دكتور/ أحمد براك
النائب العام المساعد
التحرش الجنسي سلوك غير مشروع ضد الاخلاق لاستيعابه للأفعال الفاضحة والجارحة لحياء الشخص وكذلك الحياء العام, فالتحرش هو الإغواء والإغراء والإثارة أو الافساد والخديعة والاحتكاك والتعرض والمضايقات والابتزازات الجنسية أو بالأحرى المراودة عن النفس, وقيل بأن الإغراء والتحريض لهمنا معنى واحد. فكلمة "حرض" تؤدي نفس المعنى القانوني لكلمة أغرى والتحريض لغة الحث على الشيء, فهو الحفز والتحريك والدفع والتحريض على ارتكاب جريمة هو الإيعاز بها. وهو ما عبر عنه التعريف اللغوي: بالقول أن التحرش أو الحرش أو التحريش, وهي كلمة مشتقة من الفعل الثلاثي حرش ويقصد به: "إغراؤك الانسان والأسد ليقع بقرنه وحرش بينهم: افسد وأغرى بعضهم البعض, والحرش: أن تهيج الضب في حجرة, والاحتراش : الجمع والكسب والخداع, وحرش المرأة حرشا: جامعها واحتراش القوم: حسدوا"
وبذلك نلاحظ أن المعنى اللغوي يقترب حيناً كما قد يبتعدعن المعنى الاصطلاحي للتحرش الذي قد يفيد الاغراء وإثارة العاطفة والغرائز الجنسية, حيث استخدم المصطلح للدلالة على السلوك الذي سيهدف إلى الإغواء بقصد الاستمالة إلى ارتكاب افعال لا اخلاقية قد تكون مقدمة لجريمة المواققة (الزنا) أو الاغتصاب أو اللواط أو هتك العرض. وهو التطفل ذو الطابع الجنسي غير المرحب به ولا المرغوب فيه ويتحقق به اثارة الغريزة لدى المتحرش بع على نحو يمس بحياته. ولا شك أن هذه صورة من صور الأذى التي حذر الله تعالى من وقوعه على المرأة, قال تعالى:"فلا يؤذين" من آية 59 من سورة الاحزاب, وإن كان الفقه الإسلامي لم يعرف هذا المصطلح لأن هذا اللفظ لم يستخدم في الكتاب والسنة, ومع ذلك يتفق على أن التعبير عنه يشمل مقدمات الزنى أو اللواط المحرم شرعاً.وغني عن البيان أن التحرش قد يتعرض له الرجل أو المرأةعلى السواء,ومن رجل على رجل, أو إمرأة على إمرأة, ولكن الصورة الغالبة هي وقوعها على المرأة من قبل الرجل, والحالة التي تتعرض لها هي حالة التحرش الجنسي في الاماكن المغلقة, كـ أماكن العمل أو الدراسة أو البيت, وليس التعرض للفعل الفاضح والعلني الواقع على المرأة عن طريق أحد صور العلانية وفي الاماكن العامة أو في الطرق وهو ما عالجته معظم التشريعات العقابية منذ الأزل. بل أن ما يزيد الأمر صعوبة جنس يكون المتحرش صاحب سلطة على المرأة مثل صاحب العمل فقد يؤدي عدم استجابة المرأة إلى فقدها لوظيفتها أو عدم ترقيتها, أو أحد أقارب المرأة الساكنين معها في المنزل ومما له سلطة فعليه عليها فأي كارثة تلك, أو تلك على اطفال في المدارس أو في الجامعات من أصحاب السلطة عليهم ولا تحتاج المسألة للتفكير ملياً لمعرفة مدى الكارثة والظلم الواقع في كل تلك الحالات, بل أن المصيبة الأكبر هو ضبابية التشريعات العقابية في تلك الحالات حيثما لا يصل الامر إلى حد الجرائم المعروفة من اغتصاب أو هتك عرض, بل الحاح في طلب لقاء أو مداعبة أو إطلاق النكات الجنسية أو اللمس في غير عورة وفي أماكن مغلقة, بل إن من يزيد الأمر صعوبة بالطبع هو صعوبة الاثبات لوقوع التحرش الجنسي في تلك الحالات.
