أَغْفَلَتْ التَّشْرِيعاتُ جَمِيعُها الَّتي وَضَعَتْها الأَنْظِمَةُ السِّياسِيَّةُ والإِدارِيَّةُ الَّتي تَعاقَبَتْ عَلى الأَراضِي الفِلَسْطِينِيَّةِ، بِصَرْفِ النّظَرِ عَنْ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ تَواجُدِها عَلى هذِهِ الأَرْضِ، ودَوْرِ المُجْتَمَعِ الفِلَسْطِينِيِّ وَرَأْيِهِ، بِشَأْنِ مَضْمُونِ التَّشْرِيعاتِ الجارِي إِخْضاعُهُمْ لَها، وماهِيَّتِهِ، سَواءٌ تَمَثَّلَتْ هذِهِ التَّشْرِيعاتُ بِالتَّشْرِيعِ العِقابِيِّ، أو غَيْرِهِ مِنَ التَّشْرِيعاتِ، أو القَراراتِ المُنَظِّمَةِ لِحَياتِهِمْ وَحُقُوقِهِمْ، وَحُرِّيّاتِهِمْ.
ومِنْ هذا المُنْطَلَقِ فَقَدِ ارْتَأَتِ الإِرادَةُ السِّياسِيَّةُ، عِنْدَ إِصْدارِ قَرارِها بِتَشْكِيلِ لَجْنَةٍ خاصَّةٍ لِصِياغَةِ مَشْرُوعِ قانُونِ العُقُوباتِ، أَنْ تُحْدِثَ تَغَيُّراً في آلِيَّةِ اقْتِراحِ القَوانِينِ، مِنْ خِلالِ إِعْطاءِ الفُرْصَةِ لِمُؤَسَّساتِ المُجْتَمَعِ المَدَنِيِّ، ومُؤَسَّساتِ حُقُوقِ الإِنْسانِ، بِالإِضافَةِ إِلى الخُبَراءِ القانُونِيِّينَ الوَطَنِيِّينَ، ومُمَثِّلِينَ المُؤَسَّساتِ الحُكُومِيَّةِ؛ لِتُسْهِمَ، وبِشِكَلٍ فَعّالٍ في مَرْحَلَةِ إِعْدادِ مُسَوَّدَةِ القانُونِ وصِياغَتَهِ بِصُورَةٍ تَتَلاءَمُ مَعَ طَبِيعَةِ الحالِ القائِمِ.
هذا، وبِالإِضافَةِ إِلى حِرْصِ الإِرادَةِ السِّياسِيَّةِ عَلى ضَرُورَةِ انْسِجامِ التَّشْرِيعاتِ السّارِيَةِ ومُواءَمَتِها مَعَ وُجْهَةِ نَظَرِ المُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ، والمُعاهَداتِ الدَّوْلِيَّةِ، وتَوْصِياتِ مُؤَسَّساتِ المُجْتَمَعِ المَدَنِيِّ بِأَطْيافِها الحُقُوقِيَّةِ والاجْتِماعِيَّةِ كافَّةً ، مِنْ ضَرُورَةِ احْتِرامِ القِيمَةِ الإِنْسانِيَّةِ لِلْبَشَرِ وحُرِّيّاتِهِمْ، وحُقُوقِهِمْ.
ومَا تُشَكِّلُهُ التَّشْرِيعاتُ عَلَى أَنْواعِها، وإِجْراءاتِها كافَّةً، كَوْنُها الإِطارَ النّاظِمَ والمُحَدِّدَ لِتَفاصِيلِ العَلاقَةِ ما بَيْنَ الدَّوْلَةِ والأَفْرادِ مِنْ ناحِيَةٍ، والمُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ مِنْ ناحِيَةٍ أُخْرى، وتَعْزِيزُ رُؤْيَةِ السُّلْطَةِ الوَطَنِيَّةِ، وتَنْفِيذاً لِخُطَّتِها لِلْوُصُولِ إلى دَوْلَةِ المُؤَسَّساتِ القادِرَةِ عَلَى وَضْعِ الأُسُسِ السَّلِيمَةِ بِاتِّجاهِ بِناءِ الدَّوْلَةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ، وتَكْرِيسِ مَبْدَأِ سِيادَةِ القانُونِ، وَ اقْتِراحِ قانُونٍ يَنْطَلِقُ مِنْ فَلْسَفَةِ حِمايَةِ الحُقُوقِ، والحُرِّيّاتِ الأَساسِيَّةِ للإِنْسانِ .
ولِذا، فَمِنَ البَدَهِيّاتِ اَنَّ مِنْ سِماتِ التَّشْرِيعِ العِقابِيِّ ارْتِباطَهُ الوَثِيقَ بِقِيَمِ المُجْتَمَعِ، وأَخْلاقِهِ وعاداتِهِ، بِحَيْثُ تُعَدُّ أَحْكامُ التَّشْرِيعِ العِقابِيِّ عَلَى صَعِيدِ أَيِّ مُجْتَمَعٍ انْعِكاساً صادِقاً لِما يَسُودُ المُجْتَمَعُ مِنْ قِيَمٍ ومَبادِىءَ، وناشِئَةً عَنْ تَطَوُّرِ تَفاعُلاتِ أَفْرادِهِ وحِراكِهِمِ الاجْتِماعِيِّ والاقْتِصادِيِّ، و السِّياسِيِّ والثَّقافِيِّ .
ولِهذا، فَيُواكِبُ التَّشْرِيعُ العِقابِيُّ مُنْذُ بَدْءِ تَقْنِينِهِ تِلْكَ التَّفاعُلاتِ مِنْ خِلالِ اهْتِمامِ المُشَرِّعِ الجِنائِيِّ ومُراعاتِهِ لِنَظْرَةِ أَفْرادِ المُجْتَمَعِ وفَلْسَفَتِهِمِ الخاصَّةِ لِماهِيَّةِ القِيَمِ والمَبادِئِ ومَضامِينِها الَّتي اسْتَنَدُوا إِلى الاحْتِكامِ إِلَيْها في تَحْدِيدِ سُلُوكِ الأَفْرادِ، أو مُعامَلاتِهِمْ و تَصَرُّفاتِهِمْ.
وبِالنَّظَرِ إِلى التَّطَوُّرِ والحِراكِ غَيْرِ الثّابِتِ لِلْقِيَمِ والمَبادِئِ عَلَى صَعِيدِ أّيِّ مُجْتَمَعٍ ، فَقَدْ لَجَأَ المُشَرِّعُ الجِنائِيُّ في سَبِيلِ تَلْبِيَةِ احْتِياجاتِ أَفْرادِهِ ومُتَطَلَّباتِهِمْ إِلى مُواكَبَةِ هذا التَّطَوُّرِ في مَجالاتِ الحَياةِ كافَّةً، ومَا قَدْ يَفْرِضُهُ هذا الحِراكُ عَلَى سُلُوكِيّاتِ الأَفْرادِ وَمَبادِئِهِم، وذلِكَ مِنْ خِلالِ إِعادَةِ التَّوَقُّفِ بَيْنَ الحِينِ والآخَرِ أَمامَ مَنْهَجِ التَّجْرِيمِ والعِقابِ؛ لِضَمانِ مُراعاةِ هذِهِ التَّشْرِيعاتِ وتَلْبِيَتِها لاحْتِياجاتِ المُجْتَمَعِ وفاعِلِيَّتِها فى التَّطْبِيقِ.
وَسَنُّ التَّشْرِيعاتِ لا يَتِمُّ مِنْ فَراغٍ، بَلْ هُوَ نَتِيجَةُ تَراكُمِ تَعالِيمِ الشَّرائِعِ السَّماوِيَّةِ، والعاداتِ والتَّقالِيدِ، والقَوانِينِ السّابِقَةِ والإِشْكالِيّاتِ الواقِعِيَّةِ الَّتي تَحْكُمُ المُشَرِّعَ عِنْدَما يَقُومُ بِتَحْدِيدِ المَصالِحِ الجَدِيرَةِ بِالحِمايَةِ.
ولَمّا كانتِ الجَرِيمَةُ تَنْطَوِي عَلَى إِضْرارٍ بِمَصالِحِ المُجْتَمَعِ والأَفْرادِ ، والَّتي نَراها في تَزايُدٍ مُسْتَمِرٍّ، وتُشَكِّلُ مَظْهَراً مِنْ مَظاهِرِ الإِخْلالِ بِالأَمْنِ والسَّكِينَةِ، فَإِنَّ عَلَى السُّلْطَةِ في هذِهِ الحالَةِ أَنْ تَتَّخِذَ مِنَ الإِجْراءاتِ ما يَكْفُلُ مُكافَحَةَ الجَرِيمَةِ مِنْ خِلالِ سِياسَتِها الجِنائِيَّةِ، وأَبْرَزُ أَدواتِها، بِالطَّبْعِ، مَنْهَجُ التَّجْرِيمِ والعِقابِ، ونَتِيجَةً لِذلِكَ، فإِنَّ الدَّوْلَةَ تَرْسُمُ تِلْكَ السِياسَةَ الجِنائِيَّةَ لِمُكافَحَةِ الجَرِيمَةِ بِإِقْرارِها قانُونَ العُقُوباتِ، بِما يَتَضَمَّنُهُ مِنَ القَواعِدِ الَّتي تُحَدِّدُ الأَفْعالَ المَنْهِيَّ عَنِ ارْتِكابِها والجَزاءاتِ المُقَرَّرَةَ لَها .
إِذاً، فَعَلى السُّلْطَةِ واجِبٌ قانُونِيٌّ، وهُوَ حِمايَةُ المُجْتَمَعِ وضَمانُ الاسْتِقْرارِ في حَياةِ الجَماعَةِ، وبِذلِكَ، فَإِنَّ قانُونَ العُقُوباتِ ذو طابَعٍ سِيادِيٍّ تَفْرِضُ مِنْ خِلالِهِ الدَّوْلَةُ هَيْبَتَها، وعَلَيْهِ، فَيُعَدُّ قانُونُ العُقُوباتِ، وَبِحَقٍّ، تَرْجَمَةً تَشْرِيعِيَّةً لِخُطَّةِ الحُكُومَةِ اتِّجاهَ إِنْهاءِ الاحْتِلالِ، وبِناءِ الدَّوْلَةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ، والعَمَلِ عَلَى تَدْعِيمِ السِّلْمِ الاجْتِماعِيِّ، وتَعْزِيزِ العَدالَةِ الجِنائِيَّةِ، ومَبْدَأِ سِيادَةِ القانُونِ، والنُّهُوضِ بِمَعايِيرِ الشِّرْعَةِ الدَّوْلِيَّةِ لِحُقُوقِ الإِنْسانِ عُمُوماً، والنُّهُوضِ بِحُقُوقِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ الإِنْسانِيَّةِ خُصُوصاً، وتَوْحِيدِ النِّظامِ القانُونِيِّ الفِلَسْطِينِيِّ بُغْيَةَ تَحْقِيقِ الأَمْنِ والاسْتِقْرارِ لِمُجْتَمَعِنا الفِلَسْطِينِيِّ، وبِهذا، فَإِنَّ قانُونَ العُقُوباتِ يُعَدُّ قانُوناً مُجْتَمَعِيّاً يَمَسُّ كُلَّ شَرائِحِ المُجْتَمَعِ.
ولا مِراءَ في أَنَّ القِيَمَ والمَبادِئَ الخاصَّةَ بِأَيِّ مُجْتَمَعٍ أَسْهَمَتْ في بَلْوَرَةِ التَّوَجُّهِ العامِّ لِفَلْسَفَةِ التَّشْرِيعِ الجِنائِيِّ، وتَحْدِيدِهِ عَلَى صَعِيدِ المُجْتَمَعاتِ البَشَرِيَّةِ كافَّةً، إِلا أّنَّ المُشَرِّعَ الجَزائِيَّ لَدَيْنا، باتَ مَحْكُوماً، في وَقْتِنا الرّاهِنِ أَيْضاً، بِقِيَمِ المُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ ومَبادِئِهِ، وسِياسَتِهِ الجِنائِيَّةِ المُعاصِرَةِ، ولَيْسَ هذا فَحَسْبُ، بَلْ إِنَّ مَبادِئَ المُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ قَدِ اكْتَسَبَتِ القُوَّةَ القانُونِيَّةَ المُلْزِمَةَ، جَرّاءَ الاعْتِرافِ الدَّوْلِيِّ الصَّرِيحِ بِسُمُوِّ قَواعِدِها، ومَبادِئِها عَلَى مَجْمُوعِ القَواعِدِ والمَبادِئِ المَحِلِّيَّةِ.
وهذِهِ المَبادِئُ، بِدَوْرِها ودُونَ شَكٍّ، تُعَدُّ مِنْ مَجْمُوعِ الحُقُوقِ والحُرِّيّاتِ المُقَنَّنَةِ بِمَتْنِ المَواثِيقِ الدَّوْلِيَّةِ النّاظِمَةِ لِحُقُوقِ الإِنْسانِ وحُرِّيّاتِهِ، فَضْلاً عَنِ مَجْمُوعِ المَبادِئِ الجِنائِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ النّاظِمَةِ لأُسُسِ التَّجْرِيمِ والعِقابِ، الَّتي أَقَرَّها المُجْتَمَعُ الدَّوْلِيُّ كَأساسٍ ناظِمٍ لِلْفَلْسَفَةِ العِقابِيَّةِ.
واسْتِناداً لِلْقِيمَةِ القانُونِيَّةِ المُلْزِمَةِ لِلْمَبادِئِ الدَّوْلِيَّةِ، أَضْحَى المُشَرِّعُ الجِنائِيُّ الوَطَنِيُّ مُلْزَماً بِاحْتِرامِ هذِهِ المَبادِئِ ومُراعاتِها، سَواءٌ عَلَى صَعِيدِ امْتِناعِهِ، أو تَجَنُّبِهِ النَّصَّ عَلَى تَجْرِيمِ ما أَباحَتْهُ الأُسْرَةُ الدَّوْلِيَّةُ، أو إِباحَتِةِ مَا جَرَّمَهُ المُجْتَمَعُ الدَّوْلِيُّ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُراعِيَ القَواعِدَ الَّتي تَتَعَلَّقُ بِالمُساواةِ بَيْنَ الرَّجُلِ والمَرْأَةِ مَعَ مُراعاةِ قِيَمِ المُجْتَمَعِ الفِلَسْطِينِيِّ وتَقالِيدِهِ، وكَذلِكَ عَدَمُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ المُواطِنِينَ عَلَى أَساسِ العِرْقِ، أو الدِّينِ، وأَيْضاً احْتِرامُ حَقِّ الأَفْرادِ بِالحَياةِ، وخَطَرُ التَّعْذِيبِ، وغَيْرُهُ مِنْ ضُرُوبِ المُعامَلَةِ الحاطَّةِ بِالكَرامَةِ الإِنْسانِيَّةِ، والاتِّجارِ بِالبَشَرِ، والأَفْعالِ الَّتي جَرَّمَها القانُونُ كافَّةً .
