د. احمد براك - استاذ القانون الجنائي ورئيس هيئة مكافحة الفساد

يسعدني أن أرحب بكم في موقعي الشخصي، آملاً من الله تعالى أن يكون هذا الموقع مصدراً من مصادر الحصول على المعلومات القانونية من تشريعات فلسطينية وعربية، ورسائل ماجستير ودكتوراه، إضافة للمقالات العلمية في مختلف فروع القانون. وليكون أيضاً وسيلة للتواصل ما بيني وبين الباحثين والقانونيين، والذين أعدهم شركاء حقيقيين في عملية تعزيز الثقافة القانونية.

حرية الصحافة وطنياً ودولياً

دكتور / أحمد براك
‎النائب العام المساعد‎

" لو كان الناس ، ما  عدا واحد فقط ،  أجمعوا على راي واحد ، واسكتوا ذلك الواحد ، لن يكونوا  أكثر انصافا منه  اذا استلم السلطة وأسكتهم " قول منسوب للاستاذ جوهن ميل  في كتابه " في  الحرية " .
فالحرية هي ميزة يمنحها القانون لشخص ما او  لجماعة ، ويحميها بطريقة  قانونية ويكون له بمقتضاها الحق بالتصرف بحرية .  وقد اكّد القانون الاساسي  الفلسطيني لسنة 2003 وتعديلاته على التزام  السلطة الوطنية الفلسطينية  باحترام حقوق الانسان ، والحفاظ على الحريات  والحقوق العامة  ، بل شمل  القانون المذكور نصا عاما يلزم السلطة الوطنية  بالعمل دون ابطاء على  الانضمام الى الاعلانات والمواثيق الاقليمية  والدولية التي تحمي حقوق  الانسان ( المادة 10 من القانون الاساسي).
ولا شك في ان اهمية حرية الصحافة ترتبط بأهمية حرية الرأي ، فالاولى هي   احدى صور الثانية، وحرية الرأي تعتبر في البلاد الديمقراطية من اهم الحقوق   الاساسية للانسان واللصيقة بكرامته الشخصية . فالانسان بطبيعته يحتاج   الى  التعبيرعن ذاته ، وحرية الرأي هي خير وسيلة لهذا التعبير ، فهي تتيح  للفرد  ان يعبر عن رأيه في مختلف مجالات الحياة ، السياسية والاقتصادية   والاجتماعية وغيرها . الامر الذي يساهم في تكوين راي عام مستنير وبالاضافة   الى ذلك ، فإنها تمكن الشخص من ان يقترح على مجتمعه ما يرى فيه الخير  لصالح  هذا المجتمع ، وان ينبه لمواطن القصور والخطر ، ولذا قيل بحق ان  حرية  الرأي هي وسيلة لتقويم المجتمع. (الدكتور شريف سيد كامل : جرائم  الاعلام  والنشر في القانون المصري )
إن حرية الصحافة والإعلام بشكل  عام هي وسيلة لاستنارة الجمهور بنقل الأخبار  والمعلومات ، وبها تكون  المشاركة في الحياة العامة ، والاسهام في مواجهة  المشكلات بتشخيصها . وهي  اداة تقويم واصلاح عن طريق تقويم الأعمال المختلفة  التي تهم المجتمع وبيان  أوجه القصور فيها . وبذلك تعد وبحق حرية الصحافة و  الإعلام اداة لدفع  الظلم الواقع على الافراد والشعوب ، واداة رقابة عن  طريق كشف الانحرافات  التي ترتكب في جميع مجالات الحياة للعمل على مواجهتها .  فتظهر حرية نشر  الأفكار كشرط أساسي لتقدم وازدهار المجتمع الديمقراطي ،  الذي لا يتأتى الا  بتعدد قنوات المعلومات وتعدد الأفكار والآراء ( الدكتور  طارق سرور :  جرائم النشر والإعلام ).
 فحرية الفكر والرأي وانتقال الأفكار المدخل  الحقيقي لممارسة الكثير من  الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية  وغيرها ، كحق النقد ، وحرية  الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي  والإبداع الأدبي والفني  والثقافي .
ولا شك أن حرية الاعلام اشمل من  حرية الصحافة حيث تعرف بأنها حرية التعبير  العامة للفكر في جميع اشكاله ،  كالتعبير بواسطة الكلمة والخطاب والصراخ  والغناء والكتابة أو اصدار  المطبوعات أو الصحافة الدورية والمسرح والسينما  والاذاعة والتلفزيون ، كما  ان الحق في الحريات الصحفية والاعلامية تعني حق  وسائل الاعلام بعرض كل ما  يهم الناس معرفته، وحقهم في تبادل المعلومات  والحصول على الانباء من اي  مصدر ، وحق الناس في اصدار الصحف والتعبر عن  الاراء دون فرض رقابة مسبقة  .( الاستاذ محمود حشاش : حرية الاعلام بين  التعزيز والقمع ).
 وقد غدت  حرية الصحافة من الأصول الدستورية الثابتة في كل بلد ديمقراطي  متحضر ،  وحرصت على توكيدها الدساتير المختلفة . لدرجة وصفها بالسلطة  الشعبية  كالدستور المصري واليمني .
فمن إنعام انظر في حرية الصحافة في  الدساتير المقارنة نجدها تؤكد على  ضمانات دستورية لحرية الصحافة ، إلا أن  هذه الضمانات غالباً ما تناقضت مع  النصوص القانونية والممارسات الصحفية و  الإعلامية لحرية الرأي والتعبير من  ثم صدقت المقولة أن الدستور لا يصنع  الحرية وإنما الحرية هي التي تصنع  الدستور .