ففي حياتنا المعاصرة تزداد معاناة المرأة سواء العاملة او الدارسة أو ربة البيت - كما ذكرنا أيضاً- في بعض الاحيان بسبب ظاهرة التحرش الجنسي, والتي تتكون مظاهره بين التحرش الشفهي من اطلاق النكات والتعليقات المشينة, والتلميحات الجسدية, والإلحاح في طلب لقاء, وطرح اسئلة جنسية, ونظرات موجية إلى ذلك , ثم ................................
جنسية, ونظرات موحية إلى ذلك, ثم تتصاعد حتى تصل إلى اللمس والتحسس والقرص, وهو ما يعد ويحق من ألوان إهانة المرأة وإذلالها. وغنى عن البيان أن ظاهرة التحرش الجنسي هي قضية مسكوت عنها في المجتمع العربي نظراً لحساسية هذه القضية من عدة نواحي الأولى: الخوف من تلويث السمعة, والثاني: أن إثبات حدوث التحرش من أصعب الامور على المرأة وبخاصة في الاماكن المغلة وبذلك فإن جريمة التحرش الجنسي تختلف عن الفعل الفاضح في مكان عام المنصوص عليه في أغلب التشريعات العقابية العربية, والثالث: وهو الأهم هو الخوف من فقد الوظيفة او العمل والتعتر في الدراسة اذا تم التحرش في المدارس والجامعات ولا شك أن التحرش الجنسي اذا تم في البيت من أحد الأقارب تصبح الأمور أكثر تعقيداً, فالبيت من المفروض هو المكان الآمن للمرأة.
فقد اثبتت الدراسات النفسية على المرأة المجني عليها أنه عندما لا تكون المرأة المتحرش بها راضية بالأمر, فإنالأمر يصبح مطاردة, والاحساس بالمطاردة قد يسبب الانهيار العصبي, خاصة اذا كانت ظروف المرأة لا تسمح لها بمغادرة مكان العمل أو الدراسة أو البيت, فإن بقيت تحت الضغط قد تصاب بأمراض نفسية مثل: القلق, والسهر, واللامبالاة, والخوف, والتعرض للكوابيس وأخيراً تصاب بالانهيار, وإذا كان بإمكان المرأة المغادرة أو الهروب فإنها تصبح حذرة في علاقاتها حيث ستظل التجربة السلبية راسخة بذهنها وبداخلها. وإذا وقعت المرأة في شباك التحرش بها, فيتهدم بيتها وعلاقتها مع زوجها, وبذلك تعيش قوض حياتها الهانئة سعياً وراء السراب.
ولا مرية ان دراسة هذه الظاهرة من العقوبة بمكان فالارقام والاحصائيات لا تمثل الا جانباً بسيطاُ من تلك المعاناة التي تعيشها المرأة وبخاصة العاملة في العالم اليوم ولا شك أن ذلك يؤثر على الحياة الإقتصادية ومبدأ المساواة بين الجنسين فنجد أنه في عالمنا العربي تصريح لمدير منظمة القمة العربية إبراهيم قويدر: بعد أن لاحظت منظمة العمل العربية انتشاراً للموضوع في الوطن العربي بشكل مخيف من خلال ارتفاع حالات شكاوى النساء الإدارية ضد مرؤوسيهن تحت مسميات تحض غالبيتها خلفيات تحرش, وفي مصر نجد أن ظاهرة التحرش الجنسي يثير قلقاً بالغاً بعد تفشي تلك الظاهرة وخطورتها على المجتمع المصري, وجميعنا يذكر حالات التحرش الجنسي الجماعي التي تمت في شوارع القاهرة أثناء الأعياد. فالأرقام التي تثير الفزع جاءت بها صحيفة أخبار الحوادث المصرية حيث ذكرت أن من بين مائة إمرأة يوجد 68 تعرضن فعلاً للتحرش الجنسي داخل محيط العمل سواء كان هذا التحرش لفظياُ أو بدنياً. ولقد توجهت الجمعية المصرية لحقوق المرأة إلى لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب بمشروع قانون لمواجهة عمليات التحرش الجنسي بالمرأة يضع عقوبات على مرتكبي هذه العمليات, ولا يختلف الأمر كثيراً في بقية البلاد العربية مثل الجزائر والمغرب.......