وهذا يَقْتَضِي تَوْضِيحَ الأَساسِ القانُونِيِّ لالْتِزامِ السُّلْطَةِ الوَطَنِيَّةِ بِاحْتِرامِ المَواثِيقِ والمُعاهَداتِ، والاتِّفاقِيّاتِ الدَّوْلِيَّةِ، ودَواعِي إِصْدارِ قانُونِ عُقُوباتٍ فِلَسْطِينِيٍّ جَدِيدٍ ومُبَرِّراتِهِ، والفَلْسَفَةِ الجِنائِيَّةِ المُتَّبَعَةِ فى إِعْدادِ قانُونِ العُقُوباتِ، وأَهْدافِ قانُونِ العُقُوباتِ، ومَصادِرِ مَشْرُوعِ قانُونِ العُقُوباتِ.والهَيْكَلُ التَّنْظِيمِيُّ العامُّ لِقانُونِ العُقُوباتِ، و السِّماتُ العامَّةُ لِقانُونِ العُقُوباتِ
أَوَّلاً:الأَساسُ والسَّنَدُ القانُونِيُ لِوُجُوبِ الْتِزامِ السُّلْطَةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ، بِاحْتِرامِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مَواثِيقُ القانُونِ الدَّوْلِيِّ لِحُقُوقِ الإِنْسانِ، وَتَطْبِيقِهِ، والقانُونِ الدَّوْلِيِّ الإِنْسانِيِّ مِنْ مَبادِئَ واعْتِباراتٍ عِدَّةٍ أَهَمُّها :
أَوَّلاً:عُضْوِيَّةُ مُنَظَّمَةِ التَّحْرِيرِ الفِلَسْطِينِيَّةِ في هَيْئَةِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، بِمُقْتَضَى قَرارِ الجَمْعِيَّةِ العامَّةِ لِلأُمَمِ المُتَّحِدَةِ رَقْمُ (3237 /د – 29 )بِتارِيخِ 22 تِشْرِينَ الثّانِي لِعامِ 1974م، الَّذي مَنَحَ مُنَظَّمَةَ التَّحْرِيرِ الفِلَسْطِينِيَّةَ صِفَةَ المُراقِبِ في الهَيْئَةِ الدَّوْلِيَّةِ، وكَذلِكَ تَمَّ بِمُقْتَضَى القَرارِ رَقْمُ (43/177) بِتارِيخِ 15 كانُونَ أَوَّلَ عامَ 1988م اسْتِعْمالُ اسْمِ فِلَسْطِينَ بَدَلاً مِنْ مُنَظَّمَةِ التَّحْرِيرِ الفِلَسْطِينِيَّةِ في مَنْظُومَةِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ ، وبِالطَّبْعِ، فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى امْتِلاكِ المُنَظَّمَةِ لِهذا المَرْكَزِ الْتِزامُها الصَّرِيحُ بِاحْتِرامِ مِيثاقِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، ومَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ إِعْلاناتٍ، و قَراراتٍ خاصَّةٍ بِحُقُوقِ الإِنْسانِ، وحُرِّياتِهِ.
ثانِياً: أَكَّدَتْ وَثِيقَةُ الاسْتِقْلالِ الصّادِرَةِ عَنِ المَجْلِسِ الوَطَنِيِّ الفِلَسْطِينِيِّ في دَوْرَتِهِ المُنْعَقِدَةِ في الجَزائِرِ عامَ 1988م، عَلَى الْتِزامِ دَوْلَةِ فِلَسْطِينَ الصَّرِيحِ بِضَرُورَةِ احْتِرامِ أَحْكامِ مِيثاقِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، والإِعْلانِ العالَمِيِّ لِحُقُوقِ الإِنْسانِ.
وبِالنَّظِرِ إِلى كَوْنِ هذِهِ الوَثِيقَةِ تُجَسِّدُ الأَساسَ القانُونِيَّ، والمَرْجِعِيَّةَ العُلْيا لِلْمَبادِئِ، والأُسُسَ الَّتي سَتَقُومُ عَلَيْها دَوْلَةُ فِلَسْطِينَ، فَمِنْ هُنا اقْتَضَتِ الضَّرُورَةُ، دُونَ شَكٍّ، الْتِزامَ السُّلْطَةِ بِاحْتِرامِ هذا المِيثاقِ والامْتِناعِ عَنِ القِيامِ بِأَيِّ عَمَلٍ، أو إِجْراءٍ يَتَناقَضُ مَعَهُ، أو يُخالِفُهُ، لِما لِهذِهِ الوَثِيقَةِ مِنْ قِيمَةٍ، ومَرْكَزٍ قانُونِيٍّ مُمَيَّزٍ يَضَعُها بِمَصافِّ القَواعِدِ الدُّسْتُورِيَّةِ ودَرَجَتِها الَّتي لا يَجُوزُ، بِأَيَّةِ حالٍ مِنَ الأَحْوالِ لِلْقَوانِينِ، والتَّشْرِيعاتِ العادِيَّةِ أَنْ تُخالِفَها، أو تَخْرُجَ عَنْ أَحْكامِها.
ثالثاً: الإِعْلانُ الصّادِرُ عَنْ رَئِيسِ مُنَظَّمَةِ التَّحْرِيرِ الفِلَسْطِينِيَّةِ عامَ 1988م في عِدَّةِ مُناسَباتٍ، و مَواقِفَ عَنِ الْتِزامِ مُنَظَّمَةِ التَّحْرِيرِ الفِلَسْطِينِيَّةِ الصَّرِيحِ، ومِنْ جانِبٍ واحِدٍ بِاتِّفاقِيّاتِ جِنِيفَ الأَرْبَعِ لِعامِ 1949 م، وقَدْ قُبِلَ هذا الالْتِزامِ مِنْ جانِبِ المُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ مِمّا يَقْتَضِي وُجُوبَ انْسِجامِ أَيِّ تَشْرِيعِ فِلَسْطِينِيٍّ مَعَ أَحْكامِ هذِهِ الاتِّفاقِيّاتِ.
رابعاً: يَتَرَتَّبُ عَلَى امْتِلاكِ بَعْضِ مَواثِيقِ القانُونِ الدَّوْلِيِّ لِحُقُوقِ الإِنْسانِ، القِيمَةُ القانُونِيَّةُ الآمِرَةُ ، الْتِزامُ أَشْخاصِ القانُونِ الدَّوْلِيِّ العامِّ بِاحْتِرامِ هذِهِ المَواثِيقِ وإِنْفاذِها، بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنِ العُضْوِيَّةِ فِيها، كَما هُوَ الحالُ مَعَ الاتِّفاقِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ لِمُناهَضَةِ التَّعْذِيبِ، وغَيْرِهِ مِنْ ضُرُوبِ المُعامَلَةِ القاسِيَةِ والحاطَّةِ بِالكَرامَةِ، لِهذا، فَيَقَعُ عَلَى عاتِقِ مُنَظَّمَةِ التَّحْرِيرِ والسُّلْطَةِ الوَطَنِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ، مَسْؤُولِيَّةٌ وَواجِبُ احْتِرامِ هذِهِ المَواثِيقِ والعَمَلِ عَلَى إِنْفاذِها.
خامساً: الْتِزامُ السُّلْطَةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ بِتَطْبِيقِ المَوادِّ القانُونِيَّةِ المُشارِ إِلَيْها وإِنْفاذِها، في القانُونِ الأَساسِيِّ الفِلَسْطِينِيِّ لِسَنَةِ 2003 م وتَعْدِيلاتِهِ، والَّتي تَفْرِضُ عَلَى السُّلْطَةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ وُجُوبُ احْتِرامِ حُقُوقِ الإِنْسانِ، وحُرِّيّاتِهِ، بِالإِضافَةِ إِلى العَمَلِ دُونَ إِبْطاءِ عَلَى الانْضِمامِ إِلى الإِعْلاناتِ، والمَواثِيقِ الدَّوْلِيَّةِ، والإِقْلِيمِيَّةِ الَّتي ضَمِنَتِ الحِفاظَ عَلَى حُقُوقِ الإِنْسانِ وحُرِّيّاتِهِ، وَفْقاً لِلْمادَّةِ (10) مِنَ القانُونِ الأَساسِيِّ الفِلَسْطِينِيِّ والَّتي تَنُصُّ :
"1- حُقُوقُ الإِنْسانِ وحُرِّيّاتُه الأَساسِيَّةُ مُلْزِمَةً وَواجِبَةَ الاحْتِرامِ.
2- تَعْمَلُ السُّلْطَةُ الفِلَسْطِينِيَّةُ دُونَ إِبْطاءٍ عَلَى الانْضِمامِ إِلى الإِعْلاناتِ والمَواثِيقِ الإِقْلِيمِيَّةِ والدَّوْلِيَّةِ الَّتي تَحْمِي حُقُوقَ الإِنْسانِ ".
ولِهذا، فَقَدْ راعَى قانُونُ العُقُوباتِ المَبادِئَ والمَعايِيرَ الدَّوْلِيَّةَ لِحِمايَةِ حُقُوقِ الإِنْسانِ والمَرْأَةِ والطِّفْلِ الوَارِدَةِ في الاتِّفاقِيّاتِ الدَوْلِيَّةِ، ومنها:
1) الإِعْلانُ العالَمِيُّ لِلْقَضاءِ عَلَى العُنْفِ ضِدَّ المَرْأَةِ الصّادِرُ عَنِ الجَمْعِيَّةِ العامَّةِ لِلأُمَمِ المُتَّحِدَةِ لِسَنَةِ 1993 م.
2) الأَخْذُ بِمَبادِئِ مِيثاقِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ لِسَنَةِ 1945 م.
3) اتِّفاقِيّاتُ جِنِيفَ الأَرْبَعِ، وخُصُوصاً المادَّةَ الثّانِيَةَ مِنْ اتِّفاقِيَّةِ جِنِيفَ .
4) الإِعْلان العالَمِيُّ لِحُقُوقِ الإِنْسانِ الصّادِرُ عَنِ الجَمْعِيَّةِ العامَّةِ لِلأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، لِسَنَةِ 1948م.
5) العَهْدُ الدَّوْلِيُّ الخاصُّ بِالحُقُوقِ الاقْتِصادِيَّةِ والاجْتِماعِيَّةِ والثَّقافِيَّةِ، الصّادِرُ عَنِ
الجَمْعِيَّةِ العامَّةِ لِلأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، في 16 دِيسَمْبَرَ 1966م.
6) العَهْدُ الدَّوْلِيُّ الخاصُّ بِالحُقُوقِ المَدَنِيَّةِ والسِّياسِيَّةِ الصّادِرُ عَنِ الجَمْعِيَّةِ العامَّةِ
لِلأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، في 16 دِيسِمْبَرَ 1966م.
7) إِعْلانُ القَضاءِ عَلَى أَشْكالِ التَّمْيِيزِ جَمِيعِها ضِدَّ المَرْأَةِ لِسَنَةِ 1967م.
8) اتِّفاقِيَّةِ القَضاءِ عَلَى أَشْكالِ التَّمْيِيزِ كافَّةً ضِدَّ المَرْأَةِ " اتِّفاقِيَّةُ السِّيداو " لِسَنَة 1979م.
9) اتِّفاقِيَّةُ مُناهَضَةِ التَّعْذِيبِ لِعامِ 1984م.
10) الاتِّفاقِيّاتُ الموَحِدَةُ لِلْمُخَدِّراتُ لِسَنَةِ 1961م.
11) الاتِّفاقِيّاتُ الدَّوْلِيَّةُ لِلْمُؤَثِّراتِ العَقْلِيَّةِ لِسَنَةِ 1971م.
12 (اتِّفاقِيَّةُ حُقُوقِ الطِّفْلِ الدَّوْلِيَّةُ رَقْمُ 182 لِسَنَةِ 1999م.
13 (الاتِّفاقِيَّةُ العَرَبِيَّةُ لِمُكافَحَةِ الإِرْهابِ لِسَنَةِ 1998م.
14 ) الاتِّفاقِيَّةُ الدَّوْلِيَّةُ لِمُكافَحَةِ الفَسادِ لِسَنَةِ 2003 م .
15 ) الاتِّفاقِيَّةُ الدَّوْلِيَّةُ المُتَعَلِّقَةُ بِالرِّقِّ لِسَنَةِ 1926 م، والاتِّفاقِيَّةُ التَّكْمِيلِيَّةُ لإِبْطالِ الرِّقِّ
وتِجارَةِ الرَّقِيقِ، والأَعْرافِ والمُمارَساتِ الشَّبِيهَةِ بِالرِّقِّ لِسَنَةِ 1956 م .
16 ) الاتِّفاقِيَّةُ الدَّوْلِيَّةُ لِحَظْرِ الاتِّجارِ بِالأَشْخاصِ، واسْتِغْلالِ دَعارَةِ الآخَرِينَ لِسَنَةِ
1949م.
17 (اتِّفاقِيَّةُ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ لِمُكافَحَةِ الجَرِيمَةِ المُنَظَّمَةِ لِسَنَةِ 2003م.
18 ) الاتِّفاقِيّاتُ الدَّوْلِيَّةُ لِحِمايَةِ البِيئَةِ الإِنْسانِيَّةِ البَحْرِيَّةِ، والجَوِّيَّةِ، والبَرِّيَّةِ، وتَحْسِينِها.
19 ) الاتِّفاقِيَّةُ العَرَبِيَّةُ لِمُكافَحَةِ الفَسادِ لِسَنَةِ 2010 م.
20 الاتِّفاقِيَّةُ العَرَبِيَّةُ لِمُكافَحَةِ غَسْلِ الأَمْوالِ، وتَمْوِيلِ الإِرْهابِ لِسَنَةِ 2010 م.
21 ) الاتِّفاقِيَّةُ العَرَبِيَّةُ لِنَقْلِ نُزَلاءِ المُؤَسَّساتِ العِقابِيَّةِ، والإِصْلاحِيَّةِ لِسَنَةِ 2010 م.
22 ) الاتِّفاقِيَّةُ العَرَبِيَّةُ لِمُكافَحَةِ جَرائِمِ تَقَنِيَّةِ المَعْلُوماتِ لِسَنَةِ 2010 م.
23 ) الاتِّفاقِيَّةُ العَرَبِيَّةِ لِمُكافَحَةِ الجَرِيمَةِ عَبْرَ الحُدُودِ الوَطَنِيَّةِ لِسَنَةِ 2010 م.