ولعل النصوص الدستورية  الأولى تمثلت في دستور ولاية فرجينيا الأمريكية سنة  1776 الذي نص على أن  حرية الصحافة هي إحدى الأعمدة الأساسية للحرية ولا  يمكن تقييدها إلا من  جانب الحكومات الاستبدادية . ثم التعديل الأول للدستور  الاتحادي الأمريكي  سنة 1787 الذي قيد سلطة الكونجرس في وضع تشريع يقيد  حرية الصحافة .
 أما في فرنسا وباستثناء دستوري عامي 1814 و 1851 اللذان يمثلان ارتداداً   عن مبدأ حرية الرأي في فرنسا أكدت الدساتير الفرنسية الصادرة 1791 – 1830  –  1848 – 1875 على أن حرية كل إنسان مكفولة في التعبير عن أفكاره بالكلام   والطباعة والنشر .
أما دستور سنة 1958 فلم يعد ينص على حرية الصحافة  واكتفى بنصوص قانون 1881  الذي سمي قانون الانعتاق والحرية (قانون الصحافة  الفرنسي ) والذي تم تعديله  في عام 1944، ومن ثم في قانون تدعيم قرينة  البراءة في عام 2000، ثم في  القانون الصادر سنة 1996.
وأجمعت الدساتير  العربية على أن حرية الصحافة مكفولة في حدود القانون (  الدستور الأردني  1952 – الدستور الكويتي 1962 – الدستور اللبناني 1947 –  الدستور الصومالي  1960 – الدستور المصري 1970 ) . ( ااستاذ احمد ممدوح  البريدي : حرية  الصحافة ).
وبإستقراء تاريخ حرية الصحافة الدولية : نجد إنَ الجهود  الدولية لإعلاء  مبدأ حرية الصحافة والاعلام لم تكن وليدة لحظة بل لقد   ناضل الإنسان من أجل  هذه الحرية  فعبر طرقاً شاقة ومضنية ، حتى قيل ان  تاريخ الانسان اقترن  بتاريخ جهاده من اجل هذه الحرية . وقد اصبحت حرية  الصحافة والاعلام من  الاساسيات المسلّم بها والتي حرص المجتمع الدولي على  صيانتها .
حيث تعرضت حرية الصحافة في أوربا لضروب من العسف وخلال أكثر  من قرن ظلت  الصحافة تحت رحمة الكنيسة حتى أن نشر أي مطبوع بغير ترخيص كان  يعاقب عليه  بالموت وقد تحدث عن ذلك المفكر الفرنسي فولتير بقوله : إنك لا  يمكن أن تفكر  إلا برضاء الملك
وظل هذا الوضع قائماً حتى قيام الثورة  الفرنسية حيث زاد عدد الصحف  والمطبوعات الدورية من 41 عام 1779 إلى حوالي  1400 عام 1789 ولم يقلص هذا  العدد إلا في موجة جديدة من القيود الحكومية  تحت حكم نابليون الأول الذي  قال عام 1800: ( لو أني تركت الصحافة تفعل ما  تريده لخرجت من الحكم في غضون  ثلاثة أشهر). ومن اروع ما سطرته الثورة  الفرنسية والتي تجاوزت حدود فرنسا  الى العالم بأسره هو اعلان الانسان  والمواطن في 26 اغسطس عام 1789 ليسجل ان  الحرية حق غير قابل للتقادم (  المادة 2 ) طالما أنه " يولد الناس احرارا  ويبقون كذلك " ( المادة 1 ) وان  " الحرية ايصال الافكار والآراء هي من اغلى  حقوق الانسان . لكل مواطن اذن  ان يتكلم ويكتب ويطبع بحرية ، ولا يصبح محلا  للمساءلة الا عند اساءة  استعمال هذه الحرية في الحالات المحددة في القانون  " ( المادة 11 ) .  فالحرية ليست منحة أو هبة ولكنها حق لصيق بإنسانية  الانسان يرتبط به منذ  ميلاده .
وبذلك لم تدخل حرية الصحافة في مصاف الحريات الأساسية الا بعد  الثورة  الفرنسية ، فقد وضعت الجمعية الوطنية اساساً لتشريع جديد أكثر  حرية واكثر  عقلانية عن الصحافة ، ويعد اعلان الإنسان والمواطن المذكور  والذي يشير في  مقدمته الى افضل ما ذكر عن تلك الحرية : " إن ممثلو الشعب  الفرنسي -  مجتمعين في هيئة جمعية وطنية - اذ يرون ان الجهل بحقوق الانسان  او نسيانها  او ازدراءها هي الاسباب الوحيدة للبلايا العامة ولفساد  الحكومات ، فقد عقدو  العزم على عرض حقوق  الانسان الطبيعية غير القابلة  للتنازل عنها والمقدسة  في اعلان رسمي ، من اجل ان يظل ماثلا بصفة مستمرة  امام اعضاء الهيئة  الإجتماعية ، دائم التذكير لهم بحقوقهم وواجباتهم ، ومن  اجل ان تصبح اعمال  كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية - اذ يمكن  مقارنتها في كل وقت بهدف كل  مؤسسة سياسية - اكثر احتراماً لهذه الحقوق ،  ومن اجل ان تصبح مطالب  المواطنين بعد الان - اذ تقوم على مبادىء بسيطة ولا  تقبل المنازعة - دائمة  التمحور حول الحفاظ على الدستور وسعادة الجميع .  لذلك فإن الجمعية الوطنية  تعترف – في حضرة الخالق وتحت رعايته – بحقوق  الانسان والمواطن الآتية  وتعلنها "
بل وتحققت حرية الصحافة من خلال  المجلس الدستوري الفرنسي الذي اكد ان حرية  الصحافة تعد " حرية اساسية  وثمينة ، حتى ان ممارساتها هي احدى الضمانات  الاساسية لاحترام باقي الحقوق  والحرية والسيادة القومية".

