع بين طرف من السلطة  القضائية وآخر من السلطة الإدارية  وأنها بهذه الصفة قد تحتاج في تصرفها إلى  قسط من المرونة لا يرى قاضي  التحقيق أنه بحاجة إلى مثله لأن مهمته قضائية  كما ذهبت المحكمة الإدارية  العليا إلى ذلك إذ قررت: " أن قضاء هذه المحكمة  جرى على أن النيابة العامة  هي في حقيقة الأمر شعبة أصيلة من شعب السلطة  التنفيذية تجمع بين طرف من  السلطة القضائية وآخر من السلطة الإدارية . . . "  .
الاتجاه االثالث: النيابة العامة منظمة إجرائية تنتمي إلى الدولة:
 ينفرد رأي في الفقه المصري ذكره الأستاذ الدكتور عبد الفتاح الصيفي الذي   ذكره في كتابه" حق الدولة في العقاب" بالقول: بأن النيابة العامة منظمة   إجرائية تنتمي إلى الدولة كنظام قانوني وينطلق صاحب هذا الرأي من نقطة   أساسية مؤداها أن النيابة العامة لا تنوب عن السلطة التنفيذية وإنما تنوب   عن الدولة في اقتضاء حقها في معاقبة مرتكب الجريمة كما أنهالا تعتبر   بالتالي أعمالها أعمالا قضائية إذ لا يمكن التسليم لمن يدعي نيابة عن غيره   بحق من الحقوق شخصيا أم عينيا ، وخاصا أم عاما بأنه جزء من السلطة التي   تقضي في هذا الحق أو شعبة من شعبها ويخلص هذا الرأي إلى أن النيابة العامة   لا تعتبر جهازا من أجهزة السلطة التنفيذية ولا شعبة أو جزءا من شعب  السلطة  القضائية، وإنما هي منظمة قانونية بصفة عامة وإجرائية بصفة خاصة  تنبثق عن  الدولة كنظام قانوني يستهدف الصالح العام .وعلى الرغم من وجاهة  هذا الرأي  إلا أننا لا نستطيع التسليم به فقد استبدل المشكلة بأخرى عندما  قرر أن  النيابة العامة منظمة إجرائية تمثل الدولة كشخص معنوي فإذا طرحنا  الخلاف  الفقهي حول الاعتراف للدولة بالشخصية المعنوية جانبا والواقع أن  بعض  الفقهاء ينكرون فكرة الشخصية المعنوية أصلا ويسمى هذا الاتجاه  بالمذهب  الواقعي إلا أن الرأي الراجح في الفقه الإداري والدستوري يميل إلى  الاعتراف  للدولة بالشخصية المعنوية وأنصاره يسمون بالمذهب الشخصي وسلمنا  لها بهذه  الشخصية فإن لهذا الشخص المعنوي ( الدولة ) وفقا لتقسيم مونتسكيو  ثلاث  وظائف ( قضائية وتنفيذية وتشريعية ) وتقوم على كل من هذه الوظائف  الثلاث  هيئة او سلطة مختصة تسمى بالسلطة القضائية أو السلطة التنفيذية أو  السلطة  التشريعية حسب الأحوال . فإلى أي من هذه السلطات تنتمي المنظمة  الإجرائية ؟  هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن فكرة المنظمة أو الهيئة وفقا  لتعريف فقهاء  القانون الإداري عبارة عن مرفق عام يدار عن طريق منظمة عامة  تتمتع  بالشخصية المعنوية ، فالمنظمة العامة طريقة من طرق إدارة المرفق  العام  فنقطة البداية أن يكون ثمة نشاط إداري تتوافر فيه صفات المرفق العام  وهذا  الأخير هو أحد صور نشاط الإدارة ويترتب على ذلك نتائج عديدة أهمها :  أن  القرارات الصادرة من الهيئة أو المنظمة العامة هي قرارات إدارية  وعمالها  موظفون عموميون غير أنهم مستقلون عن موظفي الدولة، وعلى ذلك فإن  الرأي  المتقدم يقودنا إلى اعتبار نشاط النيابة العامة جزءا من نشاط  الإدارة (  الحكومة أو السلطة التنفيذية ) يضاف إلى ذلك أن عنصر تحقيق  الصالح العام  كأحد العناصر المكونة لفكرة الدولة محل خلاف في الفقه  الدستوري فضلا عن ذلك  فإن هذا الفقه بعد أن قام بنفي الصفة القضائية عن  النيابة العامة عاد وعرف  الدعوى الجزائية بأنها سلطة قضائية يمارسها  النائب العام نيابة عن المجتمع  أمام المرجع القضائي المختص .وفي ضوء ما  تقدم ذهب رأي في الفقه إلى اعتبار  النيابة العامة جهازا اجتماعيا من أجهزة  الدولة يسعى دائما إلى تحقيق  الصالح العام وحماية المجتمع عن طريق إصلاح  المجرم وتقويمه إذ يمارس في  الخصومة الجزائية وظيفة ذات سلطة معينة ولا  يزاول حقا شخصيا إن شاء باشره  وإن أراد التفت عنه فله سلطة وعليه واجب  وكلا الأمرين متلازمان لا ينفصلان  وسلطته أو واجبه في الاتهام يخضع دائما  لاعتبارات الصالح العام وبناء على  ذلك تعتبر النيابة العامة أداة لحماية  القانون والشرعية في المجتمع وقد  اقتضى هذا الدور أن يكون لجهاز النيابة  العامة ذاتية خاصة بعيدة عن السلطة  التنفيذية ذلك أن النيابة العامة تؤدي  وظيفة قضائية فمن المنطقي تبعا لذلك  أن تتبع السلطة القضائية.