ثانياً: دَواعِي ومُبَرِّراتُ إِصْدارِ قانُونِ عُقُوباتٍ فِلَسْطِينِيٍّ:
يُمْكِنُنا القَوْلُ: إِنَّ هُناكَ الكَثِيرَ مِنَ المُبَرِّراتِ الَّتي تَقْتَضِي وَضْعَ هذا القانُونِ، تَتَمَثَّلُ في:
أَوَّلاً: تَوْحِيدُ التَّشْرِيعِ العِقابِيِّ المُطَبَّقِ لَدَى دَوْلَةِ فِلَسْطِينَ:
فَقَدْ تَعَدَّدَتْ، وتَبايَنَتِ التَّشْرِيعاتِ العِقابِيَّةِ النّافِذَةِ لَدَيْنا، نَتِيِجَةَ لِتَعَدُّدِ الأَنْظِمَةِ السِّياسِيَّةِ والإِدارِيَّةِ، وتَبايُنِها الَّتي خَضَعَتْ لَها دَوْلَةُ فِلَسْطِينَ طَوالَ السَّنَواتِ المُمْتَدَّةِ مَا بَيْنَ زَوالِ الدَّوْلَةِ العُثْمانِيَّةِ ولِغايَةِ الآنَ، حَيْثُ فُرِضَتْ عَلَى الأَراضِي الفِلَسْطِينِيَّةِ مَنْظُومَةٌ قانُونِيَّةٌ مُكَوَّنَةٌ مِنْ مَزِيجٍ غَيْرِ مُتَجانِسٍ مِنْ أَرْبَعَةِ تَشْرِيعاتٍ عِقابِيَّةٍ، وهِيَ ( تَشْرِيعاتُ الانْتِدابِ البَرِيطانِيُّ، التَّشْرِيعاتُ العِقابِيَّةُ المَصْرِيَّةُ، التَّشْرِيعاتُ العِقابِيَّةُ الأُرْدُنِيَّةُ، والأَوامِرُ العَسْكَرِيَّةُ لِدَوْلَةِ الاحْتِلالِ).
ومِنْ هذا المُنْطَلَقِ يَقْتَضِي بِنا الحالُ العَمَلُ عَلَى إِلْغاءِ سَرَيانِ هذِهِ المَنْظُومَةِ القانُونِيَّةِ المُتَعَدِّدَةِ، وغَيْرِ المُتَجانِسَةِ عَلَى مُسْتَوى دَوْلَةِ فِلَسْطِينَ، واسْتِبْدالُها مَنْظُومَةً قانُونِيَّةً فِلَسْطِينِيَّةً.
ثانياً: قِدَمُ التَّشْرِيعاتِ العِقابِيَّةِ السّارِيَّةِ عَلَى الأَراضِي الفِلَسْطِينِيَّةِ:
لَمْ تَزَلِ الأَراضِي الفِلَسْطِينِيَّةُ مَحْكُومَةً بِكُلٍّ مِنَ القانُونِ الفِلَسْطِينِييِّ رَقْمُ 74 لِسَنَةِ 1936م، وتَعْدِيلاتِهِ الَّذي تَمَّ فَرْضُهُ زَمَنَ الانْتِدابِ البَرِيطانِيِّ، والسّارِي المَفْعُولُ في قِطاعِ غَزَّةَ، وقانُونِ العُقُوباتِ الأُرْدُنِيِّ رَقْمُ (16) لِسَنَةِ 1960م، وتَعْدِيلاتِهِ السّارِي المَفْعُولُ في الضِّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ.
ونَجِدُ فِيهما كَثْرَةَ العُيُوبِ، فَعَلَى سَبِيلِ المِثالِ لُوحِظَ أَنَّ خُطَّةَ تِلْكَ القَوانِينِ في مُعالَجَةِ بَعْضِ المَوْضُوعاتِ غَيْرُ مَنْطِقِيَّةٍ .
ويَتَّضِحُ ذلِكَ بِصِفَةٍ خاصَّةٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ نُصَّ عَلَى الجَزاءِ الجِنائِيِّ قَبْلَ الجَرِيمَةِ ، وكَذلِكَ لم يَضَعْ نَظَرِيَّةً عامَّةً مُتَكامِلَةً لأَسْبابِ انْتِفاءِ المَسْؤُولِيَّةِ الجَزائِيَّةِ، سَواءٌ المَوْضُوعِيَّةُ، أَوِ الشَّخْصِيَّةُ ، إِذا لم يَتَضَمَّنْ نُصُوصاً بِشَأْنِ الغَلَطِ في القانُونِ.
وتَنَاوُلُ الدِّفاعِ الشَّرْعِيِّ في القِسْمِ الخاصِّ بِصَدَدِ جَرائِمَ مُعَيَّنَةٍ هي القَتْلُ، والضَّرْبُ والجَرْحُ، وضِيقٌ مِنْ نِطاقِ تَطْبِيقِ الجُنُونِ كَمانِعٍ مِنْ مَوانِعِ المَسْؤُولِيَّةِ.
ثالثاً: مُواكَبَةُ تَطَوُّرِ المُجْتَمَعِ الفِلَسْطِينِيِّ:
لم تَعُدِ المَنْظُومَةُ القانُونِيَّةُ المُطَبَّقَةُ، لَدَيْنا، قادِرَةً عَلَى تَلْبِيَةِ حاجاتِ الأَفْرادِ، و المُجْتَمَعِ الفِلَسْطِينِيِّ، فَقَدْ تَطَوَّرَ المُجْتَمَعُ الفِلَسْطِينِيُّ تَطَوُّراً مَلْحُوظاً عَلَى نَحْوٍ أَصْبَحَ مُخْتَلِفاً عَمّا كانَ عَلَيْهِ عِنْدَ وَضْعِ القانُونَيْنِ المُشارِ إِلَيْهما.
وتَطَوَّرَتِ الظّاهِرَةُ الإِجْرامِيَّةُ تَبْعاً لِذلِكَ، فَازْدادَتْ مِنْ حَيْثُ الكَمُّ ، وظَهَرَتْ أَشْكالٌ جَدِيدَةٌ لَها: كَجَرائِمِ المَعْلُوماتِيَّةَ، وجَرائِمِ الاتِّجارِ بِالأَعْضاءِ البَشَرِيَّةِ، وجَرائِمِ التَّمْيِيزِ، والجَرائِمِ الواقِعَةِ ضِدَّ الإِنْسانِيَّةِ، وجَرائِمِ الإِبادَةِ الجَماعِيَّةِ، وجَرائِمِ العِصاباتِ الكَبِيرَةِ ، والإِرْهابِ المُنَظَّمِ ، والاتِّجارِ في المُخَدَّراتِ والجَرائِمِ الاقْتِصادِيَّةِ، وجَرائِمِ البِيئَةِ، وجَرائِمِ الاعْتِداءِ عَلَى صِحَّةِ المُسْتَهْلِكِينَ، وتِلْكَ الَّتي تَمَسُّ بِأَمْنِ العُمّالِ وسَلامَتِهِمْ، وغَيْرِها.
وكَذلِكَ أَصْبَحَتِ الأَشْخاصُ المَعْنَوِيَّةُ، بِأَنْواعِها المُخْتَلِفَةِ، مِنَ المُقَوِّماتِ الأَساسِيَّةِ في الحَياةِ الاقْتِصادِيَّةِ والاجْتِماعِيَّةِ. وهذِهِ الأَشْخاصُ لا تَخْضَعُ لِلْمَسْؤُولِيَّةِ الجَزائِيَّةِ – في قانُونِ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيِّ الانْتِدابِيِّ لِسَنَةِ 1936م، وتَعْدِيلاتِهِ – رَغْمَ أَنَّها يُمْكِنُ أَنْ تُرْتَكَبَ جَرائِمُ عَلَى دَرَجَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الخُطُورَةِ في الكَثِيرِ مِنَ المَجالاتِ.
وتَطَوَّرَتْ أَيْضاً أَغْراضُ الجَزاءِ الجِنائِيِّ: فِعِلْمُ العِقابِ الحَدِيثِ يُرَكِّزُ عَلَى دَوْرِ العُقُوبَةِ، والتَّدْبِيرِ في الإِصْلاحِ والتَّأْهِيلِ ، وعَلَى وُجُوبِ تَفْرِيدِ الجَزاءِ الجِنائِيِّ سَواءٌ في مَرْحَلَةِ التَّطْبِيقِ، أَوِ التَّنْفِيذِ.
حَيْثُ خَلَتْ هذِهِ التَّشْرِيعاتُ مِنَ النَّصِّ بِشَكْلٍ واضِحٍ عَلَى تَجْرِيمِ الكَثِيرِ مِنَ الأَفْعالِ الَّتي باتَ المُجْتَمَعُ بِحاجَةٍ ماسَّةٍ إِلى تَجْرِيمِها، نَذْكُرُ مِنْها، وعَلَى هذا الأَساسِ باتَ مِنَ الضَّرُورِيِّ بِمَكانِ وَضْعِ تَشْرِيعٍ عِقابِيٍّ فِلَسْطِينِيٍّ، يُراعِي خُصُوصِيَّةَ المُجْتَمَعِ الفِلَسْطِينِيِّ واحْتِياجاتِ أَفْرادِهِ، وسُبُلَ حِمايَتِهِ، وتَعْزِيزَ مَصالِحِهِ الأَساسِيَّةِ.
رابعاً: تَعارُضُ وعَدَمُ انْسِجامِ أَحْكامِ التَّشْرِيعاتِ العِقابِيَّةِ السّارِيَةِ مَعَ المَنْظُومَةِ الدَّوْلِيَّةِ:
تَمَّ وَضْعُ هذِهِ التَّشْرِيعاتِ قُبَيْلَ إِصْدارِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ لِلإعْلانِ العالَمِيِّ لِحُقُوقِ الإِنْسانِ، كَما أَنَّ كُلاً مِنَ التَّشْرِيعِ العِقابِيِّ الفِلَسْطِينِىِّ الانْتِدابِيِّ، والتَّشْرِيعِ العِقابِيِّ الأُرْدُنِيِّ قَدْ تَمَّ وَضْعُهُما قَبْلَ إِصْدارِ العَهْدِ الدَّوْلِيِّ الخاصِّ بِالحُقُوقِ المَدَنِيَّةِ والسِّياسِيَّةِ، والعَهْدِ الدَّوْلِيِّ الخاصِّ بِالحُقُوقِ الاقْتِصادِيَّة، والاجْتِماعِيَّةِ، والثَّقافِيَّةِ، وغَيْرِها مِنَ الاتِّفاقِيّاتِ الدَّوْلِيَّةِ النّاظِمَةِ لِحُقُوقِ الإِنْسانِ، والمُعَبِّرَةِ عَنْ فَلْسَفَةِ التَّجْرِيمِ والعِقابِ الدَّوْلِيِّ، كاتِّفاقِيَّةِ القَضاءِ عَلَى أَشْكالِ التَّمْيِيزِ جَمِيعِها ضِدَّ المَرْأَةِ واتِّفاقِيَّةِ حُقُوقِ الطِّفْلِ.
وهذا يُوجِبُ التَّعْبِيرَ عَنِ القِيَمِ الَّتي يَقُومُ عَلَيْها المُجْتَمَعُ الفِلَسْطِينِيُّ المُعاصِرُ. وذلكَ بِاحْتِرامِ حُقُوقِ الإِنْسانِ؛ لِكَوْنِ حُقُوقِ الإِنْسانِ تُشَكِّلُ الأَساسَ الأَخْلاقِيَّ لِلثَّقافَةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ.
وبِالتّالِي، فَيَنْبِغِي أَنْ تَجِدَ ما يُعَبِّرُ عَنْها في قانِونِ العُقُوباتِ، ويُلْحَظُ أَنَّ نُصُوصَ قانُونَيِ العُقُوباتِ المَذْكُورَيْنِ قَدْ جَعَلا الأَوْلَوِيَّةَ لِلدِّفاعِ عَنِ الدَّوْلَةِ، والمِلْكِيَّةِ الفَرْدِيَّةِ،
إِلى جانِبِ حِمايَةِ المُؤَسَّساتِ والسِّلْمِ العامِّ، والأَمْوالِ والمَصالِحِ الاقْتِصادِيَّةِ، بَيْنَما يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الغايَةُ الأُولى لِقانُونِ العُقُوباتِ الجَدِيدِ هِيَ الدِّفاعَ عَنِ الإِنْسانِ ضِدَّ صُوَرِ المَساسِ بِحُقُوقِهِ الأَساسِيَّةِ جَمِيعِها: كَحَقِّهِ في الحَياةِ ، وفي سَلامَةِ جِسْمِهِ، وحُرِّياتِهِ، وأَمْنِهِ، وكَرامَتِهِ، وبِيئَتِهِ. كَما يَجِبُ أَنْ يَتَّجِهَ قانُونُ العُقُوباتِ إِلى حِمايَةِ الإِنْسانِ مِنَ الجَرائِمِ المُسْتَحْدَثَةِ ، وفي مُقَدِّمَتِها الجَرِيمَةُ المُنَظَّمَةُ .
والَّتي تَتَّخِذُ صُوَراً مُتَعَدِّدَةً عَلَى دَرَجَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الخُطُورَةِ ، مِثُلَ: الاتِّجارِ المُنَظَّمِ في المُخَدِّراتِ، والقِوادَةِ المُنَظَّمَةِ، وسَلْبِ أَمْوالِ الأَشْخاصِ تَحْتَ التَّهْدِيدِ بِالسِّلاحِ، والَّتي تُرْتَكَبُ مِنْ جَماعَةٍ مُنَظَّمَةٍ، والإِرْهابُ: وهو يُعَدُّ مِنْ أَخْطَرِ أَشْكالِ الإِجْرامِ، حَيْثُ تُرْتَكَبُ الاغْتِيالاتُ، ويَتِمُّ أَخْذُ الرَّهائِنِ، وخَطْفُ الطّائِراتِ، وحَجْزُ الأَشْخاصِ، وإِتْلافُ الأَمْوالِ عَنْ طَرِيقِ المُتَفَجِّراتِ.
وهذِهِ الجِناياتُ يَنْبَغِي أَنْ تُواجَهَ بِعُقُوباتٍ شَدِيدَةٍ. ولِذا، فَيَلْزَمُ تَجْدِيدُ نُصُوصِ التَّجْرِيمِ، بِحَيْثُ يَشْمَلُ قانُونُ العُقُوباتِ الجَدِيدُ كُلَّ صُوَرِ الجَرائِمِ الحَدِيثَةِ المُرْتَبِطَةِ، وذلِكَ عِوَضاً عَنِ النَّصِّ عَلَيْها في العَدِيدِ مِنَ التَّشْرِيعاتِ الخاصَّةِ .