وتقديراً لدور  الصحافة وكأمان لكل  صاحب كلمة في حالة الخطأ - ألغى المشرع الفرنسي (  بموجب القانون رقم 516  لسنة 2000 بشأن تدعيم قرينة البراءة ) العقوبات  السالبة للحرية في جرائم  النشر الواردة في قانون الصحافة الصادر في 29  يوليو سنة 1881 اكتفاء بعقوبة  الغرامة المغلظة ، وذلك بإستثناء بعض جرائم  القذف ( الذم ) والجرائم  الماسة بالنظام العام كجرائم التحريض غير المتبوع  بأثر . 
أما في بريطانيا استمر العمل بسياسة تيودور الخاصة بالسيطرة  الصارمة طوال  القرن السادس عشر وذلك على هيئة امتيازات ملكية وأنظمة  للترخيص وأصبحت  رسمية عام 1589
ولم يتقرر للصحافة حريتها إلا بعد  صدور قانون لورد كامبل عام 1843 الذي جعل  إثبات صحة الواقعة دفاعاً  مقبولاً في حرية القذف ( الذم ) .
أما في الولايات المتحدة الأمريكية  فقد وضع القضاء الأمريكي أول حجر في  بناء حرية الصحافة عام 1734 بالحكم  ببراءة صحفي يدعى جون بيتر زنجر من تهمة  القذف الثوري في حق حاكم نيويورك  الأمر الذي عُد نصراً كبيراً لحرية  الصحافة في ذلك الوقت
ونخلص من هذا  إلى أن حرية الصحافة في المجتمعات الغربية مرت بفترات انتكاس  وفترات  انتعاش إلا أن الحق في حرية التعبير لم يستند فقط إلى ضمانات  دستورية  وقانونية ولكنه استند في الأساس إلى القيم الديمقراطية وآليات  المجتمع  الديمقراطي.
وبالاطلاع إلى تاريخ حرية الصحافة في البلاد العربية نجد  في مصر أنه جزء من  تاريخ الحركة الوطنية تدلنا على ذلك مقالات الكتاب  الذين نذروا حياتهم  وأقلامهم لحرية الصحافة بوصفها جزءاً لا يتجزأ من حرية  الوطن. وقد شهدت مصر  أول مظاهرة شعبية يوم الجمعة 26/ 03/1909 للاحتجاج  على إعادة قانون  المطبوعات .

وكما قضى قانون المطبوعات لعام 1881   على صحافة الثورة العرابية قضى قانون 1909 على صحافة الحزب الوطني بزعامة   محمد فريد . ولم يتوقف الصراع من اجل حرية الصحافة على مدى ما يزيد عن  قرن  حيث تجددت الأزمات من ممارسة الصحافة المصرية لدورها الوطني بحرية ومن  ثم  توالت التشريعات المقيدة للحرية والمغلظة للعقوبات في عهد حكومات أحمد  زيور  1925 واسماعيل صدقي 1939 ومحمد محمود 1931.
وعندما تقدم أحد  النواب عام 1951 بمشروع قانون استهدف تقييد نشر أخبار  القصر الملكي نشطت  الأقلام الوطنية والأصوات الحرة داخل البرلمان لإسقاط  هذا المشروع ، ورغم  ماشهدته الصحافة المصرية خلال الخمسينات والستينات من  رقابة وسيطرة حكومية  واعتقالات كان الرئيس عبد الناصر حريصاً في كل مناسبة  أن يؤكد على حرية  الصحافة .( أحمد ممدوح البريدي: المرجع السابق).
أما في فلسطين  الحبيبة : ومن خلال المراجعة الشاملة لقوانين وأنظمة  المطبوعات اتضح أنها  مقتبسة من قانون المطبوعات العثماني لسنة 1909 ، وظل  كل من قانون  المطبوعات العثماني لسنة 1909 ، وقانون المطبوعات الفلسطيني  لسنة 1933 ،  ساري المفعول في قطاع غزة ، أما في الضفة الغربية فتم إبطال  العمل به  بقانون المطبوعات لسنة 1953 . وكمثال آخر على روح القوانين  العثمانية  وتأثيرها في التشريعات الفلسطينية  ، بقي قانون حق التأليف  العثماني عام  1910 ساري المفعول. ولا شك أن العثمانيون وضعوا بذرة الرقابة  حين اصدروا  القانون العثماني الأول عام 1872م الذي ينص على أن الطباعة  مشروطة بأخذ  موافقة مجلس المعارف  وحددوا اللوائح التي تعاقب الخروج عن  القانون .