وكذلك تشير إحصائيات المفوضية الأوروبية إلى أنه خلال الأعوام الماضية تعرض نحو 50 في المئة من النساء العاملات إلى تحرشات جنسية. وجميعنا يذكر الاتهامات الموجهة إلى شخصيات بارزة مثل: الرئيس كلينتون وقاض المحكمة العليا كلارينين ثوماس والسيناتور بوب باكوود ومفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رود لويرز الذي قدم استقالته على خلفية الإتهام الموجهة إليه بالتحرش الجنسي ولقد أثار البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان السابق اهتمام الأوساط الدينية لموقفه الشجاع, حيث وجه رسالة مباشرة عبر الانترنت اعتذر من خلالها لضحايا التحرش الجنسي لبعض الكهنة جاء الإعتذار لراهبات من العالم الثالث في وثيقة أصدرها البابا مستعرضاُ الموضوعات التي تناولها مجمع كنسي عقد في الفاتيكان عام 1998 للأساقفة من منطقة "الأوقيانوس" التي تتألف من معظم الجزر الصغرى في المحيط الهادي, قال البابا في وثيقته أن التحرشات الجنسية من بعض رجال الدين سببت معاناة هائلة وضرراً روحياً للضحايا. فالتحرش الجنسي أصبح شائعاً مما استلزم التدخل القانوني, فالتحرش الجنسي لا يمكن التساهل معه أو تجاهله, لذلك كان تجريح التحرش الجنسي هو علامة على الفكر الحديث الذي يتجه نحو تعديل القانون العقابي, الأمر الذي يكشف عما يحتويه زماننا هذا من قيم, بيد أن التجديد لا يتم بسهولة وذلك نظراً للتنوع الحادث في مفهوم الجريمة, وتباين القيم السلوكية ومساحة الحرية التي تلتصق به.
وقبل التعرض لمفاهيم التحرش الجنسي سواء في النظام الفرنسي أو في النظام الأمريكي كنموذجين للمدرسة اللاتينية الأول, والأخير للمدرسة الانجلوامريكية , يجب التعرض للمصلحة المحمية في جرائم العرض بشكل عام ألا وهي الحرية الجنسية, والمعايير المختلفة بين الأخلاق او الدين والقانون بالقول بأن: الحماية الفعالة للعرض هي في الوقت ذاته حماية للسلام الاجتماعي إذ يردع المشرع بها أفعال تجرح الشعور الطبيعي بالحياء وتمس كرامة الفرد والعائلة, وتهدد حصانة البدن ومن شأن ارتكابها أن يولد عوامل إجرامية تدفع إلى جرائم أكثر خطورة كالإعتداء على الحياة أو على الجسم أو على الحرية.
والعرض لغة:ً يعني الجسد, أما عرفاً : هوالطهارة الجنسية أي التزام الشخص بممارسته سلوك جنسي لا يعرضه لأي لوم اجتماعي, بيد أن للعرض في القانون الوضعي مدلولاً مختلفاً فهو لا يرادف الفضيلة الاجتماعية وإنما يعني فحسب" الحرية الجنسية" ومن ثم يعد الفعل اعتداء على العرض إذا تضمن مساساً بهذه الحرية أو خروجاً على الحدود الموضوعة لها.
فالقانون له مجالهالذي يختلف عن مجال الأخلاق فلكل منهما دائرته الخاصة التي لا نتعداها إلى الأخرى, فدائرة القانون اضيق من دائرة الأخلاق, فالقانون لا يعاقب على ما تستهجنه مبادئ الأخلاق, إنما ينتقي بعض الصور من الجرائم الاخلاقية التي تتميز عن غيرها بأضرارها على نحو جسيم بالتنظيم الاجتماعي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وهذا ظهر جلياً مع بداية الثورة الفرنسية وسيطرة العلمانية على مختلف المفاهيم الاجتماعية, ومن ثم على التشريعات التي توفر لها الحماية, فلم يعد حتماُ أن يشكل الفعل الذي يعتبر خطيئة في نظر الدين أو عيباً في نظر الاخلاق وعملاً غير مشروع في نظر القانون, فقد انفصل الدين عن الأخلاق, وظهرت الحرية الشخصية باعتبارها شيئاً مقدساً من روافد الثورة الفرنسية وبدأ المجتمع في انظار السلطة العامة في الإطلاع على التفاصيل الخاصة بالحياة الشخصية للفرد وفي مقدمتها محاربة الجنس, لذلك بنى المشروع الجنائي خطته على الاعتراف للأفراد بالحرية الجنسية مما يعني اعتبار تلك ممارسة مشروع مادامت تمت بالرضا وهو ما عبر عنه المؤتمر التاسع للقانون الجنائي المنعقد بلاهاي عام 1964م عن هذه الفلسفة بأن أصدر توصية تقرر أن الصلات الجنسية بالرضا بين البالغين لا يجب أن تعتبر جريمة. وعليه فإن أي اعتداء على الحرية الجنسية يشكل خرقاُ للتنظيم القانوني لتلك الحرية.