خامساً: تَحْقِيقُ المُساواةِ بَيْنَ أَفْرادِ المُجْتَمَعِ:
بِالنَّظَرِ لِتَعَدُّدِ التَّشْرِيعاتِ العِقابِيَّةِ السّارِيَةِ وتَنَوُّعِها، اخْتَلَفَتْ حُقُوقُ الأَفْرادِ والْتِزاماتُهُمْ عَلَى صَعِيدِ الوَطَنِ، فَهُناكَ فُروقاً واضِحَةٌ في طَبِيعَةِ الأَفْعالِ المُجَرَّمَةِ ومِقْدارِ العُقُوبَةِ المُقَرَّرَةِ عَلَى هذِهِ الأَفْعالِ ما بَيْنَ الضِّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ وقِطاعِ غَزَّةَ.
وعَلَى هذا الأَساسِ تَقْتَضِي قَواعِدُ العَدالَةِ، والإِنْصافِ، وإِعْمالاً لِمَبْدَأِ المُساواةِ أَمامَ القانُونِ، تَدَخُّلَ المُشَرِّعِ الفِلَسْطِينِيِّ لِوَقْفِ هذا الاخْتِلافِ في التَّجْرِيمِ والعُقُوبَةِ عَلى مُسْتَوى الوَطَنِ الواحِدِ، تَحْقِيقاً لِوَحْدَةِ الوَطَنِ. وكَذلِكَ عَدَمُ المُساوةِ بَيْنَ الرَّجُلِ والمَرْأَةِ في قانُونَيِ العُقُوباتِ.
سادساً: تَجاهُلُ هذِهِ التَّشْرِيعاتِ لِحُقُوقِ المَرْأَةِ والطِّفْلِ:
لم يَقْتَصِرِ الخَلَلُ في التَّشْرِيعاتِ العِقابِيَّةِ المَوْرُوثَةِ والمُطَبَّقَةِ لَدَيْنا، عَلَى إِغْفالِ هذِهِ التَّشْرِيعاتِ لِحاجاتِ الفَرْدِ والمُجْتَمَعِ، وإِنَّما غَفَلَتْ أَيْضاً، وبِصُورَةٍ مُجْحِفَةٍ عَنْ أَيِّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظاهِرِ الاهْتِمامِ بِمُكَوِّناتِ الفِئاتِ الاجْتِماعِيَّةِ الأُخْرى، وتحْدِيداً الطِفْلَ، والمَرْأَةَ، فَقَدْ غابَ الاهْتِمامُ الحَقِيقِيُّ بِاحْتِياجاتِها، وخُصُوصِيَّتِها، بَلْ وضَماناتِ حَقِّها في احْتِرامِ كَيْنُونَتِها، وإِرادَتِها، وتَوْفِيرِ حِمايَةٍ جَزائِيَّةٍ لِتِلْكَ الطَّوائِفِ المَجْنِيِّ عَلَيْها والأَكْثَرِ ضَعْفاً .
ثالثاً: الفَلْسَفَةُ الجِنائِيَّةُ المُتَّبَعَةُ في إِعْدادِ قانُونِ العُقوباتِ:
لا شَكَّ في أَنَّ السِّياسَةَ الجِنائِيَّةَ هِيَ في الأَساسِ رَأْيُ المُشَرِّعِ، وأَنَّها تَتَأَثَّرُ بِالأَفْكارِ والقِيَمِ السّائِدَةِ، فَهِيَ لِذلِكَ، سِياسَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ، وعَلَيْهِ، فَإِنَّهُ بِمِقْدارِ ما يَتَوافَرُ لِلتَّشْرِيعِ مِنْ هذَيْنِ العُنْصُرَيْنِ الأَساسَيْنِ يَكُونُ التَّفاضُلُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّشْرِيعاتِ المُقارِنَةِ والحُكْمِ لَهُ، أو عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ صَلاحُهُ لِلْبَقاءِ، أو ضَرُورَةُ التَّعْدِيلِ فِيهِ .
ويُمْكِنُ القَوْلُ: إِنَّ هُناكَ طَرِيقَتَيْنِ لِصِياغَةِ التَّشْرِيعاتِ: طَرِيقَةٍ مَكْتَبِيَّةٍ، يُعْتَمَدُ فِيها عَلَى المَهاراتِ الخاصَّةِ بِالتَّكْنِيكِ القانُونِيَّةِ الَّذي يَهْتَمُّ بِصِياغَةِ النُّصُوصِ وتَرابُطِها المَنْطِقِيِّ ... ، وطَرِيقَةٍ عِلْمِيَّةٍ يُعْتَمَدُ فِيها عَلى المَلْحُوظاتِ الواقِعِيَّةِ المَجْمُوعَةِ بِطَرِيقَةٍ عِلْمِيَّةٍ عَنِ الواقِعِ الَّذي يُرادُ تَنْظِيمُهُ، ويُسْتَعانُ فِيها، أَيْضاً، بِالخِبْراتِ العِلْمِيَّةِ في العُلُومِ المُخْتَلِفَةِ.
لِذلِكَ، فَإِنَّنا نَجِدُ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الجَمْعِ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ عِنْدَ صِياغَةِ التَّشْرِيعاتِ الجِنائِيَّةِ، حَيْثُ لم يَعُدْ مِنَ المَقْبُولِ اليَوْمَ الاكْتِفاءُ بِالطَّرِيقَةِ المَكْتَبِيَّةِ وتَجاهُلُ الخِبْراتِ المُخْتَلِفَةِ الَّتي تَتَّصِلُ بِالطِّبِّ والاجْتِماعِ وعُلُومِ الإِجْرامِ والعِقابِ .. الخ، وبِذلِكَ، فَتَقُومُ التَّشْرِيعاتُ عَلَى أُسُسٍ سَلِيمَةٍ، وهُوَ ما تَمَّ بِالفِعْلِ فى هذا القانُونِ.
ولا مِراءَ في أَنَّ فِلَسْطِينَ في حاجَةٍ إِلى قانُونِ عُقُوباتٍ جَدِيدٍ، يُعَبِّرُ عَنِ القِيَمِ السّائِدَةِ في المُجْتَمَعِ الفِلَسْطِينِيِّ المُعاصِرِ، ويَسْتِجِيبُ لِمُقْتَضَياتِهِ. وبِحَيْثُ يَكُونُ قادِراً عَلَى القِيامِ بِالوَظائِفِ الَّتي يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ بِها قانُونُ العُقُوباتِ الحَدِيثُ.
وتُحَدَّدُ وَظائِفُ قانُونِ العُقُوباتِ الجِدَيدِ بِثَلاثٍ: الأُولى هي الوَظِيفَةُ العِقابِيَّةُ، وتَتَمَثَّلُ في الدِّفاعِ عَنِ المُجْتَمَعِ، وعَنْ أَعْضائِهِ. أَمّا الثّانِيَةُ فَهِيَ ذاتُ طابَعٍ أَخْلاقِيٍّ، وتَتَمَثَّلُ في التَّعْبِيرِ عَنْ قِيَمِ المُجْتَمَعِ الجَدِيرَةِ بِالحِمايَةِ. فَكُلُّ مُجْتَمَعٍ يَقُومُ عَلَى مَجْمُوعَةٍ مِنَ القِيَمِ، يُؤْمِنُ بِها الضَّمِيرُ الجَماعِيُّ. وقانُونُ العُقوباتِ يُعَبِّرُ عَنْ هذِهِ القِيَمِ عَنْ طَرِيقِ العُقُوباتِ الَّتي يَفْرِضُها لِمَنْ يَعْتَدِي عَلَى تِلْكَ القِيَمِ.
الوَظِيفَةُ الثّالِثَةُ يَقُومُ بِها قانُونُ العُقوباتِ، ويُطْلَقُ عَلَيْها الوَظِيفَةُ التَّرْبَوِيَّةُ بِاعْتِبارِ أَنَّ هذا القانُونَ يُحَدِّدُ صُوَرَ السُّلُوكِ غَيْرَ المَشْرُوعَةِ، وبِالتّالِي، فَيَجِبُ عَلَى الأَشْخاصِ عَدَمُ ارْتِكابِها، فَهُوَ مُوَجَّهٌ إِلى الأَشْخاصِ العادَّيِّينَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَداةَ عَمَلٍ في يَدِ القاضِي، ويَنْطَوِي عَلَى قُوَّةٍ تُؤَثِّرُ في طَرِيقَةِ تَفْكِيرِ المُخاطَبِينَ بِهِ.
وحَيْثُ إِنَّ قانُونَ العُقوباتِ، واسْتِناداً لاعْتِبارِهِ قانُوناً لِلسِّلْمِ الاجْتِماعِيِّ في فِلَسْطِينَ، وكَوْنِهِ مِنَ الرَّكائِزِ الَّتي تَحْمِي المُجْتَمَعَ والفَرْدَ، يَجِبُ أَنْ يَتَضَمَّنَ جَزاءاتٍ زاجِرَةً لِتَحْقِيقِ الرَّدْعِ العامِّ والخاصِّ والعَدالَةِ، وإِنْ كانَ الهَدَفُ الأَسْمَى هُوَ مَنْعَ الفَرْدِ مِنِ ارْتِكابِ أَيَةِ جَرِيمَةٍ، أَو تَكْرارِها، وإِعادَةَ تَأْهِيلِهِ لِعَوْدَتِهِ مُواطِناً صالِحاً، بِالإِضافَةِ إِلى كَوْنِهِ المُحَرِّكَ الأَساسَ لأَرْكانِ العَدالَةِ جَمِيعاً، ومَا يَمْنَحُهُ هذا القانُونُ مِنِ اهْتِمامٍ خاصٍّ لِلْقِيَمِ الأَخْلاقِيَّةِ، والحُقُوقِ الإِنْسانِيَّةِ لِلْمَرْأَةِ والطِّفْلِ الفِلَسْطِينِيِّ بِصِفَةٍ خاصَّةٍ، وحِفاظِهِ عَلَى حَقِّ الإِنْسانِ بِالحَياةِ مِنْ خِلالِ الإِلْغاءِ الصَّرِيحِ لِعُقُوبَةِ الإِعْدامِ، وَفْقاً لِلْمَعايِيرِ الدَّوْلِيَّةِ، واتِّباعِ سِياسَةٍ جِنائِيَّةٍ مُعاصِرَةٍ تَأْخُذُ بِعَيْنِ الاعْتِبارِ المَفاهِيمَ الآتِيَةَ:
(1) مُراعاةَ التَّشْرِيعِ العِقابِيِّ الفِلَسْطِينِيِّ، وانْسِجامَ أَحْكامِهِ مَعَ الحُقُوقِ والحُرِّيّاتِ الَّتي كَفِلَها القانُونُ الأَساسُ الفِلَسْطِينِيُّ.
(2) الانْطِلاقَ في فَلْسَفَةِ التَّجْرِيمِ مِنْ مَبْدَأِ حِمايَةِ الحُقُوقِ والحُرِّيّاتِ، ولَيْسَ تَقْيِيدَها، أو الانْتِقاصَ مِنْها.
(3) الْتِزامَ المُشَرِّعِ الفِلَسْطِينِيِّ بِتَجْسِيدِ أَحْكامِ القانُونِ المُتَعَلِّقَةِ بِضَمانِ مَبْدَأِ المُساواةِ بَيْنَ الرَّجُلِ والمَرْأَةِ، وتَكْرِيسِها، وحَظْرِ أَشْكالِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُما كافَّةً.
(4) وُجُوبَ تَبَنِّي المُشَرِّعِ الفِلَسْطِينِيِّ لِمَعايِيرِ حُقُوقِ الإِنْسانِ الدَّوْلِيَّةِ ومَبادِئِها، وذلِكَ مِنْ خِلالِ دَمْجِ هذِهِ المَبادِىءِ في مَتْنِ هذا التَّشْرِيعِ وإِدْخالِها، وتَجَنُّبِ مُخالَفَةِ ما كَفِلَتْهُ هذِهِ المَواثِيقُ مِنْ حُقُوقٍ وحُرِّيّاتٍ.
(5) تَلْبِيَةَ مُتَطَلَّباتِ المُجْتَمَعِ الفِلَسْطِينِيِّ، واحْتِياجاتِه، وذلشكَ مِنْ خِلالِ اهْتِمامِ المُشَرِّعِ الفِلَسْطِينِيِّ بِالعَمَلِ عَلَى تَجْرِيمِ الأَفْعالِ الَّتي تُهَدِّدُ تِلْكَ المَصالِحِ الجَوْهَرِيَّةِ بِالضَّرَرِ، أَوِ الخَطَرِ.
(6) تَجَنُّبَ المُشَرِّعِ الفِلَسْطِينِيِّ فَرْضَ عُقُوباتٍ تَمْتَهِنُ حُقُوقَ الإِنْسانِ، ويَتَرَتَّبُ عَلَى تَطْبِيقِها هَدْراً لِكَرامَةِ الفَرْدِ وآدَمِيَّتِهِ .
(7) إِلْغاءَ عُقُوبَةِ الإِعْدامِ، واسْتِبدالَها عُقُوبَةَ السِّجْنِ مَدَى الحَياةِ لِتَتَناسَبَ مَعَ طَبِيعَةِ الفِعْلِ الجِنائِيِّ، والضَّرَرِ النّاتِجِ عَنْهُ مادِّيّاً ونَفْسِيّاً.
(8) ضَرُورَةَ أَنْ تَتَناسَبَ العُقُوباتُ مَعَ الأَفْعالِ الجِنائِيَّةِ، والتَّشَدُّدَ في العُقوباتِ المُقَرَّرَةِ عَلَى الجَرائِمِ الَّتي تَمَسُّ أَمْنَ الوَطَنِ ونِظامَهُ العامَّ.
(9) مُراعاةَ المُشَرِّعِ الفِلَسْطِينِيِّ لِواقِعِ المَرْأَةِ وَوَضْعِها، بَلْ والتَّدَخُّلِ الجادِّ لإِنْصافِها مِنْ خِلالِ تَجْرِيمِ المُمارَساتِ كافَّةً الَّتي تَنْتَهِكُ حَقَّها، وتَنْتَقِصُ مِنْ كَيْنُونَتِها، وكرامَتِها، وآدَمِيَّتِها.
(10) التَّوازُنَ مَا بَيْنَ المَصْلَحَةِ العامَّةِ والحُقُوقِ والحُرِّيّاتِ الفَرْدِيَّةِ.