وسعت اسرائيل عقب احتلال الأراضي الفلسطينية في العام 1948 م الى فرض   القيود المشددة على حرية التعبير ، وذلك من خلال القوانين والاوامر   العسكرية التي تحكم السيطرة على حياة الفلسطينين وتقيد حرياتهم ، واعتمدت   اسرائيل في رقابتها على وسائل الاعلام الفلسطينية على جملة من التشريعات   المختلفة ، فالى جانب قوانينها واوامرها العسكرية ، استندت الى القانون   الاردني ، وقانون المطبوعات ، والقوانبين العثمانية ، فضلاً عن قانون   الدفاع البريطاني لعام 1945 . ( الاستاذ محمود الفضافضة : تأثير  الانتهاكات  على لرقابة الذاتية لدى الاعلاميين الفلسطينين
وقد اكّد  القانون الاساسي المعدل على التزام السلطة الوطنية الفلسطينية  باحترام  حقوق الانسان ،و الحفاظ على الحريات والحقوق العامة ، وقد ضمن الحق  في  حرية الرأي والتعبير بشكل واضح ، حيث نصت المادة 19 منه على أنه لا  مساس  بحرية الرأي ولكل انسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول او  الكتابة  او غير ذلك من وسائل التعبير او الفن مع مراعاة احكام القانون "  كما تناول  في مادته ال27 الجوانب المتعلقة بالعمل الصحفي ، حيث اكد على :
1. تأسيس الصحف وسائر وسائل الاعلام حق للجميع يكلفه القانون الاساسي وتخضع مصادر تمويلها لرقابة القانون .
2. حرية وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وحرية الطباعة والنشر   والتوزيع والبث ، وحرية العاملين فيها ، مكفولة وفقا لهذا القانون  الاساسي  والقوانين ذات العلاقة .
3. تحظر الرقابة على وسائل الاعلام  ،و لا يجوز انذارها او وقفها او  مصادرتها او الغائها او فرض قيود عليها  الا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي  " .
ويعتبر صدور قانون المطبوعات  والنشر رقم 9 للعام 1995 خطوة هامة ، يمكن  البناء عليها في المستقبل  لصياغة واقع صحافي و اعلامي تحترم فيه الحقوق  وتعزز الحريات .
حيث ان  القانون يضمن حرية الصحافة والابداع بدون رقابة مسبقة ، ويرفع  طموحات  الشعب الفلسطيني في الحرية الى مستوى التشريع القانوني ، ويعتبر  اقراره  احد رموز السيادة الفلسطينية .
كما يكفل القانون حقوق الصحافي والاجهزة الاعلامية كافة في الحصول على المعلومات والحفاظ على سرية مصادرها .
كما يعطي القانون حق امتلاك المطبوعات الصحفية واصدارها بغض النظر عن   الاراء والمعتقدات الفكرية والسياسية والحزبية والدينية ، ويسهل اجراءات   الترخيص والتسجيل والطباعة والرسوم بما يجعلها في متناول جميع المهتمين .
وينظم القانون العلاقة ما بين السلطة التنفيذية والمؤسسات الصحفية بما  يضمن  حل الكثير من التعقيدات وتداخل الصلاحيات ، وبما يؤمن حقوق من يعمل  في حقل  الصحافة والطباعة والنشر ، وبما يوفر الحماية للمجتمع ، لجميع  افراده ، او  المصلحة الوطنية العليا من اية مخالفات للقانون يمكن ان تقع  وقد اعطى  القانون حق اللجوء الى القضاء لكل متضرر لنيل حقوقه كاملة ، وقيد  الصلاحيات  التي تملكها السلطة التنفيذية ، بحيث لا يمكن ان تتخذ اي اجراء  ضد الصحافة  والصحافيين والكتاب  بأشكال محدودة ،و عبر اللجوء الى القضاء  والمحاكم  المختصة التي هي صاحبة القرار النهائي .
وهذا وتختلف مفاهيم  حرية الصحافة في النظم السياسية باختلاف فلسفاتها  والمصالح التي تخدمها  .ففي المجتمعات الغربية تخص حرية الصحافة الفرد أولاً  ثم الجماعة الخاصة(  سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ) ثانياً . وفي  المجتمعات الاشتراكية تعد  حرية الصحافة حقاً اجتماعياً مفوضاً لحزب السلطة  بافتراض أنه ممثل الشعب،  أما في العالم الثالث فإن حرية الصحافة امتياز يخص  العديد من المصالح  الراسخة سواء كانت سياسية أم اقتصادية .
وبذلك فإن حرية التعبير مهمة  لثلاثة أسباب رئيسية على الأقل ، أولها أن  الحق في التغبير عن النفس ناحية  أساسية لكرامة الإنسانية ، وثانيها إن افضل  طريقة للوصول إلي الحقيقة   يتحقق من خلال وجود " سوق الأفكار " حيث يتم  تبادل الأفكار ووجهات النظر  بحرية ، وهذا لا يكون إلا إذا احترمت حرية  التعبير وثالثها انه لا يمكن أن  يكون هناك أي حوار مفتوح ونقاش علني بدون  حرية انسياب وتدفق للمعلومات . (  د. طالب عوض : حرية الرأي والتعبير وفقاً  للمعايير الدولية لحقوق  الإنسان) .
وفي الإسلام: نجد أنه أعطى أهمية كبرى لحرية الرأي لأنها من  المرتكزات  الأساسية للكثير من القواعد الشرعية ولأنها تجلي الحقائق  وتطهرها في  النهاية على الرغم من الأهواء والتزييف. فبعد أن كان إبداء  الرأي أمرا  منبوذا في ظل شرائع ما قبل الإسلام جاءت الشريعة الإسلامية  وأقرت هذا الحق  لجميع فئات المجتمع وبذلك تجد حرية الرأي سندها في القرآن  الكريم في قوله  تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف  وينهون عن  المنكر} .سورة آل عمران  الآية 104،  وقوله تعالى:{ والذين  مكناهم في الأرض  وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن  المنكر} . سورة  الحج الآية 41 .  