وبذلك نجد أن الإعتداء على الحرية الجنسية واضح اذا اتخذت الجريمة صورة الإغتصاب أو هتك العرض بالقوة أو التهديد, فقد اكره المعتدى أو المجني عليه على سلوك جنس لم تتجه إليه إرادته, إذا تم الفعل على من لم يبلغ السن التي يعد منبها بالرضا فتتكون جريمة هتك العرض دون قوة أو تهديد, فكذلك فإن الإعتداء على هذه الحرية يتحقق وقد تتخذ الجريمة صورة الفعل الفاضح أو بالتحريض على الفسق أو التعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها (المداعبة), فإن معاني الاعتداء وعلى الحرية الجنسية في الافعال تلك قد تحقق نتيجة ايذاء الشعور بالحياء الجنسي لدى المجني عليه. أما في جريمة الزنا فإن الفعل يتضمن تخطياُ للحدود التي وضعها القانون على الحرية الجنسية للزواج وقد قام هذا الزوج بخرق هذا التنطيم القانوني. ولا شك أن القانون قد تطلب من الجاني أن يرتكب تلك الافعال عن قصد لا عن خطأ.
والقاعدة إن لا أهمية لمكان ارتكاب الجريمة ولاللوسيلة متى تحققت الماديات على الوجه الذي جرمه قانون العقوبات, ومع ذلك فقد تطلب المشروع لتكامل جريمة الفعل الفاضح والتحرش بأنثى ارتكاب السلوك المجرم في محل عام أو مفتوح أو معروض للجمهوربما يفيد إن التحرش الجنسي الذي يقع داخل الأماكن المغلقة في صورة فعل فاضح لا يسأل عنه مرتكبه لأن ركن علانية الجريمة غير متوفر, وهو ما يقع عملاً في أماكن العمل, لأن جريمة الفعل الفاضح تتطلب أن يرتكب الفاعل جريمته في مكان عام إذا لم تتم بطريق النشر ولكن إذا اكتفىباستخدام إشارة بيده أو بالقول لها دلالة جنسية داخل هذا المكان المغلق أو طلب منك مرافقته أو أن الترقية رهناً بالخضوع لرغباته فإن ذلك للأسف غير مجرم قانوناً إلا إذا تجاوز حدوده باستطالة ما هو عورة في جنس المجني عليه ضحيه التحرش وهو ما يتحقق به جريمة هتك العرض وذلك في معظم التشريعات العقابية العربية!!!