رابعاً: أَهْدافُ قانُونِ العُقوباتِ الفِلَسْطِينِيِ :
أَوَّلاً: الاسْتِقْرارُ القانُونِيُّ: هذا هُوَ أَهَمُّ هَدَفٍ لِقانُونِ العُقُوباتِ؛ بَعْثاً لِلطُّمَأْنِينَةِ، وأَماناً مِنَ المُفاجآتِ، وتَحْقِيقاً لِهذا الهَدَفِ، فَقَدْ وُجِدَ مَبْدَأُ لا جَرِيمَةَ ولا عُقُوبَةَ إِلا بِقانُونِ، وتَبْعاً لَهُ يَتَحَدَّدُ مَرْكَزُ الشَّخْصِ إِزاءَ قانُونِ العُقوباتِ في الوَقْتِ الَّذي يُرْتَكَبُ فِيهِ الفِعْلُ؛ فَلا يُؤاخَذُ عَلَى تَجْرِيمِهِ، أو تَشْدِيدِ العُقُوبَةِ بَعْدَ ذلِكَ. وهذا مَوْضُوعٌ يَتَّصِلُ بِأَهَمِّ خاصِّيَّةٍ لِقانُونِ العُقوباتِ؛ وهِيَ التَّحْدِيدُ .
وتَحْقِيقاً لِلْهَدَفِ المَذْكُورِ يَتَعَيَّنُ عَلَى المُشَرِّعِ أَنْ يُراعِي أَمْرَيْنِ :
الأَوَّلَ: أَنْ يُوضَعَ قانُونُ العُقُوباتِ بِعِنايَةٍ تَضْمَنُ لَهُ الثَّباتَ، فَلا يَدْخُلُهُ تَعْدِيلٌ إِلا لِضَرُورَةٍ مُلِحَّةٍ.
الثّانِيَ: أَنْ تَقْتَصِرَ نُصُوصُ قانُونِ العُقُوباتِ عَلَى حِمايَةِ المَصالِح الثّابِتَةِ، أَمّا المَصالِحُ الطّارِئَةُ، أو المُتَغَيِّرَةُ فَتَحْمِيها قَوانِينُ مُلْحَقَةٌ، أو خاصَّةٌ. ولا يَخْفَى مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ ذلِكَ مِنَ البَساطَةِ والوُضُوحِ، ومِنْ ثَمَّ كانَ الاتِّجاهُ الحَدِيثُ إِلى اخْتِصارِ نُصُوصِ قانُونِ العُقُوباتِ قَدْرَ الإِمْكانِ، وهُوَ اتِّجاهٌ ظَهَرَ في قَوانِينِ الدُّوَلِ الاشْتِراكِيَّةِ.
ثانياً: تَحْقِيقُ العَدالَةِ: إِنَّ الجَزاءَ يَجِبُ أَنْ يُرضِيَ شُعُورَ النّاسِ بِالعَدالَةِ، وهذا يَقْضِي حِرْصَ المُشَرِّعِ عَلَى مُراعاةِ تَناسُبِ العُقُوبَةِ مَعَ جَسامَةِ الجَرِيمَةِ .
عَلَى أَنَّ الجَرِيمَةَ قَدْ تُقْتَرَنْ بِظُرُوفٍ مُشَدَّدَةٍ، أو مُخَفَّفَةٍ مِمّا لا يَتَأَتّى مَعَهُ تَحْقْيقُ العَدالَةِ إِلا بِمَعْرِفَةِ القاضِي، لِذلِكَ كانتْ عِنايَةُ التَّشْرِيعاتِ الحَدِيثَةِ، واهْتِمامُ المُؤْتَمَراتِ الدَّوْلِيَّةِ، مُنْصَرِفاً إِلى وَسائِلِ التَّفْرِيدِ القانُونِيِّ والقَضائِيِّ والتَّنْفِيذِيِّ بِما يَكْفَلُ تَناسُبَ رَدِّ فِعْلِ المُجْتَمَعِ مَعَ الجَرِيمَةِ، ومُرْتَكِبُها، فَلا مَناصَ، إِذاً مِنْ إِفْساحِ السُّلْطَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ لِلْقاضِي، وهُوَ مَا رُوعِيَ في هذا المَشْرُوعِ.
ثالثاً: وَضْعُ الأُسُسِ القانُونِيَّةِ الصَّحِيحَةِ لِلدَّوْلَةِ القانُونِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ بِإِرْساءِ قَواعِـدِ القانُونِ الأَبِ لِلتَّشْرِيعاتِ الجِنائِيَّةِ جَمِيعِها، وأُسُسِهِ، وهُوَ قانُونُ العُقُوباتِ. وتَدْعِيمُ دَوْلَةِ القانُونِ بِكَوْنِ أَنَّ فِلَسْطِينَ دَوْلَةٌ دِيمُقْراطِيَّةٌ.
ولِذلِك، فَإِنَّ قانُونَ العُقُوباتِ يَجِبُ أَنْ يَتَضَمَّنَ المَبادِىءَ الأَساسِيَّةَ الَّتي تَكْفَلُ حِمايَةَ حُقُوقِ وحُرِّيّاتِ المُواطِنِينَ في المَوادِّ الجِنائِيَّةِ.
خامساً: مَصادِرُ مَشْرُوعِ قانُونِ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيِّ 2010 م:
يُمْكُنُ تَحْدِيدُ مَصادِرِقانُونِ العُقوباتِ الفِلَسْطِينِيِّ في المَصادِرِ الآتِيَةِ:
1- الشَّرِيعَةِ الإِسْلامِيَّةِ، كَمَصْدَرٍ لِقانُونِ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيِّ .
2- القَوانِينِ الحالِيَّةِ، سَواءٌ قانُونُ العُقُوباتِ الأُرْدُنِيُّ، رَقْمُ 16 لِسَنَةِ 1960م، وتَعْدِيلاتُهِ، وقانُونُ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيُّ، رَقْمُ 74 لِسَنَةِ 1936م، وتَعْدِيلاتُهُ.
3- قَوانِينِ العُقُوباتِ العَرَبِيَّةِ، والقانُونِ المُقارَنِ .
4 جُهُودِ الجَمْعِيّاتِ العِلْمِيَّةِ الجِنائِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ .
القَوانِينُ الحالِيَّةُ:
تُعَدُّ القَوانِينُ الحالِيَّةُ سَواءٌ قانُونُ العٌقُوباتِ الأُرْدُنيُّ رَقْمُ 16 لِسَنَةِ 1960م، وتَعْدِيلاتُهُ، وقانُونُ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيُ رَقْمُ 74 لِسَنَةِ 1936 وتَعْدِيلاتُهُ، هُوَ المُطَبَّقُ حالِيّاً في فِلَسْطِينَ، ولَقَدْ مَضَى عَلَى هذا القَوانِينِ وَقْتٌ طَوِيلٌ، تَقَدَّمَ فِيهِ العِلْمُ الجِنائِيُّ تَقَدَّماً هائِلاً، ولا بُدَّ مِنَ الإِفادَةِ مِنْ هذا التَّقَدُّمِ.
الشَّرِيعَةُ الإِسْلامِيَّةُ كَمَصْدَرٍ لِقانُونِ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيِّ:
أُثِيرَ هذا المَوْضُوعُ مِنْ قَبْلُ، عِنْدَ وَضْعِ قانُونِ الجَزاءِ العُثْمانِيِّ سَنَةَ 1858م، وعِنْدَ إِصْدارِ قانُونِ العُقُوباتِ المَصْرِيِّ سَنَةَ 1883م، وتَرَدَّدَ عِنْدَ وَضْعِ القانُونِ الكُوَيْتِيِّ سَنَةَ 1960م، وقَدَ أُثِيرَ مَرَّةً أُخْرى، عِنْدَ وَضْعِ قانُونِ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيِّ الجَدِيدِ .
وتَرَى الْلَجْنَةُ الَّتي وَضَعَتْ قانُونَ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيَّ، أَنَّهُ لا خِلافَ في جَرائِمِ التَّعْزِيرِ، فَهِيَ مَتْرُوكَةٌ لأُولِي الأَمْرِ، وهِيَ تُمَثِّلُ غالِبِيَّةَ نُصُوصِ القانُونِ، ويَنْحَصِرُ البَحْثُ في جَرائِمِ الحُدُودِ والقَصاصِ.
وإِنَّ القانُونَ يَتَّفِقُ تَماماً مَعَ مَقاصِدِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وقَدَ بَدَى واضِحاً مَدَى تَأَثُّرِ القانُونِ بِذلِكَ، وذلِكَ اسْتِناداً لِنَصِّ المادَّةِ مِنَ القانُونِ الأَساسِ.
قَوانِينُ العُقُوباتِ العَرَبِيَّةُ والمَقارَنَةُ كَمَصْدَرٍ لِقانُونِ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيِّ:
تَأَثَّرَ مَشْرُوعُ قانُونِ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيِّ بِالقانُونِ المُقارَنِ خُصُوصاً قانُونَ العُقُوباتِ الفَرَنْسِيَّ الجَدِيدَ لِسَنَةِ 1994م، والقَوانِينُ العَرَبِيَّةُ، خصوصاً قانُونَ العُقُوباتِ المَصْرِيَّ، رَقْمُ 58 لِسَنَةِ 1937م، كافَّةً، وتَعْدِيلاتِهُ، وقانُونَ العُقُوباتِ الأُرْدُنِيَّ، رَقْمُ 16 لِسَنَةِ 1960م، وتَعْدِيلاتِهُ ( المَعْمُولُ بِهِ في الضِّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ )، وقانُونَ العُقُوباتِ العِراقِيَّ، رَقْمُ 111 لِسَنَةِ 1969م، وتَعْدِيلاتِهِ، وقانُونَ العُقُوباتِ الجَزائِرِيَّ الصّادِرَ بِأَمْرِ رَقْمِ 66-156 لِسَنَةِ 1966م، والمَجَلَّةَ الجَزائِيَّةَ التُّونِسِيَّةَ المُعَدَّلَ لِسَنَةِ 2005 م، وقانُونَ الجَزاءِ الكُوَيْتِيَّ رَقْمُ 16 لِسَنَةِ 1960م، وقانُونَ العُقُوباتِ الاتِّحادِيَّ الإِماراتِيَّ لِسَنَةِ 1987م، وقانُونَ الجَزاءِ العُمانِيَّ الصّادِرَ بِالمَرْسُومِ السُّلْطانِيِّ رَقْمُ 7/74.
ومِنَ المَعْلُومِ أَنَّهُ لا قِيمَةَ لأَيِّ مَشْرُوعٍ لا يَهْتَدِي في وَضْعِهِ بِالقانُونِ المُقارَنِ. ومِنَ المُسَلَّمِ بِهِ أَنَّهُ تَتَقارَبُ، بَلْ تَتَّحِدُ الغالِبَيَّةُ العُظْمَى مِنْ مَوْضُوعاتِ قَوانِينِ العُقُوباتِ، وهِيَ لا تَخْتَلِفُ إِلا في القَلِيلِ مِنْ مَوْضُوعاتِها، ويَرْجِعُ ذلِكَ إِلى المُؤَثِّراتِ السِّياسِيَّةِ والاجْتِماعِيَّةِ، والاقْتِصادِيَّةِ، والقانُونِيَّةِ، وفي القَرْنِ الحالِي والماضِي صَدَرَتْ قَوانِينُ عُقُوباتٍ جَدِيدَةٌ في إِيطالْيا، وفَرَنْسا، و بَلْجِيكا، واليُونانِ، ورُوسْيا الاتِّحادِيَّةِ، والسُّوَيْدِ، وأَلْمانْيا الاتِّحادِيَّةِ، وبُولَنْدا، وغَيْرِها، وفي هذِهِ القَوانِينِ تَمَّ اسْتِخْلاصُ حَصِيلَةِ الفِكْرِ القانُونِيِّ، والعِلْمِ والخِبْرَةِ، وقَدْ عَرَضَها المُتَخَصِّصُونَ.
جُهُودُ الجَمْعِيّاتِ العِلْمِيَّةِ الجِنائِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ كَمَصْدَرٍ لِقانُونِ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيِّ:
لَقَدْ مَضَى عَلَى هذِهِ القَوانِينِ الفِلَسْطِينِيَّةِ النّافِذَةِ وَقْتٌ طَوِيلٌ، تَقَدَّمَ فِيهِ العِلْمُ الجِنائِيُّ تَقَدُّماً هائِلاً، ولا بُدَّ مِنَ الإِفادَةِ مِنْ هذا التَّقَدُّمِ، ويَرْجِعُ الفَضْلُ في ذلِكَ إِلى الجُهُودِ العِلْمِيَّةِ المُخْلِصَةِ الَّتي قامَتْ بِها الجَمْعِيّاتُ العِلْمِيَّةُ الجِنائِيَّةُ الدَّوْلِيَّةُ. والَّتي سَوْفَ نَتَناوَلُها فِيما يَأْتِي:
1-الجَمْعِيَّةُ الدَّوْلِيَّةُ لِقانُونِ العُقُوباتِ:
نَشَأَتْ هذِهِ الجَمْعِيَّةُ في بارِيسَ في الرّابِعَ عَشْرَ مِنْ مارِسْ عام 1924م، وهذِهِ الجَمْعِيَّةُ هِيَ امْتِدادٌ لِلاتِّحادِ الدَّوْلِيِّ لِقانُونِ العُقُوباتِ الَّذي أَنْشَأَ في عامِ 1889م، في فْيِينا، وهذِهِ الجَمْعِيَّةِ مِنْ أَقْدَمِ الجَمْعِيّاتِ المُتَخَصِّصَةِ في مَجالِ قانُونِ العُقُوباتِ، وهِيَ واحِدَةٌ مِنْ أَقْدَمِ الجَمْعِيّاتِ العِلْمِيَّةِ فَمُنْذُ عامِ 1924م، اكْتَسَبَتْ هذِهِ الجَمْعِيَّةُ في مَجالِها مَكانَةً خاصَّةً بَيْنَ المُنَظَّماتِ الرَّسْمِيَّةِ، وغَيْرِ الرَّسْمِيَّة، وتَتَخَصَّصُ هذِهِ الجَمْعِيَّةُ في مَجالِ القانُونِ العامِّ، والقانُونِ العامِّ المُقارَنِ، والقانُونِ العامِّ الدَّوْلِيِّ، وحُقُوقِ الإِنْسانِ، وتَهْتَمُّ هذِهِ الجَمْعِيَّةُ بِالجانِبِ الفَنَيِّ في القانُونِ.