الاتجاه الرابع : الطبيعة القضائية للنيابة العامة:
إلا أن هذا رأي السابق لم يسلم بدوره من النقد إذ ذهب جانب من الفقه  الحديث  إلى القول بصعوبة التوفيق بين تلك الأوصاف فكون أعضاء النيابة  العامة  موظفين يتعين عليهم المحافظة على مصالح الحكومة وباعتبارهم قضاة  يتعين  عليهم السهر على مصلحة القانون والمحافظة على مصلحة القانون  والحكومة معا  يؤدي إلى إنكار إحداهما بلا شك أو أن يكون تمثيل عضو النيابة  لأحدهما غير  كاف فلا بد من تخليص النيابة العامة من إحدى الصفتين ولن يتم  ذلك إلا  بالنظر إلى طبيعة الوظيفة التي تقوم بها وجوهر هذه الوظيفة هو  تطبيق قانون  العقوبات وينتمي هذا العمل إلى أعمال السلطة القضائية باعتبار  هذه السلطة  هي المختصة وحدها بتطبيق القانون على المنازعات والخصومات  لذلك تعتبر  النيابة العامة هيئة قضائية خاصة قائمة امام الجهات القضائية  من أجل تمثيل  المجتمع والعمل باسمه والدفاع عن مصالحه والحرص على تنفيذ  القوانين  وأعضائها قضاة وليسوا وكلاء للسلطة التنفيذية. وقد أخذ المشرع  الفرنسي بهذا  الرأي الأخير فبمقتضى التعديل الدستوري الصادر في 27 يوليه  سنة 1993 أصبحت  النيابة العامة جزءا من السلطة القضائية فقد نصت المادة 64  من الدستور  الفرنسي على أن رئيس الجمهورية يضمن استقلال السلطة القضائية  ويساعده في  ذلك المجلس الأعلى القضاء وطبقا للمادة 65 من الدستور بعد  تعديلها أصبح  للمجلس الأعلى للقضاء تشكلان الأول خاص بشؤون القضاة والثاني  خاص بشؤون  أعضاء النيابة العامة وجاء القانون الأساسي الصادر في 3فبراير   سنة 1994  فعدل نظام القضاء مشيرا إلى استقلال السلطة القضائية سواء تلك  التي يقوم  بها قضاة الحكم أو أعضاء النيابة العامة وقرر المجلس الدستوري  الفرنسي  دستورية هذا القانون إلا أن انتماء النيابة العامة للسلطة  القضائية لم يحل  دون اشتراط القانون الفرنسي عدم جواز اتخاذ إجراءات  جزائية إلا من قضاة  الحكم.
وقد أخذ غالبية الفقه المصري بهذا الرأي  أمثال أستاذنا الدكتور المغفور له  مأمون سلامة وأستاذنا الدكتور أحمد فتحي  سرور، وأستاذنا الدكتور، محمود  نجيب حسني، والدكتور محمود مصطفى، الدكتور  رؤوف عبيد، الدكتور توفيق  الشاوي، الدكتور عمر السيد رمضان، الدكتور نبيل  مدحت سالم، الدكتور جلال  ثروت حيث ذهب إلى أن عمل النيابة العامة يغلب  عليه الوجه الفنية لتولي  القضاء ويؤكد هذا الطابع كذلك اعتبار النيابة  العامة جزءا متمما ولازما في  تشكيل القضاء الجنائي وهذه الاعتبارات في  مجموعها تقود إلى القول بانتماء  النيابة العامة إلى السلطة القضائية  تطبيقا لذلك قضت محكمة النقض المصرية  في حكم حديث لهابأن ( النيابة العامة  شعبة من شعب السلطة القضائية خول  أعضائها من بين ما خول سلطة التحقيق  ومباشرة الدعوى العمومية ). وهو ما  أخذت غالبية الدول التي تنتمي إلى  النظام اللاتيني والتي ينتمي إليه نظامنا  الفلسطيني إليها مثال ذلك فرنسا  ومن الدول العربية الجزائر والمغرب  ولبنان.