 وحيث لم يكتف الرسول صلى الله  عليه وسلم بدعوة العامة لإبداء حرية الرأي  وإنما كان يحث أصحابه على  ممارستها معه فكان يستطلع آراءهم في الشؤون  العامة والمصالح الخاصة .ودليل  ذلك ما حدث في معركة بدر عندما جاء الرسول  صلى الله عليه وسلم إلى أقرب  ماء من وادي بدر فنزل به فجاءه الحباب ابن  المنذر وقال له: يا رسول الله  أهذا منزل أنزلك الله به أم هو الرأي والحرب  والمكيدة. فقال له النبي صلى  الله عليه وسلم:”بل هو الرأي والحرب والمكيدة  فأشار إليه الحباب ابن  المنذر أن ينزل في موضع آخر غير الذي نزل فيه فقبل  الرسول منه هذا الرأي  وقال: “لقد أشرت بالرأي” وتحول إلى مكان آخر .
وقد سار الخلفاء  الراشدون وأمراء المسلمين من بعدهم على تشجيع الرأي وقبول  النصيحة ممن  يسديها لهم والرجوع عن رأيهم متى وجدوا في رأي الآخرين صحة  وصواب .
وما أروع ما أفصح به عمر في هذا الصدد عندما تولى الخلافة فقد خطب في  الناس  يقول: “إذا رأيتم فيّ اعوجاجا فقوموني فيقوم إليه رجل ويقول له لو  رأينا  فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا” فيستبشر عمر ويحمد الله لأنه استوثق  من أن  هناك رجالا في الأمة يمكنهم أن يجهروا بالحق ولن يسكتوا عن الظلم.
ومرة أخرى يخطب عمر في الناس طالبا عدم الزيادة في المهر عن أربعمائة   درهم….فتعترضه امرأة بقول الله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج   وأتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} .
فلم ينكر عمر عليها ذلك بل رجع لفوره إلى الحق ويقول “أخطأ عمر وأصابت   امرأة” وكان بينه وبين رجل حديث فقال له الرجل اتق الله يا أمير المؤمنين،   فأنكر ذلك بعض الحاضرين وقال للرجل أتقول لأمير المؤمنين اتق الله فقال  له  عمر: “دعه فليقلها لي نعم ما قال…لا خير فيكم إذ لم تقولها ولا خير  فينا  إذا لم نقبلها” .
 فمن خلال هذا الحديث يتبين أن أمير المؤمنين  عمر ابن الخطاب كان يقبل برأي  الآخر ويعمل به وهي تصرفات لا تحصى ولا تعد  أثبت الخليفة عمر حرصه على  حرية التعبير عن الرأي وتشجيعه للجهر بالقول (  حرية الرأي والعقيدة بين  الشريعة والقانون ، جامعة مولاي اسماعيل ميكنساس ،  كلية العلوم القانونية  الاقتصادية والاجتماعية المغرب ).
 أما في  المنظور الدولي فقد أكدت المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق  الإنسان  (1948) الحق في حرية التعبير التي تشمل البحث عن واستقبال وإرسال  معلومات  وأفكار عبر أي وسيط وبغض النظر عن الحدود. وجاء في المادة (19)  كذلك من  العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ما يلي:
1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف   ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون ما اعتبار للحدود   سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها .
3.  تتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذه المادة  واجبات  ومسؤوليات خاصة وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن  تكون  محدودة بنص القانون أو تكون ضرورية .
أ‌.       احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم
ب‌.   لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة أو الآداب العامة.
وكررت المواثيق الإقليمية أو توسعت في ضمان وحماية حرية التعبير، فالمادة   (10) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لسنة 1950 تحمي حرية التعبير   على مستوى الدول الأعضاء ي المادة العاشرة والتي ذكرت على ان " لكل انسان   الحق في حرية التعبير وهذا الحق يتضمن حرية الرأي وحرية تلقي او تبادل   معلومات او افكار دون تدخل من السلطات العامة ودون اعتبار للحدود "،   والمادة (9) من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب تضمن الحق نفسه.   وكذلك المادة (13) من الاتفاقية الأمريكية لحماية حقوق الإنسان تنص على أن  :  لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في البحث  عن  مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون ما  اعتبار  للحدود سواء شفهية أو كتابة أو طباعة أو في قالب فني و بأي وسيلة  يختارها …  ،   وإعلان اليونسكو للإعلام 1978 والمبادئ الخاصة بالنظام  العالمي الجديد  للإعلام والاتصال 1980 ولقد أسفرت مؤتمرات اليونسكو  والجهود الفردية لبعض  علماء الاتصال في تحديد أبرز مقومات الحق في الاتصال  على النحو التالي:
الحق في المشاركة،الحق في تلقي المعلومات، الحق في الإعلام، الحق في الانتفاع بموارد الاتصال .
بل إن الأمم المتحدة وكافة الدول الديمقراطية والرأي العام الديمقراطي في   العالم كله يكاد يجمع على أن حق الرأي والتعبير هو الركن الأساسي في كافة   الحقوق الممنوحة للإنسان في المواثيق والعهود الدولية. وقد أكدت الجمعية   العامة للأمم المتحدة أن حرية التعبير هي حق إنساني أساسي... وهي محك   الاختبار لكل الحريات التي كرستها الأمم المتحدة، أكدت المحكمة الأوروبية   لحقوق الإنسان على أن " حق حرية التعبير يشكل واحدا من الأسس الجوهرية   للمجتمع الديمقراطي واحد الشروط الأساسية لتقدم وتنمية الإنسان.