وبتناول مفهوم التحرش الجنسي في القانون الجنائي الفرنسي – حيث تعتبر فرنسا هي أول دولة أوروبية تقرر تجريح التحرش – ويقصد به الفعل الذي يقع من خلال التعسف في استعمال السلطة باستخدام الأوامر والتهديدات والإكراه بغرض الحصول على منفعة أو امتيازات أو مزايا ذات طبيعة جنسية, بيد أن هذه التصرفات ترمز فقط إلى الإغراء والأهواء وقد تناولت المادة 222/33 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد لعام 1994 هذه الجريمة في نهاية الباب الخاص " بالإعتداءات الجنسية" بعد ما كانت سابقاً في باب التميزات المبني على الجنس وبذلك وضع الشرع فعل التحرش جنباً إلى جنب بجوار جرائم الإغتصاب والإيذاء الجنسي المقترن بعنف وأدخل المشرع الفرنسي تعديلاً آخر بقانون 27/6/1998م وهو القانون رقم 468/98 وقد عاقب عليها المشرع بالحبس لمدة عام وغرامة 100 الف فرنك, ولقد تم تجريم التحرش اعمالاً لمبدأ المساواة بين الأجناس وحماية الحرية الجنسية ورفض التمييز الجنسي, مع الأخذ في عين الإعتبار أن كلمة التحرش تفترض في اللغة الفرنسية تكرار موقف موقف وجنائياً تكرارالإعتداء المستر وتعني إزعاج, اي التعرض دون توقف إلى هجمات متكررة أي إغارات سريعة لا تتوقف. وهذا وقد تناول المشرع الفرنسي أيضاً جريمة التحرش الجنسي في قانون العمل وسماها التمييز في الوظيفة على أساس التحرش في المادة 151-1-1 من قانون العمل وفرض عقوبة الحبس لمدة عام وغرامة 520 فرنك وأوضح هاتين العقوبتين.
ويتمثل الفرق بين الجريمتين في كل من قانون العقوبات وقانون العمل تتمثل في الضغوط حيث أن المشرع الفرنسي في القانون الجنائي لم يأخذ بالضغوط بخلاف قانون العمل, وأن المنفعة الجنسية في قانون العمل قد تكون للشخص ذاته بل متصور أن تكون للتميز وأن مفهوم التمييز يتضمن مفهوم البعد الإقتصادي لذلك لا يشمل جميع التحرشات التي لا تترجم أي نتيجة مادية, ويلاحظ أن هذه الجريمة من جرائم السلوك والمشرع الفرنسي لا يتطلع لتحقيق نتيجة معينة فالمشرع نظر لهذه الجريمة باعتبار أنها جريمة شكلية لأنه يهدف إلى توفير حماية أكثر للحرية الجنسية, وهذا يتطلب هذه الجريمة توافر اركانها من الركن المادي المتمثل في سلوك الإزعاج الجنسي, والركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي غير أنها جريمة عمدية وأركانها العلم والإرادة, وبذلك نرى أن المشرع الفرنسي أن يكون المفهوم الفرنسي مغايراً للمفهوم الأنجلوامريكي للتحرش, ففي النظام الفرنسي يتعلق الأمر بإستغلال النفوذ في اماكن العمل, أما في المفهوم الامريكي يتضمن التحرش الجنس التمييز على أساس الجنس وهو لا يوجد في مكان العمل فقط ويمكن أن يوجد في أماكن أخرى مثل المدارس والجامعات والمعاهد والمستشفيات, فالولايات المتحدة حساسة للغاية لظواهر التمييز لأسباب تاريخية لأنها مرتبطة بالمشكلة العرقية.
فجريمة التحرش الجنسي في الولايات المتحدة يعتبر اساساً لها في قانون الحقوق المدنية الأمريكي الصادر سنة 1964م حيث يحصر القانون أي تمييز في الإلتحاق بالزظائف على أساس الجنس والدين واللغة والعرق ويحرص بالبتعية عدم التفرقة بين الرجال والنساء في تولي الوظائف. وفي سنة 1980 صدر قانون من لجنة فرص التشغيل المتساوية(I.A.O.S)
يحظر كافة أشكال التمييز الجنسي وتصنيف التحرش الجنسي على طبقتين المقابل وبيئة العمل, وأضاف قانون الحقوق المدنية المعد لـ سنة 1991 شروطاً للحماية من التحرش الجنسي متضمنا الجمع بين الإلتماس من التحرش الجنسي والجمع بين العقوبتين الناتجتين عن اضرار التمييز والتحرش.
وكانت المحكمة العليا الإمريكية سنة 1986م في قضية نبك مير تيون في فينسون أعلنت أن التحرش الجنسي هو تمييز جنس غير قانوني مخالفاً لقانون حقوق مدينة 1964م, والتحرش الجنسي يكون غير قانوني عندما ينشر في مقر العمل نوعاً من التخويف التمييزي, ويغير شروط وظيفة الجنايا وينشئ بيئة عاملة بذيئة. وفي 7/1/1999م ذكرت المحكمة العليا الأمريكية أن المسؤولين يمكن أن يواجهو اتهاماً جنائياً, فالتحرش الجنسي سلوك غير مقبول ولا يجب أن نسمح به في أماكن اعمالنا ومدارسنا, فموقف القضاء الأمريكي يعتبر التحرش الجنسي انتهاكاً للقسم 7 من قانون الحقوق المدنية, وهذا وقد صدر قانون في ولاية كاليفورينا يمنع التحرش الجنسي وكذلك صدر في ولاية الينوي الأمريكية قانون يمنع فيه السلوك التميزي.