وقَدْ عَقَدَتْ الجَمْعِيَّةُ مُؤْتَمَراتٍ مُتَعَدِّدَةً، يَفْصِلُ بَيْنَ كُلٍّ مِنْها أَرْبُعُ سَنَواتٍ في المُتَوَسِّطِ، وفى كُلِّ مُؤْتَمَرٍ يَتِمُّ بَحْثُ عَدَدٍ مِنْ مَوْضُوعاتِ قانُونَيِ العُقُوباتِ، والإِجْرءاتِ الجِنائِيَّةِ، وتَصْدُرُ بِشَأْنِها تَوْصِياتٌ، وهِيَ حَصِيلَةٌ عَلَى تَجْرِبَةِ أَئِمَّةِ الفِقْهِ الجِنائِيِّ في العالَمِ، ومِنْ ثَمَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَها الاعْتِبارُ الأَوَّلُ عَنْ وَضْعِ قانُونٍ حَدِيثٍ لِلْعُقُوباتِ، وتَنْشُرُ هذِهِ الجَمْعِيَّةُ أَعْمالَها في المَجَلَّةِ الدَّوْلِيَّةِ لِقانُونِ العُقُوباتِ، وهِيَ أَشْهُرُ مَجَلاتِ القانُونِ الجِنائِيِّ في العالَمِ.
2- جَمْعِيَّةُ الدِّفاعِ الاجْتِماعِيِّ:
أُنْشِئَتْ هذِهِ الجَمْعِيَّةُ بِهَدَفِ دِراسَةِ مَسْأَلةِ الجَرِيمَةِ في إِطارِ انْعِكاسِ الجَرِيمَةِ عَلَى المُجْتَمَعِ ونَظْرَةِ المُجْتَمَعِ المُضادَةِ لِلْجَرِيمَةِ وإِمْكانِ قَبُولِ المُجْتَمَعِ لِلْمُجْرِمِ كَفَرْدٍ عادِيٍّ مِنْ أَفْرادِهِ، وحِمايَةِ أَفْرادِ المُجْتَمَعِ مِنَ الوُقُوعِ في الجَرِيمَةِ، وحِمايَةِ المُجْرِمِ مِنَ العَوْدَةِ إِلى الإِجْرامِ مَرَّةً أُخْرى.
وهَكذا نَشَأَتِ الجَمْعِيَّةُ الدَّوْلِيَّةُ لِلدِّفاعِ الاجْتِماعِيِّ سَنَةَ 1949م، مُعْتَمِدَةً عَلَى مَبادِئِ الدِّفاعِ الاجْتِماعِيِّ الَّتي رُسِّخَتْ فالمُؤْتَمَرَيْنِ المُنْعَقِدَيْنِ فيفي رِيمو سَنَةَ 1947م، وفي وِلْياج 1949، ومُعْلِنَةً بَرْنامَجَ عَمَلِها كَبَرْنامَجِ حَدٍّ أَدْنى سَنَةَ 1954م و قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ سَنَةَ 1984م التَّطْوِيرَ الَّذي فَرَضَتْهُ ثَلاثُونَ سَنَةً مِنَ التَّقَدُّمِ العِلْمِيِّ التَّفاعُلِ، أو التَّحَوُّلِ الفِكْرِيِّ، والخِبْرَةُ المَيْدانِيَّةِ، والتَّطَوُّرُ الاجْتِماعِيُّ، والثَّقافِيُّ، كَما تُرَكِّزُ عَلَى الجانِبِ الإِنْسانِيِّ في قانُونِ العُقُوباتِ، فَكَما يَقُولُ الأُسْتاذُ مارْك أَنْسِلْ رَئِيسُ هذِِهِ الجَمْعِيَّةِ في كِتابِهِ ( الدِّفاعُ الاجْتِماعِيُّ الجَدِيدُ ) إِنَّهُ يَكْفِي أَحْياناً مُجَرَّدُ النَّطْقِ بِالعُقُوبَةِ دُونَ تَنْفِيذِها لِتَحْقِيقِ جانِبِ الجَزاءِ، والأَهَمُّ اتِّخاذُ الوَسائِلِ الكَفِيلَةِ بإِعادَةِ المُذْنِبِ إِلى حَظِيرَةِ المُجْتَمَعِ، والحَيْلُولَةِ دُونَ تَكْرارٍ، ويَجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ في الاعْتِبارِ أَنَّ المُذْنِبَ إِنْسانٌ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، ولا خَيْرَ في نِظامٍ لا يَحْتَرِمُ الإِنْسانَ. فَأَيُّ نِظامٍ قانُونِيٍّ لا بُدَّ أَنْ يَهْدُفَ إِلى الدِّفاعِ عَنِ الفَرْدِ، فِيما لا يَتَعارَضُ مَعَ مَصْلَحَةِ الجُمُوعِ، وكَذلِكَ يَجِبُ الإِفادَةُ مِنْ بُحُوثِ المُنْشَأَةِ الدَّوْلِيَّةِ لِعِلْمِ العِقابِ والجَمْعِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ لِلإِجْرامِ، وقَدْ عَقَدَتِ الجَمْعِيَّةُ مُؤْتَمَراتٍ مُتَعَدِّدَةً، وفي كُلِّ مُؤْتَمَرٍ يَتِمُّ بَحْثُ عَدَدٍ مِنْ مَوْضُوعاتٍ، فَفِي مايو سَنَةَ 1973م بَحَثَتْ مَوْضُوعَ الرِّدَّةِ عَنِ التَّجْرِيمِ، وفي سَنَةِ 1975م (22 إلى 25 إِبْرِيلَ ) بَحَثَتْ مَوْضُوعَ سَلْبِ الحُرِّيَّةِ، أَشْكالُهُ الجَدِيدَةُ، ودَوْرُهُ في مُكافَحَةِ الجَرِيمَةِ. ومِنْ ثَمَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لأَفْكارِها الاعْتِبارِ الأَوَّلِ عَنْ وَضْعِ قانُونِ حَدِيثٍ لِلْعُقُوباتِ.
3 - الجَمْعِيَّةُ الدَّوْلِيَّةِ لِقانُونِ العُقُوباتِ العَسْكَرِيِّ:
أُنْشِئَتْ هذِهِ الجَمْعِيَّةُ طِبْقاً لِلْقانُونِ البَلْجِيكِيِّ بِتارِيخِ 22 مارس سَنَةَ 1988م، وجاءَتْ لِتَخْلُفَ الجَمْعِيَّةَ الدَّوْلِيَّةَ لِلْقانُونِ الجَزائِيِّ العَسْكَرِيِّ، وقانُونِ الحَرْبِ، وتَهْدُفُ لِدِراسَةِ القانُونِ العَسْكَرِيِّ ودِراسَةِ القانُونِ الدَّوْلِيِّ الإِنْسانِيِّ، والبَحْثِ في مُلائَمِةِ القَوانِينِ الدّاخِلِيَّةِ، فِيما بَيْنَها، وبَيْنَ الاتِّفاقِيّاتِ الدَّوْلِيَّةِ في هذا المَجالِ. العالِم ومِنْ ثَمَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لأَفْكارِها الاعْتِبارِ الأَوَّلِ عَنْ وَضْعِ قانُونٍ حَدِيثٍ لِلْعُقُوباتِ.
سادسا:الهَيْكَلُ التَّنْظِيمِيُّ العامُّ لِقانُونِ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيِ:
تَقُومُ خُطَّةُ المُشَرِّعِ الفِلَسْطِينِيِّ في إِعْدادِ قانُونِ العُقُوباتِ الجَدِيدِ عَلَى تَقْسِيمِهِ إِلى كِتابَيْنِ: أَحَدُهُما الأَحْكامُ العامَّةُ، والآخَرُ الجَرائِمُ وعُقُوباتُها، وتَتَضَمَّنُ الأَحكْامُ العامَّةُ سَبْعَةَ أَبْوابٍ مُقَسَّمَةٍ إِلى فُصُولٍ وبُنُودٍ: جاءَ البابُ الأَوَّلُ مِنْها تَحْتَ عُنْوانِ " التَّشْرِيعُ العِقابِيُّ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلاثَةِ فُصُولٍ: الأَوَّلُ: عَنْ أَحْكامٍ تَمْهِيدِيَّةٍ، والثّانِي:عَنْ تَطْبِيقِ القانُونِ مِنْ حَيْثُ الزَّمانُ، والثّالِثُ: عَنْ تَطْبِيقِ القانُونِ مِنْ حَيْثُ المَكانُ، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ بُنُودٍ كَالتّالِي: الصَّلاحِيَّةُ الإِقْلِيمِيَّةُ، والصَّلاحِيَّةُ العَيْنِيَّةُ، الصَّلاحِيَّةُ الشَّخْصِيَّةُ، والصَّلاحِيَّةُ العالَمِيَّةُ.
وجاءَ عُنْوانُ البابِ الثّانِي: عَنِ " الجَرِيمَةُ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى فَصْلَيْنِ: الأَوَّلِ: يَتَضَمَّنُ أَنْواعَ الجَرائِمِ، والثّانِي: يَشْمَلُ أَرْكانَ الجَرِيمَةِ، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى بَنْدَيْنِ: الأَوَّلُ: في الرُّكْنِ المادِّيِ، والثّانِي: في الرُّكْنِ المَعْنَوِيِّ ( القَصْدُ الجِنائِيِّ والخَطَأُ ).
ومَوْضُوعُ البابِ الثّالثِ مِنَ الكِتابِ الأَوَّلِ جاءَ عَنِ " المَسْؤُولِيَّةُ الجَزائِيَّةُ ومَوانِعُها "، وهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ: الأَوَّلُ: مَوْضُوعُهُ عَنِ " المَسْؤُولِيَّةُ الجَزائِيَّةُ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى بَنْدَيْنِ: الأَوَّلُ: عَنْ مَسْؤُولِيَّةِ الشَّخْصِ الطَّبِيعِيِّ، والثّانِي: عَنْ مَسْؤُولِيَّةِ الشَّخْصِ المَعْنَوِيِّ، والفَصْلُ الثّانِي عَنِ " مَوانِعُ المَسْؤُولِيَّةُ، والعِقابُ وأَسْبابُ الإِباحَةِ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلاثَةِ بُنُودٍ عَنْ مَوانِعِ المَسْؤُولِيَّةِ، ومَوانِعِ العِقابِ، وأَسْبابِ الإِباحَةِ.
ومَوْضُوعُ البابِ الرّابِعِ مِنَ الكِتابِ الأَوَّلِ جاءَ عَنِ" العُقُوباتُ " وهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلاثَةِ فُصُولٍ: الأَوَّلُ: مَوْضُوعُهُ عَنِ العُقُوباتِ الأَصْلِيَّةُ الَّتي تُوقَعُ عَلَى الشَّخْصِ الطَّبِيعِيِّ ، والثّانِي: العُقُوباتُ الأَصْلِيَّةُ الَّتي تُوقَعُ عَلَى الشَّخْصِ المَعْنَوِيِّ، والفَصْلُ الثّانِي: عَنِ" العُقُوباتُ التَّكْمِيلِيَّةُ، الفَصْلُ الثّالِثُ عَنِ التَّدابِيرِ الاحْتِرازِيَّةِ، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ بُنُودٍ: مِنْ أَحْكامٍ عامَّةٍ، التَّدابِيرِ الاحْتِرازِيَّةِ السّالِبَةِ لِلْحُرِّيَّةِ، أَوِ المُقَيِّدَةِ لَها، التَّدابِيرِ الاحْتِرازِيَّةِ السّالِبَةِ لِلْحُقُوقِ التَّدابِيرِ الاحْتِرازِيَّةِ العَيْنِيَّةِ.
وجاءَ عُنْوانُ البابِ الخامِسِ عَنِ " تَعَدُّدُ الجَرائِمِ والعُقُوباتُ ". ومَوْضُوعُ البابِ السّادِسِ عَنِ " الأَعْذارُ القانُونِيَّةُ والظُّرُوفُ القَضائِيَّةُ المُخَفَّضَةُ والمُشَدَّدَةُ "، وهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلاثَةِ فُصُولِ: الأَوَّلُ: الأَعْذارُ القانُونِيَّةُ، الفَصْلُ الثّانِي: الظُّرُوفُ القَضائِيَّةُ المُخَفَّضَةُ، الثّالثُ: الظُّرُوفُ القَضائِيَّةُ المُشَدَّدَةُ.
وجاءَ الفَصْلُ السّابِعُ والأَخِيرُ مِنَ الكِتابِ الأَوَّلِ بِعُنْوانِ " سُقُوطُ الأَحْكامِ الجَزائِيَّةِ "، وهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ: الأَوَّلُ مَوْضُوعُهُ أَحْكامٌ عامَّةٌ، والثّانِي: أَحْكامٌ تَفْصِيلِيَّةٌ، ويَشْتَمِلُ عَلَى سِتَّةِ بُنُودٍ مِنَ العَفْوِ العامِّ، العَفْوِ الخاصِّ، الصُّلْحِ، إِيقافِ تَنْفِيذِ العُقُوبَةِ، التَّقادُمِ، الإِفْراجِ الشَّرْطِيِّ.
أَمّا الكِتابُ الثّانِي فَقَدْ جاءَ عُنْوانُهُ " الجَرائِمُ وعُقُوباتُها " ويَتَضَمَّنُ ثَلاثَةَ عَشْرَ باباً: مُقَسَّمَةً عَلَى فُصُولٍ وبُنُودٍ: جاءَ البابُ الأَوَّلُ تَحْتَ عُنْوانِ " الجَرائِمُ المُضِرَّةُ بِأَمْنِ الوَطَنِ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلاثَةِ فُصُولٍ: الأَوَّلُ :" عَنْ أَحْكامٍ عامَّةٍ، والثّانِي: عَنِ الجَرائِمِ المُضِرَّةِ بِأَمْنِ الوَطَنِ الخارِجِيِّ، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى خَمْسَةِ بُنُودٍ: الأَوَّلُ: الخِيانَةُ العُظْمَى، الثّانِي: إِفْشاءُ أَسْرارِ الدِّفاعِ، الثّالِثُ: التَّجَسُّسُ، الرّابِعُ: الجَرائِمُ الماسَّةُ بِالقانُونِ الدَّوْلِيِّ، الخامِسُ: جَرائِمُ المُتَعَهِّدِينَ، والثّالِثُ: الجَرائِمُ المُضِرَّةُ بِأَمْنِ الوَطَنِ الدّاخِلِيِّ.
وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى خَمْسِةِ بُنُودٍ: الأَوَّلُ: الإِرْهابُ، الثّانِي: تَعْطِيلُ الدُّسْتُورِ، أو القانُونِ الأَساسِ، واغْتِصابُ السُّلْطَةِ، الثّالثُ: الفِتْنَةُ وإِهانَةُ العَلَمِ الوَطَنِيِّ، وتَجَمُّعاتُ الشَّعْبِ، الرّابِعُ: المُفَرْقَعاتُ، الخامسُ: دُخُولُ الوَطَنِ والخُرُوجُ مِنْهُ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ.