ووصفت  الجمعية العامة للأمم المتحدة حرية التعبير بأنها المحك لجميع  الحريات التي تكرس الأمم المتحدة  نفسها لها، وقد أشارت المحكمة الأمريكية  لحقوق الإنسان " أن حرية التعبير  حجر الأساس الذي يستند إليه النظام  الديمقراطي ولا مفر منه لتشكيل الرأي  العام. ويمكن القول بأن مجتمعا غير  مطلع جيدا ليس مجتمعا حرا.
ولقد  وردت بعض القيود والاستثناءات " المشروعة " على حرية الرأي والتعبير  مثل  بقية الحقوق والحريات، في نص المادة (29) من الإعلان العالمي لحقوق   الإنسان والفقرة الثالثة من المادة (19) للعهد الدولي للحقوق المدنية   والسياسية، وهو في مجموعها تحمي حقوق وسمعة الآخرين، والأمن القومي أو   النظام العام أو الصحة والأخلاق العامة، وتعتبر حماية هذه الأغراض قيودا   مشروعة على حق التعبير وخاصة حرية الصحافة. وكذلك الفقرة (2) من المادة   (10) للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان نصت على " يجوز إخضاع ممارسة هذه   الحريات التي تتطلب واجبات ومسؤوليات لبعض الشكليات آو الشروط آو التقيدات   آو المخالفات التي يحددها القانون والتي تعد في مجتمع ديمقراطي تدابير   ضرورية لحفظ سلامة الوطن واراضيه، والامن العام وحماية النظام ومنع  الجريمة  وحماية الصحة والأخلاق وحماية الآخرين وسمعتهم وذلك لمنع إفشاء  المعلومات  السرية أو لضمان سلطة الهيئة القضائية ونزاهتها" . 
وبالمقارنة مع دراسة تحليلية مقارنة أعدها الدكتور طالب عوض لقوانين   الصحافة في الديمقراطيات الأوروبية وغير الأوروبية ،الصادرة عن المركز   الدولي ضد الرقابة والتي شملت 11 دولة وهي على النحو التالي  : استراليا   ،النمسا ، كندا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، النرويج، إسبانيا، السويد،   بريطانيا، الولايات المتحدة .
وخلصت الدراسة إلى سبع سمات أساسية  مشتركة للدول الإحدى عشرة على النحو  التالي وبمقارنة تلك الدراسة مع  القوانين الفلسطينية ذات العلاقة وبخاصة  قانوني المطبوعات والنشر رقم 9  لسنة 1995 وقانون العقوبات الاردني رقم 16  لسنة 1960 :-
أولا: لا  تطلب أي دولة من الدول التي شملتها الدراسة أي شكل من أشكال  الموافقة  الحكومية على إصدار صحيفة أو دورية وفي كل البلدان يعتبر عدم طلب  تصريح أو  غيرة من الموافقات الحكومية حيويا من جوانب حرية الصحافة، على عكس  ذلك من  وجوب الحصول على ترخيص من قبل وزارة الاعلام طبقاً للمواد 17 و18  و19 و21  و36 من قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني .
ثانيا: لا تفرض أي من  البلدان قيودا على تصدير الصحف وتنفرد ألمانيا وفرنسا  من بين البلدان  الأوروبية موضع الدراسة بفرض قيود على استيراد الصحف  والمطبوعات تتعلق  بمحتواها وفي ألمانيا نادرا ما تطبق هذه القيود ، ونفس  الامر في قانون  المطبوعات والنشر الفلسطيني في المادة 34 منه.
ثالثا: لم يحدث على ما  نذكر حديثا في أي بلد من البلدان التي شملتها  الدراسة أن سجن أحد بتهمة  التشهير بالحكومة أو الازدراء الموجه لها، أو  لمؤسساتها أو لرموزها.
رابعا: تعترف كل البلدان الأوروبية محل الدراسة – عدا بريطانيا – بحق   الوصول إلى المعلومات التي بحوزة الحكومة، ما عدا في الحالات التي يهدد   كشفها بإهدار عدة قيم ( كلها مدرجة بالفعل في الفقرة (2) من المادة (10)  من  الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان )، وذات الامر في المواد 6 و7 و8  من  قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني المذكور .
خامسا: يفترض أن تكون  الجلسات البرلمانية مفتوحة في كل البلدان التي شملتها  الدراسة، ويمكن أن  تتحول إلى جلسات مغلقة في ظروف محددة و محدودة النطاق،  وذات الامر في  المادة 198 فقرة 2 / أ من قانون العقوبات الاردني لسنة 1960. 
سادسا :  في كل البلدان الأوروبية موضع الدراسة – عدا بريطانيا وفرنسا –  يمكن  الدفاع عن نشر المعلومات الحكومية السرية بان الكشف عنها كان من اجل   الصالح العام ويلقى هذا المسلك سندا قويا في المادة (10) من الاتفاقية   الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تكفل حق تداول المعلومات باعتباره مصلحة   عامة مشروعة، مما قد يعني اعترافا بان الصالح العام كشف أسرار الحكومة،  عكس  ذلك في القانون الفلسطيني هناك حماية لأسرار الدولة المادة 37 / 1 من   قانون المطبوعات الفلسطيني .
سابعا : تعترف كل البلدان الأوروبية التي  شملت الدراسة – عدا بريطانيا  والنرويج – بحق الصحفيين في حماية مصادر  معلوماتهم السرية، ولا سيما فيما  يتعلق بالمعلومات المتعلقة بالصالح العام  ( بما في ذلك الجرائم الخطرة  والفساد الرسمي ) ويبدو في النرويج أن هذا  الحق معترف به بشكل راسخ في  الممارسة العلمية، وقد أدخلت إصلاحات على  القانون الفرنسي حديثا كي ينسجم  مع الممارسة المشتركة، ونفس الامر في  قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني  المادة 4 ولكن سمح للمحكمة حمايةً لأمن  الدولة او لمنع الجريمة او تحقيقاً  للعدالة كشف السرية .