فالتحرش الجنسي شكل من أشكال التمييز الجنسي وعدم المساواة وينشئ بيئة عمالية سيئة ويتمثل التحرش الجنسي في اللفظ والقول واللمس الجسدي وهو يستعمل كأساس في القرارات الوظيفية والتحرش الجنسي قد يكون بمقابل وهو الذي يتم فيه الرضوخ للمتحرش الجنسي مقابل الوظيفة أو العمل. وبذلك فإن التحرش الجنسي يفترض أن الأفعال التي يترتب عليها آثار أقتصادية ملموسة على المجني عليه وكذلك تخلف آثار نفسية ويأخذ التحرش الجنسي في أمريكا إحدى صورتين الأولى: التحرش الجنسي مع وجود صلة رئاسية, والثاني: التحرش الجنسي بدون صلة رئاسية.
أما في بلادنا العربية فنجد فقط هذه الجريمة مجرمة في كلاً من المغرب وتونس, ففي الفصل 503/1 من القانون الجنائي المغرب 1963م عاقبت على التحرش حيث جاء نص المادة كما يلي:" يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين وبالغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم, من اجل جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أو أمر أو تهديدات أو رسائل إكراه أو ايه وسيلة أخرى مشغلاً السلطة التي تخولها لها مهامه, لأغراض ذات طبيعة جنسية". وقد أضيف هذا الفصل بمقتضى المادة الخامسة من القانون رقم 29053 المتكلف بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي.
وكذلك معاقب على التحرش الجنسي في المحكمة الجزائرية التونسية بموجب الفصل 226 ثالت اضيفت بالقانون عدد 63لسنة 2004م المؤرخ في 2 أوت2004 والتي جاء نصها كالآتي:" يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار مرتكب التحرش الجنسي. ويعد تحرشاُ جنسياً كل إمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال وأقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حملة على الإستجابة لرغباته أو رغبات غيرخ الجنسية أو بممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات. ويضاعف العقاب اذا ارتكبت الجريمة ضد طفل أو غيره من الأشخاص المستهدفين بصفة خاصة بسبب قصور ذهني أو بدني يعوق تصديهم للجاني" ويلاحظ أن النص التونسي أفضل وأشمل وأحدث من النص المغربي. أما بقية الدول العربية فلم تجرم التحرش الجنسي, وإن كان البعض ينادي أن التشريعات العربية به من الجرائم ما يكفي لمواجهة مثل هذه الأفعال وبخاصة في القانون المصري (ينظر الدكتور/ السيد عتيق في مؤلفه الرائع جريمة التحرش الجنسي, ولكن اتضح من سرد مفاهيم هذه الجريمة أن حالاتها لا ينطبق عليها أوصاف الجرائم التي تمس العرض أو الأداب العامة أو الأسرة وبخاصة الجرائم التي ترتكب في الأماكن المغلقة مثل أماكن العمل أو الدراسة أو البيت. وإني أناشد المشرع الفلسطيني خاصة والمشرع العربي عامة بتقنين جريمة التحرش الجنسي في المدونة العقابية لما لها من أهمية في حماية الحياء العام والخاص وحماية المرأة من الوقوع في برائن تلك الجريمة النكراء مع تشديد العقاب في حالة كون المتحرش بهم من الأطفال. وبالفعل في مسودة مشروع قانون العقوبات الفلسطيني المعدة في عام2010م تم اقرار وتقنين جريمة التحرش الجنسيطبقاُ لمفهومها الحديث وذلك في المادة 405 منه وحينها فعل المشرع الفلسطيني لتلبية متطلبات السياسة الجنائية المعاصرة في مكافحة جريمة التحرش الجنسي.