وجاءَ البابُ الثّانِي بِعُنْوانِ " الجَرائِمُ المُخِلَّةُ بِالتقة العامَّةِ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلاثَةِ فُصُولٍ: الأَوَّلُ: تَزْيِيفُ العُمْلاتِ والسَّنَداتِ المالِيَّةِ الحُكُومِيَّةِ وتَقْلِيدُها وتَزْوِيرُها، والثّانِي: تَزْوِيرُ المُسْتَنَداتِ الرَّسْمِيَّةِ والعُرْفِيَّةِ، الثّالثُ: تُقْلِيدُ الأَخْتامِ والعَلاماتِ والْلَوْحاتِ والدَّمْغاتِ والطَّوابِعِ وتَزْوِيرُها.
وجاءَ البابُ الرّابِعُ مِنَ الكِتابِ الثّانِي بِعُنْوانِ " الجَرائِمُ المُتَعَلِّقَةُ بِالوَظِيفَةِ العامَّةِ " وهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ فُصُولٍ: الأَوَّلُ مَوْضُوعُهُ عَنِ " الجَرائِمُ المُخِلَّةُ بِواجِباتِ الوَظِيفَةِ العامَّةِ، واشْتَمَلَتْ عَلَى ثَلاثَةِ بُنُودٍ: الأَوَّلُ: الرِّشْوَةُ واسْتِغْلالُ النُّفُوذِ، والبَنْدُ الثّانِي: الاخْتِلاسُ والإِضْرارُ بِالمالِ العامِّ، والبَنْدُ الثّالِثُ: اسْتْغِلالُ الوَظِيفَةِ. والفَصْلُ الثّانِي عَنِ " الجَرائِمُ الماسَّةُ بِسَيْرِ العَمَلِ "، والفَصْلُ الثّالِثُ عَنْ: سُوءُ مُعامَلَةِ المُوَظَّفِينَ لِلأَفْرادِ وإِساءَةُ اسْتِعْمالِ السُّلْطَةِ، الفَصْلُ الرّابِعُ عَنِ: الجَرائِمِ الَّتي تَقَعُ عَلَى السُّلْطَةِ العامَّةِ والمُوَظَّفِينَ، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ بُنُودٍ: الأَوَّلُ: مُقاوَمَةُ المُوَظَّفِينِ والاعْتِداءُ عَلَيْهِمْ، الثّانِي: انْتِحالُ الوَظِيفَةِ، أَوِ الصِّفَةِ، الثّالِثُ: فَكُّ الأَخْتامِ وسَرِقَةُ المُسْتَنَداتِ الرَّسْمِيَّةِ، وإِتْلافُها.
وجاءَ البابُ الخامسُ بِعُنْوانِ " الجَرائِمُ المُخِلَّةُ بِسَيْرِ العَدالَةِ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ثَمانِيَةِ فُصُولٍ، الفَصْلُ الأَوَّلُ: التَّأْثِيرُ في جِهاتِ القَضاءِ، الفَصْلُ الثّانِي: تَضْلِيلُ العَدالَةِ، وتَعْطِيلُها وإِنْكارُها، والفَصْلُ الثّالِثُ: الإِهانَةُ، والتَّعَدِّي عَلَى القَضاءِ، والفَصْلُ الرّابِعً: الامْتِناعُ عَنِ التَّبْلِيغِ عَنِ الجِناياتِ والجُنَحِ، الفَصْلُ الخامِسُ: شَهادَةُ الزُّورِ واليَمِينُ الكاذِبُ، الفَصْلُ السّادِسُ: إِزْعاجُ السُّلْطاتِ والبَلاغُ الكاذِبُ، الفَصْلُ السّابِعُ: فِرارُ المُتَّهَمِينَ والمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ، وإِخْفاؤُهُمْ، الفَصْلُ الثّامِنُ: اسْتِيفاءُ الحَقِّ بِالذّاتِ.
ومَوْضُوعُ البابِ السّادِسِ بِعُنْوانِ " جَرائِمُ التَّعْرِّيضُ لِلْخَطَرِ العامِّ " وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى سِتَّةِ فُصُولٍ، الفَصْلُ الأَوَّلُ: بِعُنْوانِ "الحَرِيقُ "، والثّانِي: الاعْتِداءُ عَلَى الطُّرُقِ العامَّةِ، والجُسُورِ ومَنابِعِ الحَياةِ العامَّةِ، والمَرافِقِ العامَّةِ، والفَصْلُ الثّالِثُ: عَنْ تَعْرِيضُ وَسائِلِ النَّقْلِ العامَّةِ لِلْخَطَرِ وتَعْطِيلُها، الفَصْلُ الرّابِعُ: عَنْ قَطْعِ الخُطُوطِ الهاتِفِيَّةِ، والبَرْقِيَّةِ، والكَهْرُباءِ، وتَعْطِيلِها، الفَصْلُ الخامِسُ: بِعُنْوانِ " الجَرائِمُ المُضِرَّةُ بِالصِّحَّةِ العامَّةِ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى بَنْدَيْنِ: الأَوَّلُ: عَنْ نَشْرِ الأَمْراضِ الخَطِرَةِ، والثّانِي: عَنْ جَرائِمِ الغِشِّ في المَوادِّ الغِذائِيَّةِ، والعَقاقِيرِ الطِّبِّيَّةِ، والفَصْلُ السّادِسُ: بِعُنْوانِ " الأَسْلِحَةُ الحادَّةُ والأَدَواتُ الخَطِرَةُ ".
وجاءَ البابُ السّابِعُ بِعُنْوانِ " الجَرائِمُ الاجْتِماعِيَّةُ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ فُصُولٍ، الأَوَّلُ: بِعُنْوانِ " الامْتِناعُ عَنِ الإِغاثَةِ، والفَصْلُ الثّانِي: عَنِ الجَرائِمِ الَّتي تَمَسُّ حُرْمَةَ الأَدْيانِ والمَوْتَى، والفَصْلُ الثّالِثُ: بِعُنْوانِ الجَرائِمِ الَّتي تَمَسُّ الأُسْرَةِ، والطِّفْلِ، وقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى بَنْدَيْنِ: الأَوَّلُ: عَنِ الجَرائِمِ المُتَعَلِّقَةِ بِالزَّواجِ، الثّانِي: عَنِ الجَرائِمِ المُخِلَّةِ بِآدابِ الأُسْرَةِ، والفَصْلُ الرّابِعُ: بِعُنْوانِ " التَّسَوَّلُ والسُّكْرُ، والمُخَدِّراتُ والمُقامَرَةُ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ بُنُودٍ، الأَوَّلُ: عَنِ التَّسَوُّلِ، والثّانِي: عَنِ السُّكْرِ، والثّالِثُ: عَنِ المُخَدِّراتِ، والرّابِعُ: عَنِ المُقامَرَةِ.
ومَوْضُوعُ البابِ الثّامِنِ مِنَ الكِتابِ الثّانِي جاءَ عَنِ "الجَرائِمُ المُخِلَّةُ بِالأَخْلاقِ والآدابِ العامَّةِ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى فَصْلِيْنِ، الأَوَّلُ: عَنِ الاعْتِداءِ عَلَى العِرْضِ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ بُنُودٍ: الأَوَّلُ: الاغْتِصابُ والمُواقَعَةُ، والثّانِي: هَتْكُ العِرْضِ والتَّحَرُّشُ الجِنْسِيِّ، والثّالِثُ: المُواقَعَةُ عَلَى خِلافِ الطَّبِيعَةِ، والرّابِعُ: الإِغْواءُ والفَصْلُ الثّانِي عَنِ: الحَضِّ عَلَى الفُجُورِ والتَّعْرُّضِ لِلأَخْلاقِ والآدابِ العامَّةِ، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى بَنْدَيْنِ: الأَوَّلُ: الحَضُّ عَلَى الفُجُورِ والثّانِي: التَّعْرُّضُ لِلآدابِ والأَخْلاقِ العامَّةِ.
أَمّا البابُ التّاسِعُ جاءَ بِعُنْوانِ " الجَرائِمُ الواقِعَةُ عَلَى الأَشْخاصِ"، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلاثَةِ فُصُولٍ، الفَصْلُ الأَوَّلُ: بِعُنْوانِ " الجَرائُمُ الواقِعَةُ عَلَى النَّفْسِ "، وقَِد اشْتَمَلَ عَلَى سِتَّةِ بُنُودٍ: الأَوَّلُ: في القَتْلِ، والثّانِي: في الاعْتِداءِ المُؤَدِّي إِلى المَوْتِ، والعاهَةِ المُسْتَدِيمَةِ، والثّالِثِ: فى الاعْتِداءِ عَلَى سَلامَةِ الجَسَدِ، والرّابِعُ: في القَتْلِ والاعْتِداءِ الخَطَأِ، والخامِسُ: في الإِجْهاضِ، والسّادِسُ: في التَّهْدِيدِ، الفَصْلُ الثّانِي بِعُنْوانِ " الجَرائِمُ الواقِعَةُ عَلَى جَرِيمَةِ الإِنْسانِ وشَرَفِهِ وحُرْمَتِهِ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى بَنْدَيْنِ: الأَوَّلُ: في الجَرائِمِ الواقِعَةِ عَلَى الحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ، والثّانِي: في الجَرائِمِ الواقِعَةِ عَلَى شَرَفِ الإِنْسانِ، وحُرْمَتِهِ، وإِفْشاءِ الأَسْرارِ، والفَصْلُ الثّالِثُ: بِعُنْوانِ الجَرائِمِ الماسَّةِ بِالكَرامَةِ الإِنْسانِيَّةِ، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ بُنُودٍ: الأَوَّلُ: في جَرائِمِ الاتِّجارِ بِالبَشَرِ، والثّاني: في الاتِّجارِ بِالأَعْضاءِ البَشَرِيَّةِ،، والثّالِثُ: في تَهْرِيبِ المُهاجِرِينَ، والرّابِعُ: في التَّمْيِيزِ.
وقَدْ جاءَ البابُ العاشِرُ مِنَ الكِتابِ الثّانِي بِعُنْوانِ " الجَرائِمُ ضِدَّ الإِنْسانِيَّةِ والإِبادَةُ الجَماعِيَّةُ ". ومَوْضُوعُ البابِ الحادِي عَشْرَ جاءَ بِعُنْوانِ " جَرائِمُ الاعْتِداءِ عَلَى الأَمْوالِ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى سِتَّةِ فُصُولٍ، الأَوَّلُ: بِعُنْوانِ " السَّرِقَةُ والجَرائِمُ المُلْحَقَةُ بِها "، والفَصْلُ الثّانِي: بِعُنْوانِ " النَّصْبُ والجَرائِمُ المُلْحَقَةُ بِهِ "، والفَصْلُ الثّالِثُ: بِعُنْوانِ " خِيانَةُ الأَمانَةِ "، والفَصْلُ الرّابِعُ: بِعُنْوانِ " التَّخْرِيبُ والتَّعْطِيلُ والإِتْلافُ وانْتِهاكُ حُرْمَةِ مِلْكِ الآخَرِينَ والقَرْصَنَةُ "، الفَصْلُ الخامِسُ بِعُنْوانِ " جَرائِمُ المُتَعَلِّقَةُ بِالآثارِ "، والفَصْلُ السّادِسُ بِعُنْوانِ " الجَرائِمُ المُتَعَلِّقَةُ بِالتِّجارَةِ "، وقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلاثَةِ بُنُودٍ: البَنْدُ الأَوَّلُ: في المُراباةِ، والبَنْدُ الثّانِي: في الغِشِّ بِالمُعامَلاتِ التِّجارِيَّةِ، والثّالِثُ: في جَرائِمِ الإِفْلاسِ والغِشِّ إِضْراراً بِالدّائِنِينَ.
وجاءَ البابُ الثّانِي عَشْرَ: بِعُنْوانِ " جَرائِمُ تَقَنِيَّةِ المَعْلُوماتِ " أَمّا البابُ الثّالِثَ عَشْرَ مِنَ الكِتابِ الثّانِي: جاءَ بِعُنْوانِ " المُخَلَّفاتُ، وأَخِيراً الإِلْغاءاتُ والتَّنْفِيذُ .
سابعاً: السِّماتُ العامَّةُ لِقانُونِ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيُّ:
مِنَ الواضِحِ أَنَّ قانُونَ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيَّ يَتَمَيَّزُ بِالحَداثَةِ بِالمُقارَنَةِ بِالقَوانِينَ العِقابِيَّةِ الأُخْرى. ولكِنْ هذِهِ الحَداثَةِ لا تَعْنِي هِجْرَةً لِلأَعْرافِ السّائِدَةِ في المُجْتَمَعِ، والَّتي تَفَجَّرَتْ في نَبْعِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلامِيَّةِ الغَرّاءِ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ دَفَّتَيْهِ عَناصِرَ مِنَ الأَصالَةِ، وأُخْرى مِنَ المُعاصِرَةِ، أو الحَداثَةِ.
لا مِراءَ في أَنَّ التَّطَوُّرَ الكَبِيرَ الَّذي حَدَثَ مُنْذُ وَضْعِ القَوانِينِ العِقابِيَّةِ المُشارِ إِلَيْهِ في كُلٍّ مِنْ قِطاعِ غَزَّةَ والضِّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ إِلى الآنَ، يُؤَدِّي في مَجالِ التَّجْرِيمِ إِلى ضَرُورَةِ خَلْقِ جَرائِمِ جَدِيدَةٍ لِمُواجَهَةِ مُسْتَجِدّاتِ الحَياةِ، وحَذْفِ نُصُوصٍ تَتَعَلَّقُ بِجَرائِمَ أُخْرى عَفَى عَلَيْها الزَّمَنُ.
وأَخِيراً، فَإِنَّ مُرُورَ هذِهِ الحِقْبَةِ الطَّوِيلَةِ مِنَ الزَّمَنِ عَلَى تِلْكَ القَوانِينِ العِقابِيَّةِ والتَّطَوُّرَ الكَبِيرَ الَّذي حَدَثَ في المُجْتَمَعِ، بِسَبَبِ تَطَوُّرِ الظُّرُوفِ الاجْتِماعِيَّةِ والأَخْلاقِيَّةِ والاقْتِصادِيَّةِ السّائِدَةِ في المُجْتَمَعِ، وتَأْثِيرَ المَدارِسِ الجِنائِيَّةِ، وعَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ المَدْرسَةُ الوَضْعِيَّةُ، ومَدْرَسَةُ الدِّفاعِ الاجْتِماعِيِّ، أَدَّى إِلى تَطَوُّرِ في مَفْهُومِ الجَزاءِ الجِنائِيِّ، والغَرَضِ مِنَ العُقُوبَةِ، فَلَمْ يَعُدِ الغَرَضُ مِنَ العُقُوبَةِ، كَما كانَ سائِداً، هُوَ الرَّدْعَ.