خامساً : الطبيعة القانونية للنيابة العامة في فلسطين:
 بعد استعراض السابق بيانه حول طبيعة النيابة العامة في الفقه المقارن   والذي أثار الكثير من الاشكاليات واختلاف المدارس التي تتبع النيابة  العامة  لتلك النظرية دون أخرى ومن خلال استقراء القانون الأساسي الفلسطيني  وقانون  الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 و قانون تشكيل المحاكم  الجزائية،  فإننا نتفق مع وجهة النظر القائلة بتبعية النيابة العامة إلى  السلطة  القضائية،وإن كان لوزير العدل بعض اختصاصات الادارية دون الفنية  على سبيل  الحصر وأعلل ذلك بما يلي:
1) ورود النيابة العامة في القانون  الأساسي الفلسطيني تحت عنوان السلطة  القضائية وجعل النيابة العامة شعبة  من شعب القضاء وأن النائب العام هو صاحب  الحق الأصيل في تحريك واستعمال  الدعوى الجنائية بل وأن تعيين النائب العام  عن طريق تنسيب المجلس القضائي .
2) بالرغم من عدم النص على اعتبار أن أعضاء النيابة العامة هم قضاة كما  ورد  في قانون استقلال القضاء الأردني لعام 1955 وقانون أصول المحاكمات  الأردني  لعام 1961 إلا أن تبعية أعضاء النيابة العامة لنفس الضمانات من  حيث  التأديب وشروط التعيين والتقاعد وعدم القابلية للعزل هو يقطع بشكل  واضح  باعتبار النيابة العامة وأعضائها هي شعبة من شعب القضاء .
3) إن  دور وزير العدل كما هو واضح طبقا لما ورد له من صلاحيات في قانون  السلطة  القضائية رقم 1 لسنة 2002 وقانون الإجراءات الجزائية هو دور إداري  بحت  يتعلق بحسن سير في مرفق النيابة العامة بانتظام واضطراد وفي بعض  المسائل  الإدارية المذكورة على سبيل الحصر وليس له دخل في التدخل في الأمور   الفنية  للنيابة العامة .
4) إن طبيعة الاختصاصات الموكلة للنيابة العامة في فلسطين من حيث الجمع ما  بين سلطتي التحقيق و الاتهام مع  توفير كافة الضمانات القانونية باستقلالية  النيابة العامة هو خير دليل  على الطبيعة القضائية للنيابة العامة .
5) إننا لو سلمنا فرضاً بتبعية  النيابة العامة للسلطة التنفيذية بحكم أن  تبعيتها لوزير العدل وطبيعتها  بصفتها كسلطة اتهام مما يجب الفصل بينها وبين  سلطة الحكم فإنه يجوز الطعن  في قرارات النيابة العامة أمام المحكمة  الإدارية بحكم أنها قرارات إدارية  وليست قرارات قضائية وبالطبع هذا ينتفي  مع ما هو جاري من عدم جواز الطعن  في قرارات النيابة العامة باعتبارها  قرارات قضائية بل إنه حتى في الدول  التي لا تأخذ بالنظام الاتهامي فإنها  قامت بإنشاء جهاز للنيابة العامة حتى  ولو كان يتبع للسلطة التنفيذية وإن  هذا القول أيضا ينتفي مع تصنيف النظام  الإجرائي المتبع في فلسطين بالنظام  المختلط الذي يتبع المدرسة اللاتينية  وقد أقرت هذا الرأي المحكمة العليا،  فقالت أن " النيابة العامة هي على  الرأي الراجح شعبة من السلطة القضائية  تتولى أعمالاً قضائية أهمها وظيفة  التحقيق التي ورثتها عن قاضي التحقيق ثم  وظيفة الإتهام أمام المحاكم  الجنائية بحيث يتعين تمثيلها في تشكيل هذه  المحاكم وإلا كان قضاؤها  باطلاً".
خامساً: إن ارتباط النيابة العامة بوزير العدل ارتباطاً مطلقاً قد يؤثر عليها ويجعلها عرضه للأمم السياسية.
ومحصلة القول: لذلك فإننا لا نملك إلا الانضمام إلى الرأي الراجح فقها   وقضاء باعتبار النيابة العامة شعبة من شعب القضاء تقوم بالسهر على تحقيق   مصلحة المجتمع وحسن سير العدالة فهي أداة لحماية الشرعية والقانون يضاف  إلى  ذلك أن أعضاء النيابة يخضعون لنظام مخاصمة القضاة وتأديبهم من اختصاص  مجلس  تأديب القضاة والعقوبات التأديبية هي نفس العقوبات التي يجوز الحكم  بها  على القضاة وأن ما يسري على القضاه من قواعد تسري عليهم بيد أن هذا لا  يمنع  من أن يخصها القانون بخصائص تميزها عن قضاة الحكم نظرا لكونها  الجهاز  المنوط به مباشرة كل ما يتعلق بالدعوى العمومية .