وكذلك فإن  كافة البلدان - باستثناء بريطانيا و استراليا - تحوي دساتيرها  على ضمانات  واضحة لحرية التعبير وتنص المادة (110 ) من الدستور السويدي على  " حرية  الحصول على المعلومات وتلقيها وغير ذلك من الوسائل للتعرف على  تصريحات  الآخرين....وذلك في إطار علاقتهم بالسلطات العامة " .
وتعتبر كافة  بلدان الدراسة أطراف في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية  وكذلك  -   باستثناء ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا -  أطراف  بالبروتوكول  الاختياري الأول لهذا العهد ( الذي يخول للأفراد حق تقديم  شكاوي ضد الدولة  إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ) وكذلك كافة  البلدان  الأوروبية هي أطراف في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ، وقد  أقرت  جميعها حق الأفراد في تقديم التماسات ، وكذلك حق المحكمة الأوروبية  لحقوق  الإنسان في الفصل في القضايا المعنية .
وفي المجال التشريعي يوجد قانون  موحد للصحافة في بلدين فقط هما أستراليا  والسويد ، وهو يشتمل كل المواد  التي تطبق على الصحافة ( وللقانون السويدي  وضع دستوري ) ، بينما يوجد عدد  من القوانين الاتحادية المتعلقة بالصحافة في  ألمانيا ، حيث لكل مقاطعة  (ولاية ) قانون موحد للصحافة ، وهي تتبع نفس  النمط بوجه عام . أما فرنسا  فلديها عدد من القوانين التي تطبق فقط أو في  المقام الأول على الصحافة ،  وإذا أخذنا في الاعتبار أن السويد وألمانيا  تمنحان أقوى حماية للصحافة ،  ولهذا يمكن القول بأن وجود قانون للصحافة ليس-  بحد ذاته - نذير شر  للصحافة  وهو ذات الامر فهناك قانون المطبوعات والنشر  الفلسطيني وكذلك  قانون نقابة الصحافيين الفلسطينين رقم 17 لسنة 1952.
 وهناك حاجة لدعم  الصحافة من قبل الدولة لمحاربة الاحتكارات الإعلامية ،  حيت نجد أن نظام  الدعم المعمول به في السويد ناجح حيت لا يقدم الدعم إلا  لثاني أقوى صحيفة  في كل الأسواق الصحفية ، ولا تأخذ ألمانيا بنظام الدعم  بسبب الاعتقاد بأن  التوزيع غير المتكافئ للدعم قد يؤثر على اتجاهات هيئة  التحرير ، وقد تغلبت  النمسا على هذه المشكلة بمنح دعم متساو لكل الصحف التي  تتقدم بطلب للحصول  عليه . وتقدم معظم الدول أنواعا مستترة من الدعم عن  طريق منح امتيازات  ضريبية خاصة للصحف أو تخفيض أسعار الخدمات البريدية و  التلفونية ( كما في  النمسا وفرنسا وألمانيا والنرويج والسويد والولايات  المتحدة ) وتلك  الأنواع غير المباشرة من الدعم لا تثير جدلاْ وينظر إليها  بوصفها مساندة  ضرورية للصحافة
وبخصوص ترخيص وإصدار الصحف (في هذه البلدان ) لا يتطلب  إصدار الصحف أي شكل  من أشكال الموافقة الحكومية، والواقع أن الصحف  والدوريات النمساوية معفاة  من شرط الحصول على رخصة تجارية، وهو شرط لازم  في أنشطة أخرى كنشر الكتب  وطباعتها. وتفرض بعض البلدان ( فرنسا وإسبانيا  وبريطانيا ) شرطاْ للتسجيل  لكن السلطات لا تملك الحق رفض التسجيل ، وعكس  ذلك في القانون الفلسطيني .
وتطلب بعض البلدان ( استراليا والنمسا ) أن  تطبع الصحيفة أسماء وعناوين  ناشريها وطابعيها، كما تتطلب معظم البلدان  إيداع نسخة واحدة على الأقل عن  كل عدد من أعداد المجلة أو الجريدة في  المكتبة الوطنية أو غيرها من أماكن  إيداع المطبوعات ، وفي فرنسا يجب إيداع  نسخ لدى سلطات محلية متعددة بما في  ذلك مكتب النائب العام أو دار البلدية  ، وذات الامر في قانون المطبوعات  والنشر الفلسطيني في المواد 22 و33 منه .
أما آليات التنظيم الذاتي للصحافة : يوجد نوع من أشكال التنظيم الذاتي   الطوعي في ثمان من الدول التي شملتها الدراسة ، وفي ستة من البلدان   الأوروبية توجد مجالس للصحافة (النمسا،ألمانيا، هولندا، النرويج، السويد،   وبريطانيا)، وكذلك الحال في استراليا ، بينما لا يوجد في كندا مجلس  للصحافة  ، توجد مجالس خاصة بالمقاطعات حيث يوجد أربع مجالس من اصل خمس  مقاطعات،  وتتمتع المجالس الصحفية كلها بحق تلقي الشكاوي ضد الصحافة واتخاذ  قرارات  بشأنها ،وبعض تلك المجالس يعمل أيضا على تعزيز حرية الصحافة وذلك  بالإسهام  في المناظرات التي تعقد حول السياسة العامة ، بإيفاد ممثلين إلى  الاجتماعات  الحكومية ، ويوجد في السويد علاوة على مجلس الصحافة ، مفوض خاص  لتلقي  الشكاوي الخاصة بالصحافة ، وتلعب السكرتارية التنفيذية لمجلس  الصحافة  الأسترالي دورا شبيها بالمفوض الخاص لتلقي الشكاوي ، فكلاهما  يحاول التوسط  في النزعات قبل اتخاذ إجراءات اكثر رسمية في المجلس.