وعَزْلُ الجانِي عَنِ المُجْتَمَعِ تَطَوُّرَ الآنَ لِيُصْبِحَ، بِالدَّرَجَةِ الأُولى، إِصْلاحَ الجانِي، وإِعادَةَ تَكَيُّفِهِ مَعَ المُجْتَمَعِ، في ظِلِّ السِّياسَةِ العِقابِيَّةِ الحَدِيثَةِ، مَا أَدَّى إِلى ظُهُورِ الاتِّجاهاتِ الَّتي تُطالِبُ بِوَضْعِ بَدائِلَ لِلْعُقُوبَةِ السّالِبَةِ لِلْحُرِّيَّةِ قَصِيرَةِ المُدَّةِ، وتِلْكَ الَّتي تُنادِي بِالحَدِّ مِنَ التَّجْرِيمِ.
إِنَّ الأَيْدْيُولُوجِيَّةَ المُسَيْطِرَةَ عَلَى قانُونِ العُقُوباتِ هِيَ فِكْرَةُ مَدْرَسَةِ الدِّفاعِ الاجْتِماعِيِّ الجَدِيدِ، ويَظْهَرُ ذلِكَ مِنْ عِدَّةِ نَواحٍ: فَمِنْ ناحِيَةٍ بَقِيَتِ الوَظِيفَةُ الأَساسِيَّةُ لِلْعُقُوبَةِ هِيَ إِعادَةُ تَأْهِيلِ المَحْكُومِ عَلَيْهِ لِلْحَياةِ الاجْتِماعِيَّةِ، ووُجُودُ بَدائِلَ لِعُقُوبَةِ الحَبْسِ، فَلَمْ يَعُدِ الحَبْسُ هُوَ العُقُوبَةَ الأُولى المُفَضَّلَةَ لَدَى المُشَرِّعِ.
لا شَكَّ في أَنَّ قانُونَ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيَّ قَدْ وَقَعَ تَحْتَ تَأْثِيرِ مُعْطَياتِ عِلْمِ الإِجْرامِ بِصِفَةٍ عامَّةٍ، وتَأْثِيرِ مَبادِىءِ المَدْرَسَةِ الوَضْعِيَّةِ، ومَدْرَسَةِ الدِّفاعِ الاجْتِماعِيِّ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، كَما ذَكَرْنا آنِفا، فَضْلاً عَنْ تَأْثِيرِ بَعْضِ النُّظُمِ الحَدِيثَةِ الَّتي أُخِذَتْ مِنْها بَعْضِ التَّشْرِيعاتِ المُقارَنَةِ، فَقَدْ تَمَّ إِدْخالُ عَدِيدٍ مِنَ الأَنْظِمَةِ الجِنائِيَّةِ إِلى القانُونِ، ومِنْ هذِهِ الأَنْظِمَةِ: نِظامُ الظُّرُوفِ القَضائِيَّةِ المُخَفَّفَةِ والمُشَدَّدَةِ، ونِظامُ الإِفْراجِ الشَرْطِيِّ، والعَمَلِ وَفْقاً لِلسِّياسَةِ الجِنائِيَّةِ إِلى البَحْثِ عَنْ بَدائِلَ لِلْحَدِّ مِنْ عُقُوبَةِ الحَبْسِ قَصِيرِ المُدَّةِ، والبَحْثُ عَنْ بَدائِلَ مِنْها: تَحْوِيلُ بَعْضِ العُقُوباتِ التَبَعِيَّةِ، أَوِ التَّكْمِيلِيَّةِ، أَوِ البَدِيلَةِ إِلى عُقُوباتٍ أَصْلِيَّةٍ، كَعُقُوبَةِ العَمَلِ لِلْمَصْلَحَةِ العامَّةِ، وإِيقافِ التَّنْفِيذِ مَعَ التَّعَهُّدِ بِحُسْنِ السُّلُوكِ، أو مُواجَهَةِ بَعْضِ الظَّواهِرِ الحَدِيثَةِ والخَطِيرَةِ، كَالجَرِيمَةِ المُنَظَّمَةِ والإِرْهابِيَّةِ، أو مُواجَهَةِ النَّشاطِ الإِجْرامِيِّ النّاجِمِ عَنِ المُخْتَرَعاتِ التَقَنِيَّةِ الحَدِيثَةِ كَالجَرائِمِ النّاجِمَةِ عَنِ اسْتِخْدامِ الحاسِبِ الآلِيِّ، والإِنْتَرْنِتِ ( الجَرائِمِ المَعْلُوماتِيَّةِ)، و يُلْحَظُ، كَذلِكَ، أَنَّ قانونَ العُقُوباتِ الفِلَسْطِينِيَّ الجَدِيدَ أَبْقى عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الأَحْكامِ الَّتي كانَ يَتَضَمَّنُها. مِنْ ذلِكَ مَثَلاً: مَبْدَأُ الشَّرْعِيَّةِ، والتَّقْسِيمُ الثُّلاثِيِّ لِلْجَرائِمِ إِلى جِناياتٍ، وجُنَحٍ، ومُخالَفاتٍ
وأَدْخَلَ بَعْضَ التَّجْدِيداتِ الَّتي اتَّخَذَتْ مَظاهِرَ مُتَعَدِّدَةً: مِنْها عَلَى سَبِيلِ المِثالِ: تَبْسِيطُ الْلُغَةِ الَّتي صِيغَتْ بِها نُصُوصُ القانِونِ والتَّعْرِيفاتُ الَّتي وَضَعَها عَمّا كانَ سائِداً في القَوانِينِ القَدِيمَةِ. فِصِياغَةُ القانُونِ الجَدِيدِ قَدْ تَمَّتْ بِالْلُغَةِ المَأْلُوفَةِ، أَوِ المُسْتَعْمَلَةِ مِنَ الغالِبِيَّةِ العُظْمَى مِنَ المُواطِنِينَ. وتَمَّ تَغْيِيرُ الاصْطِلاحاتِ القَدِيمَةِ.
وتَأَثَّرا بِسِياسَةِ الحَدِّ مِنَ العِقابِ، وقَدْ عالَجَ المُشَرِّعُ بَعْضَ الجَرائِمِ الَّتي كانتْ وارِدَةً في القانُونِ القَدِيمِ، كَالتَّشَرُّدِ والتَّسَوُّلِ، وقِيلَ: إِنَّ هذِهِ المَشاكِلَ يَجِبُ أَنْ تَهْتَمَّ بِها السُّلْطاتُ الاجْتِماعِيَّةُ، وتَجِدُ لَها الحُلُولَ المُلائِمَةَ بِجِوارِ قانُونِ العُقُوباتِ.
ومِنَ السِّماتِ الأَساسِيَّةِ لِهذا القانُونِ أَنَّهُ تَضَمَّنَ كَثِيراً مِنْ قَواعِدِ تَفْرِيدِ العُقُوبَةِ، سَواءٌ تَعَلَّقَ الأَمْرُ بِتَفْرِيدٍ تَشْرِيعِيٍّ، أو تَفْرِيدٍ قَضائِيٍّ، إِذْ نَصَّ عَلَى نَظَرِيَّةِ الظُّرُوفِ المُخَفَّفَةِ، وأَعْطَى القاضِيَ إِمْكانَ الاخْتِيارِ بَيْنَ عُقُوباتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وبَيْنَ حَدٍّ أَدْنَى وأَقْصَى لِلْعُقُوبَةِ الواحِدَةِ، ومَنْحَ سُلْطَةِ وَقْفِ تَنْفِيذِها، إِذا تَوافَرَتْ شُرُوطٌ مُحَدَّدَةٌ. ومِنْ سِماتِهِ، كَذلِك، نَصُّهُ عَلَى نَظَرِيَّةٍ تَفْصِيلِيَّةٍ لِلتَّدابِيرِ الاحْتِرازِيَّةِ.
ولَعَلَّ مِنْ أَهَمِّ سِماتِ هذا القانُونِ حَسْمَهُ الخِلافَ بِصَدَدِ أُمُورٍ طالَ الجَدَلُ فِيها، واتَّسَعَ بَيْنَ رِجالِ القانُونِ. ولَعَلَّ مِنْ أَهَمِّها نَصُّهُ عَلَى عَدَمِ تَغْيِيرِ نَوْعِ الجَرِيمَةِ، إِذا اسْتَبْدَلَتِ المَحْكَمَةُ بِالعُقُوبَةِ المُقَرَّرَةِ لَها عُقُوبَةً مِنْ نَوْعٍ أَخَفَّ، أَو أَشَدَّ، وحَسْمَهُ الخِلافَ الَّذي ثارَ بِشَأْنِ تَحْدِيدِ مِعْيارِ عَلاقَةِ السَّبَبِيَّةِ، وتَبَنِّي مِعْيارِ السَّبَبِيَّةِ المُلائِمَةِ، وتَبَنِّي كَذلِكَ نَظَرِيَّةِ الفاعِلِ المَعْنَوِيِّ لِلْجَرِيمَةِ، مُنْهِياً بِذلِكَ خِلافاً فِقْهِيّاً كَبِيراً بِصَدَدِ تَحْدِيدِ مَا إِذا كانَ الجانِي في هذِهِ الحالِةِ يُعَدُّ فاعِلاً، أو شَرِيكاً.
كَذلِكَ أَضافَ أَحْكاماً جَدِيدَةً أُخْرى، يَأْتِي في مُقَدِّمَتِها إِقْرارُ المَسْؤُولِيَّةِ الجَزائِيَّةِ، وإِفْرادِ جَزاءاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ لِلأَشْخاصِ المَعْنَوِيَّةِ. والنَّصُّ عَلَى الغَلَطِ في القانُونِ كَأَحَدِ أَسْبابِ انْتِفاءِ المَسْؤُولِيَّةِ الجَزائِيَّةِ.
كَما عَدَّلَ المُشَرِّعُ بَعْضَ الأَحْكامِ الَّتي كانَ تَنُصُّ عَلَيْها القَوانِينُ القَدِيمَةُ ، فَأَلْغى الحَبْسَ في مَجالِ المُخالَفاتِ. فَضْلاً عَنْ ذلِكَ، فَقَدْ أَدَّى تَقَدُّمُ العُلُومِ الطِّبِّيَّةِ إِلى أَنْ يَضَعَ المُشَرِّعُ الفِلَسْطِينِيِّ، كَما وَضَعَ المُشَرِّعُ المُقارِنُ، من خلال قانُونِ العُقُوباتِ الجَدِيدِ نُصْبَ عَيْنِيْهِ، مُعْطَياتِ هذا التَّقَدُّمِ عِنْدَ تَحْدِيدِ مَفْهُومِ الاضْطِراباتِ العَقْلِيَّةِ، ونُصَّ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ أَحَدَ أَسْبابِ انْتِفاءِ المَسْؤُولِيَّةِ الجَزائِيَّةِ، مُفَضِّلاً هذا الاصْطِلاحَ عَلَى لَفْظِ" الجُنُونِ " الَّذي كانَ وارِداً في القَوانِينِ القَدِيمَةِ، ونَصَّ عَلَى جَوازِ الدِّفاعِ الشَّرْعِيِّ عَنِ المالِ، وجاءَ بِأَحْكامِ الدِّفاعِ الشَّرْعِيِّ فى الأَحْكامِ العامَّةِ في قانُونِ العُقُوباتِ.
وكَذلِكَ أَدْخَلَ المُشَرِّعُ الفِلَسْطِينِيُّ نُصُوصاً جَدِيدَةً، نَذْكُرُ مِنْها: إِلْغاءَ العُقُوبَةِ البَدَنِيَّةِ الأَكْثَرِ جَدلاً، وهِيَ الإِعْدامُ، واسْتِبْدالُها الحَبْسَ مَدَى الحَياةِ، وإِلْغاءَ الإِكْراهِ البَدَنِيِّ، واسْتِبْدالُهُ العَمَلَ لِلْمَصْلَحَةِ العامَّةِ.
وتُضْمَنُ قَواعِدُ الاخْتِصاصِ الجِنائِيِّ العالَمِيِّ، وذلِكَ لِضَمانِ مُحاكَمَةِ الجَرائِمِ الَّتي تَهُمُّ الإِنْسانِيَّةَ جَمْعاءَ، والاخْتِصاصِ الشَّخْصِيِّ السَّلْبِيِّ لِحِمايَةِ المُواطِنِ الفِلَسْطِينِيِّ، حِينَما يَتِمُّ ارْتِكابِ جَرِيمَةٍ ضِدَّهُ في الخارِجِ .
وفي الوَقْتِ نَفْسِهِ اسْتَحْدَثَ المُشَرِّعُ جَرائِمَ جَدِيدَةً، مِثْلَ: تَجْرِيمِ المُكالَماتِ التِّلِيفُونِيَّةِ الَّتي تَنْطَوِي عَلَى إِيذاءِ الآخَرِينَ، والضَّوْضاءِ الَّتي تُرْتَكَبُ بِقَصْدِ المَساسِ بِسَكِينَةِ الآخَرِينَ، وجَرائِمِ الاعْتِداءِ عَلَى حُقُوقِ الشَّخْصِ النّاتِجَةِ عَنْ وَسائِلِ تَقَنِيَّةِ المَعْلُوماتِ، والاتِّجارِ بِالبَشَرِ بِصُوَرِهِ كافَّةً، والجَرائِمِ ضِدَّ الإِنْسانِيَّةِ، والإِبادَةِ الجَماعِيَّةِ.
مِمّا سَبَقَ يُمَثِّلُ بَعْضُ الصُّوَرِ تَطْوِيرَ قانُونِ العُقُوباتِ عَلَى نَحْوٍ يُؤَكِّدُ مَدَى اسْتِجابَةِ المُشَرِّعِ الفِلَسْطِينِيِّ لِتَطَوُّرِ الظّاهِرَةِ الإِجْرامِيَّةِ، ولا شَكَّ في أَنَّ الهَدَفَ الأَساسَ لِوَضْعِ قانُونٍ جَدِيدٍ هُوَ حِمايَةُالإِنْسانِ، وتَزْدادُ جُرْعاتُ هذِهِ الحِمايَةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ فِئاتِ المَجْنِيِّ عَلَيْهِمِ الأَكْثَرِ ضَعْفاً: النِّساءِ والأَطْفالِ.واسْتِفادَتِهِمْ مِنْ مُعْطَياتِ العُلُومِ المُساعِدَةِ لِلْقانُونِ الجِنائِيِّ ، وذلِكَ بِوَضْعِ النُّصُوصِ الَّتي تُواجِهُ النَّشاطَ الإِجْرامِيَّ المُتَجَرِّدَ، والمُتَطَوِّرَ عَلَى نَحْوٍ مُسْتَمِرٍّ ، إِذْ، وبِحَقٍّ تَتَناهَى النُّصُوصُ بَيْنَما الحَوادِثُ غَيْرُ مُتَناهِيَةٍ، كَما يَقُولُ الفَقِيهُ الشِّهْرِسْتانِيُّ.