هذا وقد حددت مجالس الصحافة شروط مفصلة للوائح العمل الصحفي الداخلي تستخدمها كدليل لإصدار قراراتها ويمكن تلخيصها بالآتي:-
1. الأمانة والإنصاف، والسعي لأخذ رأي أي شخص يكون موضع نقد في تحقيق  صحفي  قبل نشر التحقيق، وواجب تصحيح الوقائع المغلوطة، وواجب عدم تزييف  الصور أو  استخدامها بطريقة مضللة.
2. إعطاء فرصة الرد على الآراء التي تتضمن انتقادا وعلى التحقيقات الصحفية التي تنقد وقائع .
3. توخي الموضوعية شكلا ومضمونا، وبعض اللوائح تمنع العاملين في الصحافة من قبول الهدايا.
4. التميز بين الوقائع والاراء.
5. احترام حرية الحياة الخاصة.
6. عدم استخدام وسائل غير أمينة للحصول على معلومات.
7. عدم التميز أو إشعال الكراهية على أساس العنصر أو القومية أو الدين أو   الجنس ، وبعض اللوائح تحض الصحافة على الامتناع عن ذكر الأصل العنصري أو   الديني أو القومي للأفراد الذين تدور عنهم القصص الإخبارية
8. ما لم يكن لذكر هذه المعلومات أهمية موضوعية للقصة، بينما يحث بعضها على تغطية الموضوعات التي تشجع روح التسامح.
9. عدم تعريض حياة الناس للخطر .
10. توفر معايير الآداب والذوق العام .
11. عدم الكشف عن المصادر التي لا ترغب في الكشف عن نفسها.
12. عدم الحكم مسبقا بإدانة أي متهم، ونشر نفي التهم عن أو إعلان براءة أي  شخص تكون الجريدة قد سبق أن نشرت انه اتهم أو حوكم بالفعل.
 وتعتبر  مجالس الصحافة في السويد وهولندا من بين اكثر المجالس فعالية ،  وكلها تضم  في عضويتها أعضاء من غير العاملين في الصحافة ، كما أن المجلسين  يرأسهم  محامون.
أما في الوضع الفلسطيني فلا نجد مجلس خاص للصحافة والإعلام  ولكن هناك قانون  نقابة الصحافيين المذكور والذي نظم شأن الصحافيين واخلاق  وآداب المهنة  وكيفية انشاء مجالس التأديب .
 وتوفر كل البلدان السبعة  التي شملتها الدراسة والتي بها قانون مدني –عدا  السويد- شكلا من أشكال حق  الرد القانوني أو التصحيح ( النمسا، فرنسا،  ألمانيا، هولندا ، النرويج،  إسبانيا ) وفي معظم البلدان يعطى الشخص الذي  يتعرض للادعاءات بخصوص وقائع  تلقي ظلالا سلبية الحق في الرد دون أن يضطر  مثلا لتقديم دليل على أن ما  نشر بشأنه غير صحيح أو يستهدف التشهير (ألمانيا  ، هولندا، النرويج ،  إسبانيا) بحيث لا يزيد حجم الرد في معظم البلدان عن  مساحة القصة الأصلية ،  وتلزم الصحيفة بإعطاء نفس مستوى بروز المادة الصحفية  التي ترد عليها  القصة ،أي لا يجوز نشر الرد في باب بريد القراء، أما في  القانون الفلسطيني  فنجد أنه طبقاً للمواد 25 و26 و27 من قانون المطبوعات  هناك حق للرد او التصحيح بل يتم فرض عقوبة في حالة عدم  القيام بهذا الرد او  التصحيح على رئيس تحرير الصحيفة .
اما عن  التطلعات المستقبلية فنجد ان لدى مجلس الوزراء الفلسطيني نية قد تم   التعبير عنها بإنشاء مجلس اعلى للصحافة وهو اتجاه صحيح لتعزيز حرية الرأي   والتعبير وضمانها ولتلك الغاية هناك ثلاث مشروعات قانونية في طور الاعداد   وهم قانون المجلس الاعلى لتنظيم قطاع الاعلام ، مشروع قانون المرئي   والمسموع ، مشروع قانون ضمان الحصول على المعلومات ولتلك الغاية فإنه يجب   النص على عدم جواز الرقابة المسبقة ،وانهاء العقوبات السالبة للحرية في   الجرائم المرتكبة بواسطة المطبوعات وجرائم الرأي . واصدار تشريع واضح  وصريح  يمنع التوقيف والحبس في قضايا المطبوعات والنشر ، والغاء كافة  اشكال  الرقابة المسبقة على حرية التعبير وحرية الصحافة والاعلام ، ووضع  تشريعات  تعاقب من يفعل ذلك بغير الطريق الذي يحدده القانون .
وعليه ،  ان دولة سيادة القانون هي التي تلتزم نصاً وروحاً بالديمقراطية  وبدستورها  وقوانينها والتي يجب ان تتناغم مع المعايير الدولية لحقوق  الانسان .